أحسنت وزارة التخطيط بنشر تفاصيل المساعدات الخارجيّة الّتي تلقّتها المملكة خلال العام الماضي، فباستطاعة أي محلّل أو مراقب أو حتّى مشكّك أن يصل إلى هذه الأرقام، ويطلع مباشرة على كيفيّة صرفها ومصدرها، وهذا يسجّل للحكومة، ويعزّز الشفّافيّة والمصداقيّة.
ورغم وضوح المساعدات المنشورة على موقع الوزارة، إلّا أنّ هنالك أصواتاً لا تهدأ في التشكيك وإثارة الاستهجان والشكوك حول المساعدات الّتي تتلقّاها المملكة بأنّها تذهب لأوجه إنفاق خفيّة لا يعلّمها أحد حسب ادّعاءاتهم.
البعض أصيب بالذهول عندما سمع أو قرأ أنّ الأردنّ تلقّى في عام 2022 مساعدات خارجيّة بلغت 4.4 مليار دولار، على اعتبار أنّها أموال كبيرة دخلت الخزينة وهي مساعدات، وبالتّالي كان يجب أن لا يكون هناك عجز في الموازنة.
الحقيقة الأساسيّة الّتي يجب أن يعلمها الجميع أنّ كلمة مساعدات خارجيّة تشمل ثلاثة أنواع من الدعم الدوليّ المقدّم للمملكة، وهي:
أوّلاً: المنح الاعتياديّة الّتي تقدّم للمملكة، ولا يقابلها أيّ فوائد ماليّة، لكنّها تكون موجّهة لمشاريع محدّدة سواء في الموازنة أو خارجها حسب اتّفاق المنحة وشروطها.
ثانياً: القروض الميسّرة، بفوائد ماليّة أقلّ ممّا هي في الأسواق التجاريّة العالميّة، وإمّا تكون للموازنة من أجل سداد العجز وتمويل نفقات مختلفة، أو تكون لتمويل مشاريع إنمائيّة معيّنة.
ثالثاً: الدعم الفنّيّ وبناء القدرات، وهذه مساعدات فنّيّة بحتة موجّهة لبناء القدرات المؤسّسيّة أو البشريّة.
بمعنى آخر، فإنّ كلمة مساعدات خارجيّة الّتي وردت في التقرير لا تعني كما يتصوّرها البعض الهبّات أو المنح الماليّة، فكلمة مساعدات شاملة لكلّ ما يتلقّاه الاقتصاد من مساعدات سواء هبّات ومنح أو قروض أو دعم فنّيّ، وهذا يعني أنّ المســاعدات الخارجيّــة مــن المنــح والقــروض الميسّــرة الملتــزم بهــا للأردنّ خلال العــام 2022 والّتي بلغت حوالــي (4.4) مليــار دولار تشـتمل علـى المنـح الاعتياديّـة والقـروض الميسّـرة ومنـح دعـم الخطط.
وفـي التفاصيـل، فقـد بلغـت قيمــة المنــح الاعتياديّــة الملتــزم بهــا حوالــي (1.66) مليــار دولار منهـا منـح لدعـم الموازنـة العامّـة أو دعـم قطاعـيّ مـن خلال الموازنـة العامّـة بقيمـة (1.12) مليـار دولار، والباقـية للاسـتجابة الأردنيّـة للأزمـة السـوريّة، لتنفيـذ مشـاريع تنمويّـة علـى المسـتوى الوطنـيّ.
هـذه المسـاعدات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمكانة الأردنّ الخارجيّة وعلاقاته مع المانحين والدول الصديقة الّتي وثّقها الملك، والّذي يحظى بتقدير كبير عالي المستوى في المجتمع الدوليّ، إلـى جانـب تفهّـم الجهـات الدوليّـة والمانحـة للاحتياجـات التنمويّـة الملحّة للأردنّ ولحجـم التحدّيـات والأعبـاء الّتـي يواجههـا فـي القطاعـات المختلفـة وأهمّيّـة الحفـاظ علـى مسـتوى الخدمـات المقدّمـة للمواطنيـن وخاصّـة فـي ظـلّ المـوارد المحـدودة أصلاً.
المقصود بالمسـاعدات الملتـزم بهـا هـي الّتـي تـمّ توقيـع اتّفاقيّاتهـا مـع الجهـات المانحـة ومؤسّسـات التمويـل الدوليّـة، ويتـمّ تحويـل هـذه المسـاعدات علـى شـكل دفعـات خلال فتـرة تنفيـذ المشـروع وفقـاً لتقـدّم سـير العمـل وخطّـة التدفّقـات النقديّـة للمشـروع وبحسـب اتّفاقيّـة التمويـل وبإشـراف الـوزارات القطاعيّـة المعنيّـة، كمـا تخضـع لآليّـات الرقابـة والتدقيـق الحكوميّـة، وتلـك الّتـي تتبعهـا الجهـات المانحـة ومؤسّسـات التمويـل الدوليّة.
أمّا فيما يتعلّق بالقروض، فقد بلغت حوالـي (2) مليار دولار منهـا (1.47) مليـار دولار لدعـم الموازنـة العامّـة أو دعـم قطاعـيّ مـن خـلال الموازنـة العامّـة، والمبلـغ الباقـي لتنفيـذ مشـاريع تنمويّـة تنفـذ مـن خلال الـوزارات القطاعيّـة المعنيّـة، وقـد تضمّـن إجمالـيّ هـذه المسـاعدات المنــح الإضافيّــة الموجّهــة لدعــم خطّــة الاســتجابة الأردنيّــة للأزمــة الســوريّة بحوالــي (760) مليـون دولار من خلال عام 2022.
هذه تفاصيل ما يتلقّاه الأردنّ من مساعدات خارجيّة بكافّة أشكالها، والمملكة تعي جيّداً أهمّيّة هذه المساعدات في تعزيز استقرارها الماليّ واستكمال تنفيذ مشاريعها، لذلك هي دائماً حريصة على تنفيذ سليم ورشيد لهذه المساعدات، وتمتين علاقاتها بالمانحين ضمن علاقات مؤسّسيّة راسخة منذ عقود.