تفتك ما يُعرف بـ”المُراهنات الإلكترونية” أو “القمار الالكتروني” بالشباب، وسط انتشار وانعدام الخيارات، في المجتمعات العربية، بحسب خبراء الاقتصاد والمجتمع.
ويتساءل الشاب السوري خالد، بعد أن تم إيقافه من قبل شرطة دمشق ، بتهمة لعب “القمار الإلكتروني”: “ماذا تريدونني أن أفعل، هل أبقى متعطلًا عن العمل، ولدي الكثير من المسؤوليات تجاه أهلي؟”.
واضطُر خالد، خريج علم الأحياء، لاستدانة المال من أصدقائه لمتابعة “المُراهنات الإلكترونية”، بعد أن خسر كل المرابح، التي حصَّلها في البداية، مضيفًا: “ربحت مبالغ جيدة، لكن التزاماتي كانت كثيرة، فقررت المغامرة بمبلغ كبير واعتبرتها ضربة العمر، لكن للأسف خسرت”.
وتتكرر قصة خالد كثيرًا في الإعلام العربي، وغالبًا ما تؤدي لعبة “المراهنات الإلكترونية” لممارسات مخالفات أخرى، مثل: الاتجار بالعملات، والنصب، لتأمين رأسمال جيدة للمراهنة.
قانونية المراهنات
وتقضي المادة 754 من قانون العقوبات السوري، بسجن كل من يمارس ألعاب القمار، التي يتغلب فيها الحظ على المهارة والفطنة، بالسجن ودفع الغرامات المالية، كما أن المُراهنات على الشبكة تعد محرمة شرعًا.
وفي مصر، سبق لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن أصدر عدة فتاوى تحرّم المقامرة ولعب المُراهنات، مؤكدًا أن علماء المسلمين أجمعوا على ذلك، عدا مسابقات الخيل، والرمي، والفقه، ضمن شروط معينة.
ويتفاوت قبول المراهنات من دولة لأخرى، ففي إنجلترا تعد قانونية، فيما تحاول بقية الدول الأوروبية قوننة المهنة، بحيث لا تكون نافذة لتبييض الأموال، ويقول المؤيدون لها إنها محببة لعشاق الرياضة، وتزيد تعلّقهم بالألعاب.
وتنشر وزارات الداخلية العربية، بشكل متكرر، أنباء عن توقيف شبكات من الشباب يعملون في المراهنات بالتعاون مع أشخاص يعيشون خارج بلدانهم، حيث يتم التعامل بالدولار، ويجري تحويل الأموال بأسلوب غير نظامي.
ممنوعة أخلاقيًا وقانونًا
من جهته، اعتبر الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، أن المراهنات الإلكترونية بجميع أنواعها، تشير لانتشار البطالة بشكل كبير عند الشباب العربي.
وأضاف لـ”إرم نيوز”، أنه “لو أن الشباب العربي يجد فرص العمل المناسبة، لما انتشرت المراهنات الإلكترونية بهذا الشكل”، مبينًا أن المراهنة الإلكترونية منتشرة، منذ سنوات طويلة، وكل عدة أشهر تظهر برامج مقامرة جديدة وحديثة، وأكثر إمتاعًا وإغراءً”.
وأوضح الدكتور فضلية أن “المراهنات ممنوعة أخلاقيًا وقانونًا، كونها تتطلب فتح حساب بالقطع الأجنبي في الخارج، ويتم قبض الأرباح أيضًا بصورة غير رسمية وغير شرعية، مع العلم أنه لا يوجد عملاء رابحون على المدى الطويل، لأن برامج المراهنات يتم التحكم بها بشكل ما، من قبل مشغّليها”.
ولفت إلى أن “المراهنات غير المشروعة التي تتم في الخفاء بعيدًا عن أعين الحكومات، تحرم البلدان من العملات الصعبة، إذ يتم تحويل الأموال بطرق غير نظامية”.
تداعيات خطيرة
بدروها، رأت الباحثة الاجتماعية أليسار فندي، أن “القضية لا تقف عند المُراهنات في الغالب، فالخسارات تدفع الشباب للاستدانة والسرقة، وارتكاب الجرائم من أجل الحصول على المال والمتابعة”.
وتذكّر فندي بالآيات الكريمة والنصوص الشرعية، التي حرَّمت القمار، وجميع أنواع المراهنات، مؤكدة أن ذلك “التحريم لم يكن عبثًا، فالقمار له تداعيات خطيرة على المجتمع”.
مسلّية
من ناحيتهم، قال مدمنون على “المراهنات الإلكترونية”، إنهم لم يجدوا فرص عمل تناسب شهاداتهم الجامعية، فيما شكا بعضهم من تدني الرواتب، وانعدام الفرص، بينما طالب بعضهم بإيجاد بدائل تضمن مستقبلهم.
واستغرب آخرون معاقبة المتحمسين للمباريات الرياضية والمراهنة على الفريق، واصفين المسألة بأنها مسلية، وتعد تشجيعًا للرياضة، فيما قال البعض إنهم يتراهنون فيما بينهم على وجبة غداء أو عزيمة ما، بعد كل مباراة.
وتبدو المُراهنات الإلكترونية، خطيرة بتداعياتها واحتمال تطورها لمخالفات أخرى، وهو ما يضع الحكومات أمام أسئلة ملحة تتعلق بتحسين الوضع الاقتصادي والتربوي، في ظل الانفتاح الإلكتروني الحاصل في العالم.