المنطقة العربية من أغنى مناطق العالم، لكنها الاقل استقرارا، والاكثر دموية، والموصوفة ايضا بالأعلى فسادا ونهبا لحقوق مواطنيها، حيث لا عدالة ولا قانون.
هذا حال دول عربية كثيرة، ومن المفارقات ان هذه المنطقة هي الاكثر تصديرا للاجئين الى داخل العالم العربي ذاته، والى دول العالم، واذا عدنا الى آخر مائة عام لوجدنا الهجرات الطوعية والاجبارية متواصلة بفعل الاحتلالات، او الحروب الخارجية، او الفتن والحروب الداخلية، او بسبب الصراع على السلطة وغير ذلك.
خذوا مثلا عددا مخيمات السوريين داخل سورية وحدها، اي في ذات وطنهم، حيث يتوزع نحو 7 ملايين نازح على 3 مناطق رئيسية في سورية، وهي الشمال الشرقي، والشمال والشمال الغربي، وعلى سبيل التحديد يبلغ عدد المخيمات في شمال شرقي سورية 15 مخيما، 6 منها في الحسكة التي تحتضن أكبر عدد من النازحين، وهي مخيمات الهول، والعريشة، وروج، ونوروز، وسريه كانيه، وواشو كاني. في حين توجد 5 مخيمات في شمالي حلب، وهي برخدان، وسردم، والعودة، وعفرين، والشهبا، ويضاف الى ماسبق عدد مخيمات السوريين في دول الجوار، وفي لبنان مثلا يقدر عدد السوريين المقيمين في لبنان بـ1.5 مليون لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقا نظامية، بينما تشير بيانات “اونروا” إلى أن عدد السوريين المسجلين لديها يبلغ 825 ألف لاجئ. ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي على الأراضي اللبنانية، ويرتكز معظمها في البقاع والشمال، وفي الاردن يعيش اكثر من 1.4 مليون سوري، ويوجد 5 مخيمات للاجئين السوريين في الأردن، 3 منها رسمية و2 مؤقتان، واغلب السوريين يتوزعون على بقية المدن.
اما اللاجئون الفلسطينيون، فيبلغ عددهم أكثر من ستة ملايين شخص، يتوزعون على 58 مخيما في الضفة الغربية، وقطاع غزة، والاردن، ولبنان، وسورية، والاردن ذاته يعيش فيه لاجئون من جنسيات مختلفة من 57 جنسية، وعدد اللاجئين مختلف من احصائية الى احصائية، لان هناك احصائيات تعتمد تسجيلات المؤسسات الدولية، ورصدها، وهناك اعداد غير مسجلة اساسا لاعتبارات شخصية.
خذوا مثلا الحرب المنسية في السودان التي ادت الى لجوء اكثر من ستة ملايين لاجئ داخل السودان ذاته، فيما فر أكثر من مليون شخص منهم إلى بلدان مجاورة يعاني بعضها من أوضاع مأساوية، على صعيد الفقر والفوضى الامنية وتردي الخدمات الصحية، وفي السودان مخيمات للاجئين السودانيين، ومراكز ايواء، وتختلف تقديرات الارقام من وقت الى آخر، ولو ذهبنا من السودان الى اليمن مثلا، لوجدنا ذات القصة حيث ظاهرة اللجوء والنزوح بسبب الحرب اليمنية، بل وللمفارقة وجود لاجئين في اليمن ذاته من الصومال واثيوبيا ودول ثانية، والامر ذاته ينطبق ايضا على شمال العراق، حيث في كردستان وحدها عشرات مخيمات اللاجئين، ووفقا لارقام نهايات عام 2023 بلغ عدد المخيمات اكثر من عشرين مخيم يسكنها عراقيون غادروا مناطقهم الى مناطق آمنة في شمال العراق.
القصة هنا لا تتعلق بالارقام، بل تتعلق بكون العالم العربي، الاكثر انتاجا للمخيمات داخل دوله وفي جوار كل دولة، وهو العالم الاكثر انتاجا لأعداد اللاجئين من جنسيات مختلفة الى ذات العالم العربي والى المهاجر، هذا غير الارقام التي تعيش اصلا خارج المخيمات، بما يجعلنا نسأل بعمق حول المستقبل، الذي ستأتينا به الايام، وسط منطقة لا تعرف الاستقرار، ولا الامن، ولا الرخاء، بل تنحر راسمالها البشري كل يوم، بالحروب والصراعات، والا بالفقر والتجهيل والظلم والفساد.
بين نظريات الاستهداف والمؤامرة والكيد الداخلي والدولي، وتلك المتعلقة بأخطاء الحاكمين والمحكومين وما بينهما، تبقى القيمة الاسطع للانسان واستقراره، وهذه هي القيمة المنهوبة والغائبة، الواجب التنبه لكلفتها الاستراتيجية الخطيرة.