يرى مراقبون أن أحدث البيانات الحكومية المتعلقة بعدد فرص العمل التي وفرها الاقتصاد الوطني خلال العام الماضي قد لا تعكس الواقع الاقتصادي.
وبينما قالت الحكومة أخيرا إن “عدد فرص العمل المستحدثة العام الماضي بلغ 95 ألف فرصة عمل جديدة” أكد خبراء أن تواضع معدلات النمو، واستمرار ارتفاع معدلات البطالة يؤشران إلى أن عدد الفرص المستحدثة ربما تكون أقل من ذلك.
ويظهر “تناقض” أرقام الحكومة بحسب الخبراء عند مقارنتها مع بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي إذ تشير الأخيرة إلى أن عدد المنتسبين إلى المؤسسة خلال العام الماضي بلغ 58 ألف أردني بينما تشير الأرقام الحكومية إلى أن عدد فرص العمل المستحدثة بلغ 95 ألفا، إذ تبلغ الفجوة بين الرقمين 37 ألفا.
غير أن الخبراء أشاروا إلى احتمالية أن يكون مسح فرص العمل المستحدثة في عام 2023 قد احتسب جزءا من الوظائف في القطاع غير المنظم والوظائف المؤقتة في مسحه مما ساهم في ازدياد فرص العمل المعلنة خلال العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه حين كانت عدد الفرص المستحدثة نحو 89 ألف فرصة.
من جهتها، قالت الحكومة على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة د. مهند مبيضين إن “الأرقام المعلنة في المسح تم استنتاجها وفق منهجيات إحصائية موضوعية شملت 100 ألف أسرة”.
وبين أن دائرة الإحصاءات العامة تمتلك الخبرة الكافية وهي مصدر ثقة في إصدار المسوحات والدراسات الوطنية.
وبين أن هذه الأرقام قريبة من مستوياتها العام الماضي ما يؤكد منطقيتها، علما بأن هذا المستوى الأعلى منذ 10 سنوات.
وكان رئيس الوزراء بشر الخصاونة كشف أن نتائج مسح فرص العمل المستحدثة لعام 2023 تظهر أن الاقتصاد الأردني استطاع أن يستحدث ما مقداره 95.342 ألف فرصة عمل قياسا مع 89.500 ألف فرصة عمل استحداثها في عام 2022.
وأوضح الخصاونة خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أن متوسط فرص العمل التي كانت مستحدثة في الاقتصاد الأردني منذ عام 2010 إلى عام 2019 كانت في المتوسط لا تتجاوز35 ألف فرصة عمل باستثناء عام واحد وصلت فيه إلى 67,000.
وتشير بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى أن عدد المشتركين لديها خلال العام الماضي بلغ نحو مليون و555 ألف مشترك فعال، مقارنة مع مليون و 497 ألف مشترك خلال عام 2022، ما يكشف أن عدد المشتركين الجدد لدى المؤسسة خلال العام الماضي بلغ 58 ألف مشترك منهم نحو 2298 مشتركا اختياريا، ما يشير إلى وجود فجوة بين عدد المشتركين الجدد خلال العام الماضي وعدد فرص العمل المستحدثة المعلنة رسميا.
ويرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض أن أعداد فرص العمل المستحدثة والمعلنة أخيرا، لا تبدو متطابقة مع واقع الاقتصاد الوطني وضعف معدلات نموه، إضافة إلى عدم تطابقها مع بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي المتعلقة بعدد المشتركين الجدد لديها. ولفت عوض إلى أن عدد فرص العمل المستحدثة هذه، قد يكون الجزء الأكبر منها تركز في قطاع العمل غير الرسمي، حيث لم تنعكس أعداد فرص العمل المعلنة على معدلات البطالة محليا والتي ما زالت مرتفعة بشكل واضح، ولا كذلك على نسب الاشتراكات الجديدة في مؤسسة الضمان الاجتماعي.
يذكر أن معدل البطالة انخفض بمقدار نصف نقطة مئوية خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، ليصل إلى 21.4 %.
وأكد عوض أن أعداد فرص العمل المستحدثة المعلنة هي أرقام مبشرة من ناحية المبدأ، إلا أنها تتطلب إعادة فحص وتنفيذ دراسة تتبعية من قبل دائرة الإحصاءات العامة لتثبت من دقة اتجاهاتها القطاعية هل هي متركزة بصورة كاملة في قطاع العمل المنظم أم أن جزءا منها خارجه.
وشدد عوض على أن دراسات دائرة الإحصاءات العامة عادة ما تتسم بالموضوعية ويتم تنفيذها وفقا لأعلى المعايير المطبقة عالميا، وتعتبر من المؤسسات الرائدة عربيا التي تحظى بالاحترام والتقدير. وبغية استدامة أعداد فرص العمل المستحدثة في عام 2023، ومضاعفتها خلال الفترة القادمة، دعا عوض إلى ضرورة تعديل السياسات المالية السائدة محليا وتخفيض الضرائب غير المباشرة بما يسمح بتحرير الاقتصاد الوطني وتنشيطه وبالتالي زيادة معدلات النمو، وتخفيض الكلف على القطاعات الاقتصادية وتمكينها من التوسع وزيادة مستويات إنتاجيتها.
من جانبه، بين الخبير الاقتصادي مفلح عقل أنه استنادا إلى معدلات النمو الاقتصادي المتحققة خلال العام الماضي والتي بلغت 2.6 % يمكن تقدير زيادة عدد فرص العمل المستحدثة عن الأعوام التي سبقته بنحو 20 ألف فرصة، وعند إضافتها إلى متوسط فرص العمل التي ينتجها الاقتصاد االمحلي سنويا والذي يقارب 50 ألفا، فإن إجمالي الوظائف خلال عام 2023 وفق معادلة نسبة النمو الاقتصادي المحقق، تقدر بحوالي 70 ألف فرصة.
وتابع عند مطابقة عدد فرص العمل التي يمكن أن ينتجها الاقتصاد الأردني بالاستناد إلى معادلة النمو، مع البيانات الرسمية المعلنة يتضح أن هناك فجوة بين القدرة الحقيقية لفرص العمل التي ينتجها الاقتصاد الوطني، وتلك البيانات.
ورجّح عقل أنه قد يكون جزء من عدد فرص العمل المستحدثة المعلنة، وظائف مؤقتة، وجزء آخر أيضا في القطاع غير المنظم، لذلك يتحفظ الاقتصاديون قليلا على نسب الوظائف التي تمكن الاقتصاد الوطني من تحقيقها خلال العام الماضي.
وأكد عقل أن معالجة مشكلة البطالة محليا وزيادة معدلات التوظيف، تتطلب من الحكومة بذل جهود مضاعفة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وذلك من خلال تقديم المزيد من الحوافز للقطاع الصناعي وغيره من القطاعات الإنتاجية باتجاه تعزيز قدراتها التصديرية وبالتالي توسعها واستيعابها للمزيد من العمالة، علاوة على أهمية تخفيض ضريبة المبيعات بما يضمن زيادة مستوى الاستهلاك الداخلي.
إلى ذلك، قال خبير التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي إن “معدلات فرص العمل المستحدثة خلال العام 2023 لم تنعكس في بيانات دائرة الإحصاءات العامة حيث أن عدد المشتركين الجدد فيها من غير المشتركين اختياريا خلال العام الماضي أقل من عدد فرص العمل المعلنة بكثير، ما يثير التساؤلات حول نوعية وطبيعة الوظائف المعلن عن استحداثها في عام 2023، إن كانت مؤقتة أو دائمة.”
وأكد الصبيحي أن قاعدة بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي تعد أكبر وأشمل قاعدة بيانات لسوق العمل الأردني، إذ تشمل كافة بيانات العاملين في مؤسسات القطاعين العام والخاص، لذلك هي المعيار الأمثل لقياس حركة سوق العمل المحلية.
وشدد الصبيحي على أن مفهوم صافي فرص العمل المستحدثة، يقصد به بشكل واضح فرص العمل التي طرحت بصورة جديدة وليس فرص إحلال.