ألمح الأميركيون والإسرائيليون مرارا الى دور محتمل لسلطة اوسلو في غزة، وهذا السيناريو تدفقت في وجهه كل نقاط الضعف التي يمكن توقعها من ناحية تحليلية.
ابرز هذه النقاط ما يتعلق بعدم قبول الفلسطينيين في غزة لحكم السلطة، حتى لو كانت هي الحل للمأساة التي يعيشونها، خصوصا، ان هناك ثأرات نائمة بعد حكم حماس لغزة عام 2007، وستعود للتصفية، مما سيولد ردود فعل واسعة في المجتمع الغزي الذي تتجذر فيه القبلية مثل بقية العرب، إضافة الى التباينات السياسية الحادة، ووجود تيار شعبي ما يزال مع المقاومة، وبعضه منظم سرا، او على تعاطف بدرجة ما مع المقاومة، او أنه سيرى في عناصر السلطة، وسيلة اسرائيلية لحكم القطاع، إضافة الى ان السلطة ذاته سوف تتجنب حكم القطاع الذي تم شطب الحياة فيه، فهو بلا بنى تحتية ولا مدارس ولا مستشفيات ولا اقتصاد ولا وقود، ولايمكن للسلطة ان تذهب لحكمه دون تصور سياسي اوسع يخص الدولة الفلسطينية، ودون وجود مال غزير، ومشروع اعمار تتراوح تقديراته بعشرات المليارات، حتى الآن، لإعادة بناء مئات آلاف الوحدات السكنية التي تدمرت كليا، او جزئيا.
وبالطبع الكل يعرف ان العملية لم تتوقف حتى الآن، بما يعني زيادة الكلفة الاجتماعية والاقتصادية في وقت لاحق، من العدوان الاسرائيلي الاجرامي على قطاع غزة.
ذات الاميركيين والاسرائيليين تنبهوا لاحقا الى استحالة حكم السلطة لقطاع غزة، بل ان مراكز القرار الاسرائيلية ادركت ان اعادة القطاع لحكم الفلسطينيين، وتحديدا السلطة، يعني عودة السلطة للمطالبة بعودة لمفاوضات السلام، واقامة الدولة الفلسطينية، ما دامت العمليات قد انتهت، ولم تعد هناك جهات تعترض على اي حل سياسي، وهذا يفسر تصريحات الاميركان والاسرائيليين ان القطاع قد يعاد الى السلطة، لكن ليس بشكلها الحالي، فهي بحاجة الى اصلاحات، وقد تتحول رئاستها الحالية إلى مظلة شكلية، لصالح ترتيبات جديدة، وهذا التدرج والتقلب والاضطراب الاسرائيلي في الوصفات، يعني بشكل واضح ان اسرائيل لا تعرف ماذا تفعل في مصير القطاع بعد الحرب، ولا كيفية شكل اليوم الاول، للقطاع بعد الحرب؟.
لو قمنا بسحب كل هذه الاستخلاصات على الضفة الغربية، والعدوان الاسرائيلي اليوم، على مدن الضفة الغربية، ومخيماتها، وحالة التدرج الفلسطينية في رد الفعل، وردود الفعل الاسرائيلية، واحتمالات التورط في جرائم في القدس، وبحق المسجد الاقصى تحديدا، فإن انفجار الوضع داخل الضفة الغربية بشكل واسع يبدو واردا جدا، والنتيجة تقول هنا ان اسرائيل ستجد نفسها نهاية المطاف امام سيناريو اخطر في الضفة، قد يوصلها الى ذات السؤال حول من سيحكم الضفة الغربية وبأي عنوان، مما يعني ان كل مشروع السلطة بالمعيار الاسرائيلي قيد الفك واعادة التركيب.
وسط كل هذه السيناريوهات، بدأ الاسرائيليون بعزف نغمة قديمة، اي اعادة قطاع غزة لحكم مصر، واعادة ما تبقى من الضفة الغربية لحكم الاردن، وهذه مشاريع قديمة، والكل يعرفها، والكل قاومها ورفضها، بل ان ذات مشروع السلطة في تأسيسه جاء للحديث عن دولة فلسطينية متصلة تدمج قطاع غزة بالضفة، لكن اسرائيل وعبر نفوذها لدى واشنطن، قد تجد الحل اعادة دمج غزة والضفة الغربية مع دولتين قائمتين، في ظل روابط سياسية واجتماعية تاريخية كانت قائمة وما تزال، وهذا السيناريو اقل كلفة على الاحتلال، ويحول مشكلة الفلسطينيين من مشكلة قيام دولتهم الى مشكلة سكان بحاجة فقط الى حواضن سياسية وامنية ترعى شؤونهم اليومية، وكل الخشية هنا ان الاحتلال سيدفع نهاية المطاف نحو هذا الحل، اذا انتصر في هذه الحرب، وهو امر غير ثابت حتى الآن.
هذه ليست اثارة للمخاوف، وتصنيعا متعمدا للذعر، لكن يقال هنا بكل صراحة ان كل الاحتمالات واردة امام عدو يبحث عن حلول للنجاة، وقد لا يجد حلا سوى اعادة تصدير ازماته الى دول جوار فلسطين، سواء عبر الحديث عن قصص التهجير، او دعوة هذه الدول للحكم مباشرة في ارض جوارها الجعرافي، وجميعها حلول سيئة جدا، ومرفوضة، لاعتبارات مختلفة.
نحن نعبر توقيتا حساسا، وهذه ليست حربا عادية، هذه حرب تقود كل فلسطين والمنطقة الى شكل جديد، في ظل ما نراه من مخاطر وكلف ومواجهات ودم وضحايا ابرياء.