
لا اتحدث عن العلاقة بين الحكومة والشعب بشخوصهم بل بمناصبهم، فالثقة بينهما غالبا لا تتجاوز كونها نسبا وأرقاما تعلنها مراكز الدراسات على المقاس المطلوب لتلك المرحلة، أو بما يجعل تلك المراكز قريبة من صاحب قرار القبول أو الرفض سواء أكان حكومة أم شعبا، وغالبا لم تكن تلك الأرقام لسبب مفاده الإعلان عن حكومة يثق بها الشارع ويتفاءل بدورها، بل لأن المواطنين في أغلبهم تعودوا أن يبدأوا قرار التكليف بالتشكيك بشخص من يكلف ثم إصدار الحكم يتبعها متأخرا قراءة البينات، بغض النظر هل كانت تدين ام تحقق البراءة أو عدم الولاية، لنكون بذلك قد تجاوزنا العرف في ترتيب مراحل إصدار الحكم مستندين إلى ما تعودنا عليه وعايشناه بين قبول ورفض من نتاج وفعل أي حكومة.
ولنعلم أن صناعة الثقة أمر أساس لمرحلة مقبلة، ومن يقول إن الثقة تمنح عند الاختيار وقبل قراءة نتائج شخوصها كما هو الحال المتعارف في جلسة الثقة للحكومة عند تشكيلها فقد اخطأ، وشخصيا وان كان ما سأقوله مخالفا للنصوص إلا أنني لا اقتنع بأن يتوقف عمل الحكومة المكلفة على أن تمنح الثقة عند التشكيل، بل أرى أن أعضاء أي حكومة هم موظفون ملزمون ببرامج وخطط ومؤشرات أداء يحاسبون عليها وفق برنامج زمني، وتمنح لهم الثقة بالاكتساب وصناعتها من مستوى الإنجاز، وهذا يختلف عن آلية الاختيار عند تشكيلها، كون التكليف يستند إلى سيرة عمل ومؤهلات وإنجاز وتوافق مع المرحلة والمستجدات وليس ربط ذلك بمنح ثقة ببرامج وخطط قبل المباشرة بها، ولن تقل مدة قراءة أي إنجاز عن مرور عمل عام كامل وفي بعض الملفات ما هو أكثر من ذلك لتكتسب تلك الحكومة الثقة أو تكون في معرض القصف والتشكيك والتفاوض للحصول على ثقة البرلمان أو الشارع، وكما تكسب أي حكومة الثقة بأدائها فإنها تفقدها شعبيا بضعف الناتج والرضى ومستوى الأداء، ولهذا كانت الثقة صناعة يستوجب أن تسير في مراحل الإنتاج الكامل، فيكون التقييم والقبول أو الرفض لجودة المنتج وليس الأشخاص، وعندها تمنح الثقة بالاستمرار أو تحجب للانهاء.
وأقول أخيرا اننا وان كنا نلمس يوميا في حكومة الرئيس الحالي أرقام تفاؤل وزيارات مجتمعية ومؤسسية واسعة وان كنا قد قرأنا تقريرا قبل أيام يلمع بالنتائج المتصاعدة والتي تجاوزت حكومات سابقة في أول 100 يوم عمل لها إلا أن كل ما أتمناه ويتمناه أي أردني أن تستمر هذه الأرقام حقائق لا تنتهي لتعزز قدرات مستدامة وتكون مدخلات أساسية لصناعة الثقة والتي لن تكون سهلة ومتاحة بشكل عاجل في ظل ما نعيشه من ظروف جيوسياسية معقدة وأوضاع اقتصادية متقلبة ومديونية وقروض متزايدة وأرقام موازنة تشعرك انها بنيت لتخالف المثل الشعبي المعروف لتصبح «على قد لحافك ما رح تغطي رجليك»، لنأمل بعد عام وأكثر من اليوم وليس بعد 100 يوم أن يتمكن الرئيس من الاجابة على اسئلة كثيرة سيسمعها من ذات الجهات أو المحافظات التي زارها في بدايات عمله عن تأخر أو تأجيل موعد الإيفاء بما التزمت به الحكومة في تلك الزيارة أو أي زيارة، واما اليوم بالنسبة لي هم «ثقة ونص» على حد قول عدد من النواب خلال جلسة الثقة وسأعود لأكتب واتساءل بعد عام هل صنعوا الثقة؟