على مرأى العالم قتلت إسرائيل الحياة على أرض غزَّة ونكَّلت بعموم فلسطين المحتلة وأودعت أهلها في غياهب السجون، ويأتي يوم الأرض الـ 48 وقد تحولت أرض غزَّة لمقبرة مفتوحة مليئة برائحة الموت والجوع.
وتصادف اليوم السبت الذكرى السنوية الـ48 ليوم الأرض الذي يعتبر رمزاً للصمود والتمسك بالأرض والهوية الفلسطينية، وتتزامن هذه الذكرى مع تصعيد آلة الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، والتي تعيث في الأرض فسادا، حيث استشهد لغاية الآن أكثر من 32 ألف شهيد، فضلا عن أكثر من 80 ألف مصاب ونزوح ما يقارب 2 مليون نازح نحو جنوب قطاع غزة، وتدمير أكثر من 70 بالمئة من الوحدات السكنية في قطاع غزة بحيث أصبحت غير صالحة للسكن، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
خبراء بينوا في أحاديثهم أن هذه الذكرى جاءت لإيقاظ الضمير العالمي بضرورة العمل الجاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مشيرين إلى المساعي الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل الدولية كافة لوقف نزيف آلة الحرب على القطاع، وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والإغاثية والرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين الذي يمثل خطا أحمر، في تأكيد على أن تعاطي الأردن مع ملف القضية الفلسطينية، إنما يمثل ثابتا من ثوابته الوطنية والقومية، انتصارا للجانب الفلسطيني وتأكيدا على حقوقه المشروعة.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبد الله توفيق كنعان، قال، ” تُشكل الأرض في التاريخ العربي الفلسطيني رمزية للثبات والصمود والحياة بحرية وكرامة، ويوم الأرض الذي يصادف 30 آذار من كل عام، هو مناسبة خالدة يعود تاريخها إلى عام 1976م عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية آنذاك برئاسة إسحاق رابين عن خطة لتهويد منطقة الجليل المحتل؛ بهدف بناء مستعمرات على أرض تعود ملكيتها للفلسطينيين، تحت مُسمى استعماري هو (مشروع تطوير الجليل (حيث جرى لهذه الغاية مصادرة 21 ألف دونم؛ مما أشعل انتفاضة شعبية شملت كامل فلسطين المحتلة قتل الاحتلال على إثرها العشرات، واعتقل المئات من الفلسطينيين، وما زال الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي الحر يحييها استنكاراً لسياسة الاحتلال الإسرائيلي في مصادرة الأراضي والقتل والاعتداء والابرتهايد ضد أهلنا في فلسطين”.
واليوم، وبعد 48 عاماً لذكرى يوم الأرض، تستمر السياسة العدوانية الإسرائيلية في نهج مصادرة الأراضي، والتي ترى فيه حاجة أمنية قومية مزعومة، باعتبار الاستراتيجية الصهيونية تقوم أساساً على أسطورة (أرض الميعاد، وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، بمعنى أن الأرض الفلسطينية المحتلة مباحة لغايات الاستيطان والاستعمار الإسرائيلي.
وقد دأب الاحتلال الإسرائيلي على اعتداءاته على الأرض حيث دمر عام 1948 حوالي 520 مدينة وقرية فلسطينية، وشرد أكثر من 800 ألف من الشعب الفلسطيني، وعمل على تشكيل لجان عسكرية مكونة من العصابات الصهيونية المسلحة أوكلت لها مهمة السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وبعد إعلان إسرائيل تمّ تنظيم هذه اللجان هيكلياً وإداريا لإكمال مهمتها بالاستحواذ على الأراضي مستعينة بالقوانين والمحاكم العنصرية، واليوم تتوزع المستعمرات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بواقع 180 مستعمرة، و194 بؤرة استعمارية منها 93 بؤرة رعوية (أي السيطرة على الأراضي بذريعة تحويلها مراعي للمستوطنين) في الضفة الغربية والقدس.
كما تستغل إسرائيل حوالي 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية، وتشير الإحصائيات إلى مصادرة إسرائيل خلال عام 2023 ما مساحته حوالي (50524 دونماً) في فلسطين المحتلة كل ذلك في محاولة من الاحتلال تقطيع أوصال الأرض المحتلة لتكون عائقاً في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعادة ما تتم المصادرة بحجة أنها أراضي محميات طبيعية، أو بمقتضى أوامر استملاك، مستندة السلطات الإسرائيلية (الإدارة المدنية الإسرائيلية) أو من يمثلها من مؤسسات استيطانية على قوانين عنصرية أبرزها: قانون أملاك الغائبين عام 1950م ( نسخة معدلة عن أنظمة الطوارئ بشأن أملاك الغائبين عام 1948م)، وقانون استملاك الأراضي عام 1953م، وقانون مرور الزمن سنة 1956م، وقانون تسوية الاستيطان في يهودا والسامرة 2017م، وقانون التخطيط والبناء (تعديل 2017م)، وقانون القومية (قانون أساس إسرائيل 2018م.
وأشار إلى أن اللجنة الملكية لشؤون القدس تضامناً مع الأهل في فلسطين من البحر إلى النهر، وبمناسبة يوم الأرض، تُذكر الرأي العام العالمي بتهجير إسرائيل للملايين من أبناء فلسطين والمناطق العربية المحتلة، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، ومن شواهدها المعاصرة استمرار إسرائيل أمام نظر العالم ومنظماته بهذه السياسة العنصرية الوحشية في قطاع غزة المحتل وجميع المدن الفلسطينية من حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي للأرض والإنسان والشجر، ضاربة بعرض الحائط بمئات القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات الشرعية، بما فيها القرار رقم 181/1947م، وقرار رقم 194/1948م، ولاحقاً قرار مجلس الأمن رقم 242، والذي اُعْتُمِد بعد حرب حزيران 1967، باعتباره يمثل متغيراً مهما في تاريخ الصراع الإسرائيلي- العربي، لأنه أسبغ صفة دولية على مفهوم “الأرض مقابل السلام”: انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967 بما فيها القدس مقابل السلام مع العالم العربي، والذي ما زال يشكل المادة الأساسية لجميع مبادرات السلام المعنية بالقضية الفلسطينية كالمبادرة العربية، بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
كذلك رفض إسرائيل وتعنتها تطبيق قرار مجلس الأمن رقم (2334) الصادر عام 2016 الذي أكد أن المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ليس له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل والدائم والشامل، هذا السرطان الذي يفتك بالأرض الفلسطينية المحتلة.
وتبين اللجنة الملكية للرأي العام العالمي بأن مناسبة يوم الأرض هي تنبيه إنساني أخلاقي للعالم بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ابرتهايد إسرائيلي وحشي، يمكن وصفه بأنه الأبشع والأكثر دموية في تاريخنا المعاصر، لذا فعلى العالم التحرك فورا لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والسعي لإنهاء الاحتلال وتطبيق الشرعية الدولية، فجرائم الاحتلال اليوم تتجاوز الإنسان والأرض لتطال المقدسات الإسلامية والمسيحية.
بدوره، قال مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية، المهندس رفيق خرفان قال: “يمر علينا يوم الأرض في هذا العام بقلوب يعتصرها الألم لما يعانيه أشقاؤنا في غزة من ويلات الحرب الشرسة التي يشنها العدو الاسرائيلي عليهم منذ ستة أشهر، وكل التحية والتقدير للشعب الفلسطيني الصامد المتمسك بأرض الآباء والأجداد والمتمسك بهويته الوطنية والقومية، رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل”.
وثمّن في هذه المناسبة جهود الدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني، ويديرها وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، والتي تمثلت بجهود كبيرة وجولات مكوكية عبر العالم من أجل حشد المواقف باتجاه وقف الحرب على غزة.
وأضاف: استمر الأردن كما عهدناه دائما بتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة وضمان استمراريتها بالوسائل كافة، وكل الشكر لجلالة الملك الذي أثلج صدورنا بخطواته الجريئة والواثقة لإيصال المساعدات عبر الإنزالات الجوية المتكررة والتي شارك بها بنفسه.
كما قام جلالة الملك بإرسال المستشفى الميداني إلى خان يونس في غزة وآخر في نابلس مزودين بالكوادر المؤهلة والمستلزمات الطبية اللازمة.
ويعتبر الأردن القضية الفلسطينية قضية وطنية أردنية كما هي قضية فلسطينية وعربية، فهي ذات بعد وطني وقومي وإنساني، مرتبطة بمصالح وطنية أردنية ومنسجمة بشكل كامل مع المصالح الوطنية الفلسطينية، وآمال وتطلعات الشعب الفلسطيني بالعدالة والحرية وتقرير المصير، وفي مقدمتها القدس واللاجئين الفلسطينيين، بحسب خرفان.
النائب السابق الدكتور هايل ودعان الدعجة، قال: “يخطِئ من يظن أن القضية الفلسطينية يمكنها أن تغيب عن الذاكرة العالمية والإنسانية بعد أن باتت الشغل الشاغل للعالم، وهي تفرض حضورها على أجنداته، بوصفها إحدى أهم الملفات العالمية التي تحمل في ثناياها رسالة مقدسة أساسها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، والتخلص من الاحتلال الجاثم على صدره منذ عشرات السنين، وذلك رغم الكثير من القرارات الدولية التي تقر بهذه الحقوق، دون أن تترجم إلى خطوات وإجراءات على أرض الواقع”.
لتأتي ذكرى يوم الأرض كمناسبة سنوية لتوقظ الضمير العالمي، وتبقي القضية الفلسطينية في الذاكرة العالمية حية وشاهدة على هذه الحقوق، هي تضع العالم أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية بضرورة الدفاع عن قراراته وإنصاف الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للظلم والقهر والاضطهاد المترافق مع اعتداءات وجرائم إسرائيلية يومية، دون أن تنال من إرادته وعزيمته وإصراره على تحرير أرضه، وهو الذي دائما ما يقدم التضحيات والبطولات انتصارا لقضيته، وفقا للدعجة.
وأضاف”وما الأحداث التي تشهدها غزة في هذه الأيام إلا الترجمة العملية لهذه الإرادة التي نجحت من خلالها المقاومة الفلسطينية بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية بصورة غير مسبوقة على وقع الصدمة التي تسببت بها للكيان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول الماضي، بطريقة أفقدته صوابه واتزانه وأربكت حساباته.
وأشار إلى أن جلالة الملك اوضح الموقف الأردني من الأحداث الجارية من خلال التأكيد على الأولويات الأردنية التي تتمثل في الوقف الفوري للحرب على غزة وحماية المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والإغاثية والرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين الذي يمثل خطا أحمر، في تأكيد على أن تعاطي الأردن مع ملف القضية الفلسطينية، إنما يمثل ثابتا من ثوابته الوطنية والقومية، وذلك انتصارا للجانب الفلسطيني وتأكيدا على حقوقه المشروعة، اتساقا مع مسؤولياته والتزاماته الدينية والقومية والتاريخية تجاه هذا الملف، ودوره في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والحفاظ على الوضع القائم والحيلولة دون تهويد القدس وتغيير معالمها وهويتها الدينية والعربية والتاريخية، انطلاقا من الوصايا الهاشمية، تماهيا مع ما قاله جلالة الملك.. ستبقى فلسطين بوصلتنا وتاجها القدس الشريف.