انفصل محمد عطية عن أسرته في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة منذ أسبوعين عندما نقل إلى مستشفى لتلقي العلاج من إصابة في الرأس.
والآن يمزقه الندم على تركهم في بؤرة حملة عسكرية ضخمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويروي عن ذلك قائلا “بيحكولي عن ليالي من الرعب، بيقولولي كيف إنه كل ليلة بيدعوا ربنا إنه ينجيهم وبيودعوا بعض، الدنيا هناك نار زي جهنم بتغلي وأنا بحس بهيدا الشي في صدري.. يا ريتني ما طلعت من هناك”.
وفي الوقت الذي يقبع فيه منتظرا في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة على بعد بضعة كيلومترات من منزله الذي لا يمكنه العودة إليه، يقبع 23 فردا من عائلته في منزل واحد ليؤويهم وهم بالكاد يجدون ما يتغذون عليه.
وأضاف “بيتقضوا على الموجود، شوي المعلبات اللي ظايلة (باقية)… لا في فاكهة طازة ولا خضروات ولا لحمة ولا دجاج وطبعا ولا في مياه نظيفة”.
وخلال شهر تقريبا منذ شن الاحتلال الإسرائيلي حملة جديدة على بلدة بيت لاهيا الحدودية، التي كانت واحدة من أول أهداف اجتياح بري العام الماضي، تسببت العديد من الضربات بمقتل مئات الفلسطينيين.
وقال مسؤولون في قطاع الصحة إن ضربة على بناية سكنية في 29 تشرين الأول أدت إلى استشهاد 93 شخصا على الأقل، وقال جيش الاحتلال إنه كان يستهدف مترصدا على سطح البناية.
خرج آلاف الفلسطينيين من بيت لاهيا ومن بيت حانون وجباليا عقب أوامر إخلاء، ويقول جيش الاحتلال إنه يقضي على مجموعات من مقاتلي حركة حماس ما تزال تعمل من بين الأنقاض.
والمنطقة باتت معزولة من مدينة غزة إلى الجنوب منها والاتصالات متقطعة وإمدادات الغذاء تتضاءل وأسعار القليل المتاح وصلت لمستويات ارتفاع جنونية.
وليس من الواضح عدد المدنيين الباقين في شمال قطاع غزة، ويقدر الدفاع المدني الفلسطيني أن مئة ألف لا يزالون في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وهو نحو نصف من كانوا هناك في بداية العملية العسكرية للاحتلال الجديدة في 5 تشرين الأول.
عمليات القصف المتكررة دمرت ملاذات كانت تؤوي من بقوا هناك والآن يتكومون معا في أي بناية لا تزال صامدة، ويقول عطية إن هذا هو سبب أن كل ضربة إسرائيلية على أي منزل تسفر عن عشرات الضحايا.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي الأسبوع الماضي “نتوقع أن تستمر هذه العملية العسكرية بضعة أسابيع أخرى على الأقل. هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به هناك من أجل تفكيك قدرات حماس في هذه المنطقة”.
وقالت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، الثلاثاء إن مقاتليها في جباليا قتلوا خمسة جنود إسرائيليين في قتال عن قرب في اليوم السابق، في واحد من عدة بيانات أصدرتها الجماعة في الأسابيع الماضية، ولم يصدر جيش الاحتلال تعليقا بعد.
وحرية تحرك الصحفيين مقيدة والاتصالات غير منتظمة مما يجعل التحقق المستقل مما يحدث على الأرض صعبا.
وقبل الهجمات، يرسل الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء إلى المدنيين من خلال إسقاط المنشورات وإجراء مكالمات هاتفية موجهة.
وقال عطية “النزوح هو أسوأ شعور على الإطلاق… بينحكالك إجري مشان تحافظ على حياتك، بتسأل الصوت اللي بيحكي معك قديش معي وقت بيقولك اطلع أو اجري، شو بتقدر تحمل معك وأنت بتجري؟”.
وكان لعطية وهو موظف حكومي، أحلام لأطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عاما وعامين في القطاع، ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن عدد الشهداء منذ بداية الحرب بلغ أكثر من 43300 فلسطيني.
ويصعب على عطية تصور المستقبل، ويعتقد العديد من الفلسطينيين أن العملية العسكرية للاحتلال تهدف إلى تمهيد الطريق لعودة المستوطنين الإسرائيليين إلى قطاع غزة بعد الحرب.
وقال عطية “هم بيعملوا مناطق عازلة، مشان هيك بيدمروا الشوارع والمربعات السكنية، وفي منهم مجانينهم بيحكوا عن رجعة المستوطنين، هاي وصف قديش الحالة سيئة هناك”.