يقود التشخيص متعدد الأبعاد والتحليل الشمولي للحالة الوطنية إلى حلول متكاملة دائمة متزنة تضبط التوجهات والإيقاع، وتوجه الفعل العام مما يُضاعف النتاج.
وتبني حلولا شاملة تراعي كافة المعطيات والأبعاد، والكف عن تبني حلول أُحادية الجانب بمعزل عن الصورة الكلية والسياق العام.
ليس من مصلحتنا في شيء أن يكون الاهتمام بالأثر الفوري اللحظي المحدود مسيطرا مقابل الإهمال أو عدم الاهتمام بنفس الدرجة بالأثر الشمولي المستدام.
قراءة وتحليل وتشخيص الشأن الوطني العام لا يصح أبدا أن يتم على محاور معينة دون غيرها ولا التعامل مع ذلك بالقطعة أو المحور وبمعزل عن السياق العام، فالتحليل الشمولي يقود إلى حلول شمولية متزنة تضبط التوجهات والخطوات. وهذا بالنهاية يضبط الإيقاع ويوجه التحرك العام وبالتالي يضاعف ويجود النتاج.
الخيارات أمام الحكومات قليلة ولذلك تلجأ دائما للمعالجات المرحلية وإدارة الموازنات بشكل سنوي وبشق الأنفس من خلال الحرص على توفير، وبأي طريقة، مصادر لتمويل الإنفاق. صحيح أن هذا النهج يعالج التحديات المرحلية والسنوية ولكنه للأسف يفاقم التشوهات ويولد المزيد من المعيقات ويجعل الحكومات كل مرة تبحث عن معالجات مرحلية بدلا من الحلول الدائمة. لا ينتهي هذا المسلسل من المعالجات المرحلية ودعوني أقول القيصرية ما لم نتجرع جميعا مرارة الحلول الشافية ونتحمل تبعات اتخاذنا حلولا دائمة. وبعد ذلك، فحركة الاقتصاد كفيلة بالقضاء على التحديات والفجوات والتشوهات تلقائيا حتى لو كان بشكل تدرجي لكنها حلول مستدامة تكفينا شر السلسلة غير المنتهية من الترقيعات السنوية وسيناريو “خذ وهات”.
لا بد من الوقف التام لمسلسل المعالجات المرحلية والتوجه بحزم إلى تبني سياسات مجدية تنهض بالاقتصاد، ولكن هذا يتطلب ضبط الإنفاق تماما والصبر والتحمل خلال فترة انتقالية حتى نبدأ نلمس عوائد هذه السياسات. أن ندفع تكلفة تبنينا للحلول الدائمة مرة واحدة أوفر علينا كثيرا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا من الحلول المرحلية المتكررة التي قد تساهم في ضبط الأمور من جهة ولكنها بلا شك تفاقمها من جهة أخرى. وبعد كل مرة نجد التحديات في ازدياد واشتداد.
تحليل أبرز المؤشرات الكلية الوطنية وواقعها ومستهدفاتها لعدة سنوات قادمة ومن ثم الإسراع في اتخاذ القرارات والإجراءات التنفيذية لمعالجة وتصويب واقع الحال على مستوى جميع المحاور بالتوازي وأولا بأول ضمن برنامج مكثف ورفع تقارير متابعة موضوعية نصف سنوية عن التقدم في الإنجاز لجلالة الملك ونشرها لاطلاع الكافة في ذات الوقت. تحديد عدد محدود من المؤشرات الوطنية يغطي جميع الأبعاد تتابع بشكل دائم من أعلى المستويات وتلتزم الحكومة بنشر تقرير أداء نصف سنوي بمستوى الإنجاز وفق هذه المؤشرات وإذا لم يتجاوز مستوى الإنجاز 70 ٪ من المستهدفات، تكون الحكومة مستقيلة تلقائيا وهذا ينطبق على قيادات الدوائر والمؤسسات. هنا يكون الحكم على مدى كفاءة وفعالية الحكومات موضوعيا بعيدا عن الانطباعات والشكليات والمجاملات.
في مثل هذه الظروف، لا مجال لإضاعة الوقت في إعداد الإستراتيجيات والخطط التي تصفط على الرفوف أو توضع بالأدراج وكأن الأمر ينتهي بمجرد إعدادها. وبالتالي ندور في حلقات مفرغة بين الكثير من الأوراق دون انجاز. علينا استثمار الوقت بأكمله في الانجاز الفعلي فكفانا تنظيرا والغرق في طباعة الوثائق التي تتضمن العديد من الاوراق شكلها جميل ومحتواها جيد ولكنها تعاني من نقص في التنفيذ. هذه المهمة تحتاج إلى كفاءات ذات قدرات عالية المستوى جسورة على الانجاز ومواجهة التحديات وعدم الالتفات للمقاومات والترفع عن محاولات التشويه والتشويش.
تتقدم الحكومات ببيان وزاري لمجلس النواب لنيل الثقة على أساسه. يُؤخذ في العادة على البيان أن معالمه غير محددة وأبعاده غير واضحة وفي معظمه إنشائي وطويل وفيه الكثير من التكرار وهذا يجعله غير قابل للقياس. ورود نص في الدستور على البيان الوزاري ليس لمجرد حصول الحكومة عند تشكيلها على ثقة مجلس النواب. البيان يمثل وثيقة حية ومرجعا دائما يستند عليه مجلس النواب في الحكم على الأداء الحكومي. ولهذا، يُفترض أن يتكون البيان الوزاري من جملة محاور لها عدد من الأهداف وفيها عدة برامج ومشاريع مرتبطة بمؤشرات أداء سنوية محددة. مؤشرات تغطي المحاور الأساسية للعمل الحكومي اقتصاديا وماليا واجتماعيا وسياسيا (مثل الناتج المحلي والدين العام ونسبته من الناتج المحلي وعجز الموازنة والاحتياطي والميزان التجاري ومعدل التضخم والفقر والبطالة والتعليم والصحة والبيئة والتنافسية والحوادث والجرائم …) وذات مستويات مستهدفة محددة بشكل ربع سنوي. وتكون منسجمة مع أبرز المؤشرات الدولية ذات العلاقة، بل تكون تلك المؤشرات الدولية متضمنة فيها. بهذا يكون البيان الوزاري مختصرا لا يتجاوز 3 صفحات وعمليا قابلا للتنفيذ والقياس، حيث يتضمن المستويات التي تلتزم الحكومة بتحقيقها لمؤشرات الأداء، مما يُسهّل عملية متابعة ومساءلة الحكومة من قبل مجلس النواب بل يُسهّل عملية الرقابة والحكم على الأداء الحكومي من قبل جميع الأطراف. وليكن بيانا يُمثل ما تلتزم الحكومات بتنفيذه من مشاريع وتحقيقه من أهداف، ويُشكّل أساسا موضوعيا لتقييم الحكومات من خلال ما تم تنفيذه من مشاريع وتحقيقه من أهداف وبعيدا عن أي انطباعات. بهذا يستند الحكم على مدى كفاءة وفعالية الأداء الحكومي إلى أعلى درجات المهنية والشفافية والحياد.
تفعيل المساءلة ليس فقط على الفساد بل على ضعف الأداء على كافة المستويات مع الإحالة لمن يلزم إلى القضاء.
تقع مسؤولية كشف ورفع ونشر أي مخالفات مهما كان نوعها أو اسمها فورا وخلال 3 أشهر من حدوثها بحد أقصى على ديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ووحدة مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والجهات الرقابية المتخصصة والقطاعية حسب مقتضى الحال. وخلاف ذلك، تخضع هذه الجهات للمساءلة عن هذا التقصير.
النقل أساس التنمية ومن المهم ربط المملكة بسكة حديد من شمالها إلى جنوبها “قطار سريع”، ذات محطات محددة من شمال إربد إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا إلى المفرق إلى جامعة آل البيت إلى الجامعة الهاشمية إلى شرق الزرقاء إلى شرق عمان إلى جنوبه إلى المطار ومنه مستقبلا إلى مدخل الكرك إلى مدخل الطفيلة إلى مدخل معان إلى العقبة ومنها مستقبلا إلى وادي عربة إلى الأغوار الجنوبية ثم الوسطى ثم الشمالية. ولا بأس أن يكون ذلك من خلال استثمار أجنبي لعدة سنوات تعود في النهاية ملكيته للدولة. وربط محطات الوقوف بشبكة مواصلات داخلية متكاملة وفاعلة. هذا ما ينقل العمران تلقائيا إلى تلك المناطق ويجعل التنمية تمتد فعليا إليها وبشكل مستدام يتعزز مع مرور الوقت وبالتالي شمول مختلف أنحاء المملكة بجهود التنمية الشاملة.
التركيز على أولويات ذات ميزة تنافسية وقيمة مضافة عالية نسبيا وعلى رأسها السياحة والسياحة العلاجية والتعليم والأمن الغذائي والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد.
متابعة وضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومتابعة وتحسين درجة وترتيب الأردن في المؤشرات الدولية. واصدار تقرير سنوي لدرجة وترتيب الأردن في أبرز المؤشرات الدولية، ونشره والعمل على تحسينها باستمرار.
تعزيز ثقة المستثمر بالبيئة الاستثمارية والثبات النسبي في التشريعات والمعطيات، والحرص على الانخفاض النسبي لتكلفة المنتجات مما يزيد من قدرتها التنافسية في مختلف الأسواق وبالتالي يزداد حجم النشاط وتزداد فرص العمل وحصيلة الدولة من الإيرادات.
المستثمر الحالي يواجه عدة تحديات تجعله يتردد في التوسع في استثماره وكذلك المستثمر المحتمل يتردد في اتخاذ قراره بالاستثمار لاعتبارات بعضها انطباعية وبعضها موضوعية محقة.
أول الاعتبارات الموضوعية التي يجب معالجتها دون تأخير تغير الأولويات والاهتمامات لدى الحكومات، وهذا ينعكس على مختلف القطاعات مما يرفع منسوب الإحساس بالمخاطرة والتردد لدى من ينوي الاستثمار أو التوسع في الاستثمار.
ثاني هذه الاعتبارات الخوف من أن تغير المسؤولين قد يؤدي إلى تغيير في السياسات والإجراءات التحفيزية وبالتالي ما الضمان لهم من عدم تغييرها أو التراجع عنها، فما يهمهم ثباتها واستقرارها حتى لو كان نسيبا وحسب الاتفاق.
ثالث هذه الاعتبارات أن التفعيل والتطبيق الفعلي لهذه السياسات والإجراءات التحفيزية يعتمد على قدرة وقوة المسؤولين عنها، وتغيرهم قد يعرضها للمد والجزر خصوصا عندما لا يكونون بنفس السوية من حيث التمكن والتأثير.
رابع هذه الاعتبارات قد يكون اهتمام المسؤولين على أشده في البدايات بهدف استقطاب المستثمرين ولكن للأسف في حالات كثيرة ما يلبث أن يتراجع هذا الاهتمام مجرد البدء بتنفيذ الاستثمار، ففي البدايات المسؤولون هم من يبادرون ويتابعون المستثمرين ويحاولون تذليل أي عقبات ولكن للأسف هذا الاهتمام يفتر ويصبح المستثمر هو من يبحث عن المسؤول وكأن الهدف يتحقق بمجرد تسجيل الاستثمار غير مدركين أهمية رعاية الاستثمار على المدى الطويل والذي يرتبط بما تجنيه الخزينة العامة من إيرادات سنوية ومستمرة من رسوم وضرائب وغيرها والأهم من ذلك تحريك عجلة الاقتصاد وتشغيل مختلف القطاعات وخلق فرص العمل.
وضع سقف لأي ضرائب أو رسوم على المنتجات والخدمات بحيث لا تتجاوز بأي حال من الاحوال 25 % من قيمة هذه المنتجات والخدمات وذلك للمحافظة على جاذبيتها وتنافسيتها وعدم قتل الاقتصاد.
التحول الرقمي الكامل لخدمات قطاع الاستثمار والأعمال، خصوصا تلك التي تشترك في تقديمها أكثر من جهة حكومية.
من المهم أن تسن الحكومة أفضل التشريعات وتتبنى أنجع السياسات وتتخذ أصوب القرارات وتطبق أسلس الإجراءات، لكن هذا وحده لا يكفي لجذب المستثمر الأردني والأجنبي. السؤال ما هو الأمر المقلق والمثبط الحقيقي لقرار المستثمر بالاستثمار؟ هو ما الذي يضمن للمستثمر عدم تغيير هذه القوانين أو السياسات أو القرارات أو الإجراءات بعد سنة أو سنوات بتغير الأشخاص أو بنفس الأشخاص أو حتى لحظة اتخاذ قراره بالاستثمار. فما أن يقوم مشروعه حتى تتغير المعطيات مما يجعله يجهل مستقبل استثماره ويصبح غير متأكد من بقاء واستمرار ما بنى قراره بالاستثمار عليها من معطيات بمعنى أنه سيعمل في بيئة استثمارية غير مستقرة في أبعادها لدرجة أنه يتوقع صدور أي قرار في أي لحظة دون علمه ومشاركته.
ظروف عدم التأكد هذه تدفعه إلى عدم المغامرة والعزوف عن الاستثمار في الأردن والبحث عن فرص أخرى للاستثمار. لذا، لا بد من وجود ضوابط وضمانات تحول دون سريان أي تعديلات أو تغييرات تشريعية أو سياسات أو قرارات تؤثر على الاستثمار القائم قبل إجراء هذه التعديلات أو التغييرات إلا إذا كانت في صالحه وبموافقة أصحابه أو ضوابط للاستقرار في العوامل الأساسية المؤثرة في الاستثمار. خلاف ذلك، يبقى المستثمر الحالي أو المحتمل مترددا ومتحفظا ومتخوفا وغير مرتاح.
ارتفاع الضرائب على اختلاف أنواعها ومسمياتها أنهك الاقتصاد وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع الرسوم والبدلات. أما الإعفاءات والاستثناءات فقد أحدثت تمايزات وتشوهات مع بعض التحايلات. فليس أشد خطورة على بنية الاقتصاد من التشوهات. لذا لا بد من تخفيض وتوحيد الضريبة العامة على المبيعات للسلع الأساسية وأن تكون بنسبة أعلى (تكاد تصل للضعف) على السلع الكمالية. وإلغاء الضريبة الخاصة التي استهدفت القطاعات المنتجة بهدف زيادة الإيرادات الضريبية فلم تعد قادرة على التحمل فتراجع نشاطها بشكل كبير. هذا بالإضافة إلى وقف كامل لجميع الإعفاءات والاستثناءات من مختلف أنواع الضرائب. ولا بد من إلغاء ما يسمى بالضريبة الصفرية (بنسبة صفر)، فهذا اختراع في غير مكانه وعليها ما عليها وضررها أكثر من نفعها كما أنها مجالا للتحايل وقد أحدثت تمايزًا غير مبرر في القطاع الواحد وفوق هذا أحدثت تشوهات وقادت إلى مخالفات. هذه التخفيضات كفيلة بوقف (أو على الأقل الحد) من الممارسات غير القانونية مثل التهرب والتهريب وغيرها من ممارسات.
إقرار شرائح ضريبية تصاعدية بنسب مدروسة لفئة الأشخاص الطبيعيين (تبدأ من 5 ٪ إلى 30 ٪ مثلا) وكذلك لفئة الأشخاص الاعتباريين (تبدأ من 10 ٪ إلى 40 ٪ مثلا). وتحديد الشرائح الضريبية للفئتين بمنتهى الموضوعية والدقة وبالتالي يتحقق مبدأ التصاعدية في شرائح الدخل. هذا مع إقرار اعفاء شخصي من الدخل الخاضع للضريبة سنويا للأعزب 12 ألف دينار وللعائلة 24 ألف دينار.
هذا وحده لا يكفي بل لا بد من تطوير الخدمات وتبسيط إجراءات تقديمها وضمان شفافيتها وعدالتها مع تبني إجراءات واضحة لضبط الإنفاق وتصحيحه ووقف الهدر في مختلف البنود والمجالات.
هذا التحول يقوم على تخفيض تكلفة المنتجات من سلع وخدمات مما يزيد قدرتها التنافسية في الأسواق وبالتالي يزداد حجم النشاط فتزداد حصيلة الضرائب تلقائيًا. اعتقد سيُحدث مثل هذا التحول، الذي يستند على تعزيز تنافسية الاقتصاد وجاذبيته، نقلة نوعية وتحسنا ملموسا في المؤشرات الاقتصادية والمالية خصوصا بعد مرور سنتين على تطبيق.
كلما زادت نسبة الضرائب والرسوم من قيمة المنتجات والخدمات، كلما ارتفعت تكاليف وأسعار المنتجات والخدمات. وهذا يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على تنافسية وجاذبية قطاعات الأعمال والاستثمار وبالتالي قتل الاقتصاد وبالنتيجة انخفاض حصيلة الإيرادات من الضرائب والرسوم. أي بعكس الأهداف والتوقعات. صحيح أن زيادة الضرائب والرسوم قد توفر للمالية العامة إيرادات لكنها مؤقتة وغير مستدامة. قد تزيد الإيرادات المحصلة من بند معين بالموازنة ولكن يرافق ذلك انخفاض في حصيلة الإيرادات من البنود الأخرى وخصوصا المتعلقة بالنشاط الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى انخفاضها من نفس البند في العام اللاحق أو الذي يليه.
كما أن زيادة الضرائب والرسوم تقضي على إمكانية زيادة الإيرادات العامة المتأتية من النشاط الاقتصادي على المدى الطويل وذلك، وباختصار، لأن مثل هذا الإجراء يقتل الاقتصاد. وهذا تلقائيا يؤدي إلى انخفاض الإيرادات العامة بدلا من زيادتها. وعليه لا تعدو هذه الإجراءات عن كونها محاولة لحل مشاكل اليوم بحلول ترقيعية مشوّهة وبثمن باهض على حساب الغد، أي تخلق تشوهات أكبر تحتاج إلى حلول في الأعوام اللاحقة.