اقتصاداقتصادية

“الاستراتيجيات الأردني” يسلط الضوء على العملات الرقمية والنموذج المصرفي

أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني تقريراً، ضمن سلسلة تقارير المعرفة قوة، بعنوان: “النقود في عصر التحول الرقمي”، وذلك بهدف تسليط الضوء على العملات الرقمية للبنوك المركزية ومدى اختلافها عن العملات المشفّرة.

وبحسب بيان للمنتدى اليوم الثلاثاء، استعرض في مقدمة الورقة، الوظائف الثلاث الرئيسية للنقود، حيث تعمل النقود كوسيط للتبادل (Medium of Exchange)، ووحدة لقياس القيمة (Unit of Account)، ووسيلة لحفظ القيمة (Store of Value).

وقال إنه في إطار عملها كوسيط للتبادل، فإنها تعمل من خلال هذه الوظيفة على تسهيل تبادل السلع والخدمات، وفي حالات عدم وجود النقود، يتفق الأفراد على وسيلة ما تعمل بمثابة النقود لغرض المقايضة وتسيير المعاملات، إذ لا تتوفر أية خيارات أمام الأفراد سوى الاعتماد على المقايضة رغم أنها وسيلة غير عملية.

وأشار المنتدى في ورقته، إلى أنه في نطاق عمل النقود كوحدة لقياس القيمة، فهي تستخدم كمقياس لقيمة المعاملات، ففي حال اشترى شخص سلعة ما، فسيتم تحديد السعر بالدينار (وليس بأي سلعة أخرى تقابل قيمة السلعة المشتراة)، أما بالنسبة لعمل النقود كوسيلة لحفظ القيمة، ففي حال كسب شخص ما “س” دينار، فيمكنه الاحتفاظ به وإنفاقه في المستقبل، حيث يتم الاحتفاظ بالدينار لكونه يحفظ القيمة.

وفي هذا السياق، أوضح المنتدى أن طبيعة النقود قد تغيَّرت بمرور الوقت، حيث كانت أقدم أشكال النقود عبارة عن عملات معدنية مصنوعة من مادة معدنية ذات قيمة (كالذهب والفضة)، وقد تم استبدال هذه العملات المعدنية بشكل تدريجي إلى نقود ورقية تمثيلية (Representative Money) ذات احتياطات معدنية، حيث تحتفظ الحكومات بهذه الاحتياطات لحاملي النقود عند طلب استردادها، أما اليوم، فتستخدم الحكومات الأوراق المالية النقدية، غير القابلة للتحويل، والتي يطلق عليها (Fiat Money).

وبحسب المنتدى، يشير مفهوم الأوراق المالية النقدية إلى النقود التي تُعتمد من قبل الحكومات للتعامل بها بصورة قانونية، وتعتبر ذات قيمة اسمية أكبر من قيمتها الحقيقية، وهي غير مدعومة بالاحتياطات المعدنية، بل تنبثق قيمتها الحقيقية من ثقة المتعاملين بها.

في السياق ذاته، أشار المنتدى إلى تزايد مستوى الاهتمام العام من قبل الحكومات والبنوك المركزية والقطاع الخاص والمواطنين حول العالم بما يسمى بـ “العملات المشفرة” و “العملات الرقمية”.

وفيما يتعلق بالعملات المشفرة، فقد عرفها المنتدى على أنها عملة رقمية لامركزية (لا يوجد أي طرف مركزي يتحكم فيها)، إذ تتم معالجة المعاملات بها وتسجيلها من خلال ما يسمى بـ “سلسلة الكتل” (blockchain) والذي بدوره يحتفظ بجميع سجلات المعاملات ويتتبع مالكي العملة.

أما بالنسبة للعملات الرقمية، فقام المنتدى بتعريفها على أنها نسخة رقمية من النقود الورقية المعتمدة من قبل الحكومة والمُصدَرة من قبل البنك المركزي.

في سياق متصل، استعرض المنتدى بعض الملاحظات الضرورية ردًا على الآراء المتداولة من قبل مناصري العملات المشفرة والتي تتمحور حول حتمية استخدامها لكونها تمثّل مستقبل النقود، مبيناً ضرورة أن تتمتع العملات المشفرة باستقرارية سعرها لغايات استخدامها كنقود، حيث يضمن هذا الاستقرار إمكانية تبادلها مع السلع والخدمات.

ومن هذه الناحية، بيّن المنتدى بأن الأدلة كافة تشير بأن الواقع غير ذلك، علاوة على أن العملات المشفرة عادةً ما يتم التعامل بها كأصل للمضاربة، فعندما يتوقع الأفراد أي زيادة في سعر العملة المشفَّرة، فإنهم سيشترونها فقط لغايات بيعها في يوم لاحق، أي ليس الهدف من استخدام هذه العملة شراء السلع والخدمات، وعليه يكمن التشكيك بطريقة استخدام العملات المشفَّرة كوسيط للمبادلة كونها لا تحقق هذه الوظيفة اللازمة لاعتمادها كنقد يتم التداول به.

وبحسب المنتدى، فيما يخص بعض التفصيلات حول العملات الرقمية للبنوك المركزية، أوضح أن العملة الرقمية عملة متاحة على نطاق واسع لعامة الناس، كما أنها تعتبر التزامًا رقميًا على البنك المركزي المصدر لها وتتخذ الشكل الرقمي للنقود الورقية المعتمدة في الدولة.

وأكد المنتدى أن البنك المركزي هو الجهة الوحيدة التي تحتفظ بسلطة عرض العملة والقدرة على التحكم بقيمتها مباشرةً من خلال سياسته النقدية، مشيرا إلى أن استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي يأتي لكونها عملة قانونية تُعتمد للمعاملات، أي تعمل كوسيط للتبادل.

وأوضح المنتدى أن إدخال عملات رقمية صادرة عن البنوك المركزية له عدة تبعات على النموذج المصرفي التقليدي، مشيراً إلى أن عملات البنوك المركزية الرقمية تعتبر التزامات عليها، ما يجعلها أكثر أمانًا من النقود الرقمية للبنوك التجارية (وهي أموال يتم تداولها رقمياً عبر تطبيقات البنوك الذكية ومنصاتها الإلكترونية).

وبين أن إيداع العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية يجنب المودعين أية مخاطر، وبالتالي يلغي الحاجة لتأمين ودائعهم، موضحا أن التعامل بهذه العملات الرقمية قد لا يتطلب حسابًا مصرفيًا، إن ارتأى البنك المركزي ذلك، وفي هذه الحالة تزداد نسبة الشمول المالي للأفراد الذين لا يملكون حسابا مصرفيا من خلال تعاملهم بالعملات الرقمية مع البنك المركزي عبر تطبيق الهاتف الذكي، لافتا إلى أن سياسة البنوك المركزية قد تفرض وجود الحسابات البنكية، حتى وإن استُخدمت العملة الرقمية، لأنها تتعامل مباشرة مع المؤسسات المالية فقط.

وأشار التقرير إلى أنه في حال تم السماح للأفراد والشركات بسحب ودائعهم من البنوك التجارية لغايات إيداعها كعملات رقمية في البنوك المركزية تصبح قدرة البنوك التجارية على الإقراض مقيّدة، وعليه، قد تضطر البنوك إلى الاقتراض من البنك المركزي لتمويل أنشطتها التمويلية.

وبعبارة أخرى، تصبح البنوك المركزية “الملاذ الأول للإقراض”.

وفي هذا السياق عرف المنتدى السياسة النقدية على أنها مجموعة من التدابير النقدية التي تنفذها البنوك المركزية للتأثير على عرض النقد وأسعار الفائدة، بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار وسعر صرف العملة المحلية.

وبين أنه في حال قام البنك المركزي بدفع الفوائد على ودائع الأفراد والمؤسسات من العملات الرقمية، فعندها يستطيع نقل أثر سياسته النقدية (Monetary Policy Transmission) مباشرةً إلى الأفراد والشركات بدلا من الاعتماد على البنوك التجارية كأداة نقل للسياسة النقدية.

وبحسب التقرير، فإن جميع المعاملات التي تتم من خلال عملات البنوك المركزية الرقمية يمكن مراقبتها بهدف تحديد البنوك التي تواجه مشاكل نقص السيولة بسرعة، وبالتالي، لن تعتمد على التقارير التي تقدمها لها. وعليه، تصبح إجراءات البنوك المركزية العلاجية أكثر فعالية.

وبحسب المنتدى حول أهمية العملات الرقمية للبنوك المركزية، أشار إلى أن ما يقارب 114 دولة (تمثل أكثر من 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) تدرس تقديم عملاتها الرقمية من خلال بنوكها المركزية.

وبيّن المنتدى أن حوالي 11 دولة أعلنت عن إطلاق عملاتها الرقمية بشكل كامل، وذلك مع استعداد الصين للتوسع بالإصدار التجريبي ليشمل الدولة بأكملها بحلول عام 2023.

وأشار المنتدى إلى اتخاذ أكثر من 20 دولة خطوات مهمة تجريبية نحو إطلاق عملاتها الرقمية، مبينا أن أستراليا، وتايلاند، والبرازيل، والهند، وكوريا الجنوبية، وروسيا تعتزم مواصلة أو بدء الاختبار التجريبي في عام 2023، ومن المرجح أيضًا أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي تجربته العام المقبل.

وفي سياق متصل، أشار المنتدى إلى أن هناك 18 دولة من دول مجموعة العشرين وصلت إلى مراحل متقدمة من تطوير عملاتها الرقمية في حين أن هناك 7 دول من المجموعة في مراحلها التجريبية.

زر الذهاب إلى الأعلى