
كتب – محمود علي الدباس – نشطت الحكومة في بداية عهدها بإيلاء ” الاعلام” اهمية خاصة ، وفتح وزير الاتصال الحكومي الدكتور محمد المومني قنوات تواصل ولقاءات متعددة تحت عنوان “انجاز خطة تنفيذية شاملة لقطاع الإعلام” ما لبث هذا الزخم وهذا الاهتمام ان تراجع رويدا رويدا ، ربما لاسباب متعلقة بالوضع الاقليمي الملتهب ، واعادة ترتيب اولويات الحكومة ، وربما كما يعتقد البعض ان الاهتمام الذي بدا على الحكومة بموضوع الاعلام كان لابراز جدية الحكومة في معالجة مختلف الملفات ، ولكن او ربما برزت تحديات مستجدة حالت دون تطبيق توجهاتها.
الا ان ما رشح عن اللقاءات والحوارات التي نظمت لمناقشة تفاصيل هذه الخطة ، تمحور حول صياغة خطاب اعلامي وطني يعكس مواقف الاردن في مختلف القضايا ، والعمل على تطوير الاعلام ورقمنته وانفتاح الحكومات على الاعلام بشكل اوسع واشمل للوصول الى الاهداف العامة.
وبالتأكيد ان تنفيذ مفاصل الخطة تتطلب ادوات مساندة وفي مقدمتها العنصر البشري المؤهل والمتسلح بالعلم والمعرفة ، القادر على تنفيذ مضامين الخطة المفترضة ، وبالضرروة لنصل الى ذلك لا بد من توفير فرص عمل في المؤسسات الصحفية والاعلامية المختلفة سواء في القطاع العام او الخاص ، وهو الامر الذي لم يتم التركيز عليه كثيرا في تلك الحوارات ، وعن كيفية استيعاب هذه الاعداد الكبيرة من خريجي كليات الاعلام في المملكة ، ونسب البطالة الكبيرة بينهم.
وهو الامر الذي يتطلب اولا اعداد قاعدة بيانات متكاملة عن خريجي كليات الاعلام تتضمن قوائم الخريجين العاملين واماكن عملهم وقوائم اخرى للخريجين العاطلين عن العمل ومعلومات اخرى متعلقة بحصولهم على تدريب عملي ما بعد التخرج وجاهزيتهم للعمل وتفصيلات حول التخصص الفرغي لكل واحد منهم ، حتى تتوفر رؤية شمولية في توجيه هذه الطاقات لخدمة “الخطة التنفيذية المعقود عليها الامال.
وهذا يقودني للحديث عن فرضيات وامكانية استيعاب هؤلاء الخريجين في المؤسسات الاعلامية المختلفة والاستفادة من تخصصاتهم في كل فرع من فروع الابداع الاعلامي ، لا سيما وان العائق المالي يعد سببا رئيسيا في عدم قدرة المؤسسات الاعلامية على توظيف الكوادر الاعلامية الضرورية لانتاج العمل الاعلامي الاحترافي.
وبالتالي يكون الحل العملي لاستيعاب الخريجين من كليات الاعلام من مختلف الجامعات الحكومية والخاصة من خلال تبني فكرة انشاء صندوق دعم يوجه للمؤسسات الاعلامية من تلفزيون واذاعات وصحف يومية ومواقع اخبارية لتوفير تمويل مالي يخصص حصرا وتحت اشراف ومراقبة مستقلة ومحايدة لضمان حسن التنفيذ ومتابعة التزام تلك المؤسسات في توظيف اكبر عدد من خريجي الاعلام العاطلين عن العمل وفق احتياجاتها ونظرتها المستقبلية في تطوير ادائها الاعلامي واستثمار الطاقات الشابة لخلق واقع اعلامي مرتكز على الخبرات العلمية والعملية.
ويتم تمويل ميزانية هذا الصندوق:
اولا : بتوجيه الدعم المالي الحكومي المقرر ضمن اليات تنفيذ استراتيجية تطوير الاعلام الوطني الى هذا الصندوق
ثانيا : مساهمة الجامعات والكليات الجامعية التي تدّرس تخصصات الاعلام المختلفة ،وهو انفاق ايجابي ، كهدف يأتي في صلب اهدافها واستدامة هذه التخصصات والمردود المالي المتحصل من الطلبة كرسوم دراسية.
ثالثا : الدعم الذي يمكن توفيره من المؤسسات الدولية ذات العلاقة في تطوير الاعلام.
رابعا : الدعم الذي يمكن توفيره من الشركات والقطاع الخاص في اطار مسؤوليتها الاجتماعية.
ان النجاح بهذا المشروع سوف يحقق العديد من الاهداف ولعدة جهات:
اولا : الحكومة لترجمة التزامها بالخطة التنفيذية الشاملة لقطاع الإعلام” ويتقاطع هذا المشروع مع خططها في مواجهة البطالة بين خريجي الجامعات في تخصصات الاعلام بعد ان تعثرت خطة توظيفهم في وزارة التربية والتعليم لتدريس الطلبة “التربية الاعلامية”.
ثانيا : الجامعات بصفتها المولد الرئيسي لهذه التخصصات ولضمان استمرارية التسجيل فيها من قبل الطلبة كتخصص نشط ومطلوب في سوق العمل ، بدلا من تحوله الى تخصص راكد او اتخاذ قرار حكومي بوقف التسجيل في التخصص واعتباره تخصص مشبع في سوق العمل ، والخسائر الفادحة التي ستتكبدها الجامعات جراء ذلك .
ثالثا : نقابة الصحفيين في ترجمة برنامجها وتوجهات مجلس النقابة لتوسيع باب الانتساب للنقابة وتعزيز موقفها المالي بزيادة المبالغ المحصلة من الاعضاء الجدد ليكون بمقدورها تنفيذ برامجها في خدمة المنتسبين.
ويتمحور عمل الصندوق في التشبيك ما بين المؤسسات الاعلامية المختلفة وخريجي كليات الاعلام بحيث يتم صرف الدعم للمؤسسات الاعلامية المختلفة كلا حسب ما تستوعبه من اعداد من الخريجين للعمل في تلك المؤسسات وضمان استمراريتهم وتسديد التزاماتهم المالية بانتظام وفق الية مراقبة مناسبة.
وبالتالي فإن الفوائد التي سيتم جنيها ستكون كبيرة لا سيما في افساح المجال امام الخريجين المؤهلين للعمل في المؤسسات الصحفية والاعلامية وتجويد المنتج الاعلامي في تلك المؤسسات وتطوير ادوات العمل الاعلامي والاستفادة من التطور التكنولوجي الذي سيتم استخدامه بشكل احترافي من خريجي كليات الاعلام وعلى اسس علمية مدروسة.
لا سيما وان استخدام التكنولوجيا في السياق الاعلامي قد منح المؤسسات الصحفية والاعلامية مرونة في تنفيذ اعمالها وتخفيض كلف توفير مقرات واسعة لاستيعاب العاملين من خلال انشاء غرف تحرير افتراضية باستخدام مجموعات الواتساب او الاتصال الالكتروني المرئي عبر عدة برامج ، ما سهل عملية الاتصال والتواصل بين ادارة التحرير وباقي العاملين في المؤسسات الاعلامية ومتابعة المهمات المطلوبة ، مما زاد من فرص العمل للخريجين في مختلف محافظات المملكة ، ولم يعد ضروريا القدوم الى مركز المؤسسة الصحفية والتحول الى الدوام المرن وفق متطلبات العمل الصحفي والاعلامي ، وزاد من فرص تمكين الاناث في الحصول على الوظيفة في المؤسسات الصحفية ، بدون ان تكون مجبرة على الانتقال من مدينة الى اخرى ، وهو انعكس اقتصاديا على العاملين بتخفيض التكاليف المالية اليومية مثل الانتقال وغيرها من النفقات التي كانت ضرورية في بيئة العمل التقليدية.
وهذا بالتأكيد سيكون الرافعة النموذجية لتحقيق خطة تطوير الاعلام والبناء عليها في خلق اطار اعلام وطني ممكن مسلح بالعلم والمعرفة واجادة استخدام الادوات الاعلامية باتقان وتحقيق نقلة نوعية في عمل المؤسسات الاعلامية المختلفة من خلال الاستفادة من الموارد البشرية المؤهلة.