منوعات

كيف يجني ماسك ثمار رهانه في الانتخابات الأميركية؟

استعمار كوكب المريخ قد يبدو حلماً بعيد المنال، لكن هناك استعماراً آخر يسعى إليه إيلون ماسك أكثر قرباً وتأثيراً، ألا وهو البيت الأبيض. يراهن ماسك، بصفته أغنى رجل في العالم ومدير عدة شركات عملاقة، بكل ما لديه لإعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترمب، مدخلاً المال وموارد شركاته لدعم هذه الحملة.

هذه العلاقة الخاصة بين ماسك وترمب، التي قد تؤثر بشكل عميق على السياسة الداخلية والأمن القومي للولايات المتحدة، تحمل بين طياتها مخاطر وتحديات تتجاوز حدود المصالح الفردية، إلى ما قد يؤثر بشكل فعلي على تركيبة المجتمع الأميركي.

ما الذي يسعى إليه ماسك؟

لطالما كانت حدود السياسة والأعمال قابلة للتلاعب في أميركا، لكن دخول ماسك بهذا الشكل الفعّال في الشأن السياسي الأميركي، وتوجيه دعمه نحو ترمب، قد يثير تضارب مصالح غير مسبوق. فالاستثمار المالي واللوجستي في ترمب ليس مجرد دعم عابر، بل هو محاولة للنفوذ السياسي والوصول إلى قلب صنع القرار. يعتقد البعض أن ماسك، بتأثيره الكبير، قد يكون طامحاً ليكون جزءاً من الإدارة، أو حتى مؤثراً على سياسات تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وبرامج كبرى أخرى. فما هدفه من هذه العلاقة الوثيقة بترمب، وما الذي قد يجنيه من هذا الاستثمار السياسي؟

 

إيلون ماسك: مسيرة مليئة بالإنجازات والنفوذ

يعتبر ماسك من الرواد في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، بدءاً من “تسلا” التي أعادت تعريف صناعة السيارات، مروراً بـ”سبيس إكس” التي منحت الولايات المتحدة القدرة على استعادة مكانتها في قطاع الفضاء، وصولاً إلى “ستارلينك”، الشبكة العالمية للإنترنت عبر الأقمار الصناعي، وفقا لموقع بلومبرغ.

 

 

كما يُعتبر مالك منصة “إكس” (تويتر سابقاً) التي تُعد نافذة عامة للتأثير على الرأي العام وتوجيهه. إلا أن هذا التأثير الواسع ترافقه سمات ماسك الشخصية المثيرة للجدل، بدءاً من ولعه بنظريات المؤامرة إلى اتخاذ قرارات متقلبة.

“إكس” و”تسلا” و”ستارلينك”: أدوات سياسية بيد ماسك

أضحى “إكس” منصة لترويج محتوى اليمين المتطرف ونشر الأخبار الزائفة، الأمر الذي يعزز حظوظ الجمهوريين وخاصةً ترمب في الوصول للسلطة.

 

 

كما أن ارتباط “تسلا” بالقانون الفيدرالي من خلال تخفيضات الضرائب والدعم الحكومي الذي كان له دور كبير في تعزيز صناعة السيارات الكهربائية يجعلها مستفيدة بشكل غير مباشر من علاقة ماسك بترمب.

 

وعلى الجانب الآخر، تُعد “ستارلينك” مورداً مهماً للحكومة الأميركية، حيث أصبحت وسيلة رئيسية لتوفير الإنترنت في مناطق الكوارث والأزمات، وهو ما جعل الحكومة الأميركية تعتمد بشكل متزايد على خدماتها.

اعتمدت “تسلا” على الحكومة في ما يخص الدعم في نشاط السيارات الكهربائية، لكن سيارات الأجرة ذاتية القيادة مسألة مختلفة، حيث تفضل الشركة أن تبتعد الحكومة عن هذا النشاط.

تضمن نهج “تسلا” في مجال السيارات ذاتية القيادة زيادة مبيعات تقنيات مساعدة السائق المتطورة، على فرضية أن تلك التكنولوجيا ستصل إلى مستوى من التطور يمكّن المركبات في النهاية من قيادة نفسها. فالسائقون في الأساس يختبرون هذه الأنظمة على الطرق العامة، ويجمعون بيانات على امتداد ملايين الكيلومترات لتدريب برنامج “تسلا” للقيادة الذاتية، رغم كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك، بالأخص نظراً للتوقعات غير الحقيقية التي تشير إليها أسماء المنتجات، مثل “أوتو بايلوت” التي تعني “القائد الآلي”، و”فول سيلف درايفينغ” التي تعني “القيادة الذاتية بالكامل”.

منذ ذلك الحين، حدد ماسك وفوّت مواعيد نهائية لإطلاق سيارات “تسلا” ذاتية القيادة، وما تزال الشركة تحتاج لوقت أطول بكثير. رغم ذلك، أفضت سلسلة من الحوادث المرتبطة بالسيارات التي تعمل بهذه الأنظمة، تسبب بعضها في وفيات، إلى رفع دعاوى قضائية، وتكثيف تدقيق هيئات فيدرالية في الآونة الأخيرة، مثل الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة.

مجرد العلاقة الوثيقة بين ماسك وأي إدارة يرأسها ترمب في المستقبل قد يمثل سبباً لتردد الهيئات الفيدرالية في إزعاج حليف للرئيس لديه القدرة على التأثير في الميزانيات والتعيينات. كما يمكن لماسك بالتأكيد الاستفادة من فرصة حكومية بعينها، تتمثل في رفع الحد الأقصى الذي وضعته الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة على عدد المركبات التي يمكن لشركة ما استخدامها سنوياً، ولا تحتوي على عجلة قيادة ودواسات، عبر إصدار تصريح بذلك. ويبلغ الحد الأقصى حالياً 2500 مركبة، لكن ماسك يطمح إلى إنتاج ملايين من هذه المركبات التي يطلق عليها اسم “سيارات الأجرة الآلية” (سايبر كابس). سيتطلب رفع هذا الحد الأقصى موافقة الكونغرس، لكن ترمب قد يساعد في الحصول عليها عبر أغلبية جمهورية تسمع منه.

 

ويعد تولي ماسك منصباً رسمياً في الحكومة أمراً مستبعداً، إذ يتطلب ذلك موافقة مجلس الشيوخ، كما من المؤكد أنه سيتعين عليه الاستقالة من منصب الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، وربما يضطر لبيع أسهمه فيها كما فعل هانك بولسون، عندما باع أسهمه في “غولدمان ساكس” عندما تولى منصب وزير الخزانة في 2006.
ربما يوافق بعض المستثمرين على استقالة ماسك من المنصب نظراً لسيطرته على شركاته ومجلس إدارة “تسلا” الضعيف، إلا إن بيعه الجبري لحصته من الأسهم البالغة 12.8% سيسبب كارثة مالية، فعندما باع كمية كبيرة من أسهمه في 2022 خلال الاستحواذ على “تويتر”، هبط سعر سهم “تسلا”. (وقد تثار المسألة نفسها حول أسهمه في شركات تشمل “سبيس إكس” و”إكس” أيضاً، مع ذلك، قد يكون البديل الأكثر قبولاً هو وضعها كلها في صندوق ائتمان أعمى، كما فعل ترمب في حصصه بالشركات خلال ولايته الرئاسية).

من الناحية الأخرى، رغم أن تولي منصب إدارة هيئة استشارية أو لجنة بدوام جزئي قد يمثل مصدر تشتيت آخر لماسك، ربما يعتبره المستثمرون في “تسلا” (وشركاته الأخرى) ميزة، بالنظر إلى قدرته المحتملة في التأثير على القيود التنظيمية والسياسات.

قد يتمكن ماسك من تخفيف الانتقادات الموجهة للسيارات الكهربائية، على سبيل المثال، التي ما تزال مصدر معظم التدفقات النقدية لـ”تسلا”. ويتوقع أن يتولى جون بولسون، مدير صندوق التحوط الملياردير، وزارة الخزانة في حكومة ترمب، حيث قد يعمل مع ماسك على خفض الدعم الذي ينص عليه قانون خفض التضخم.

 

وفي المنصب الذي سيشغله ماسك، قد يتمكن من تحويل دفة هذه الخفض بعيداً عن السيارات الكهربائية، وربما يوجهه إلى قطاع الطاقة المتجددة، على سبيل المثال، أو في مفارقة قاتمة، إلى مكتب برامج القروض الذي ساعده في ما مضى في دعم “تسلا”، والذي تستهدفه تخفيضات الدعم من قبل الجمهوريين بشكل مباشر.

 

مع ذلك، فالقول أسهل من الفعل، فهناك طبقة أخرى تحمي الدعم المقدم لتقنيات الطاقة النظيفة، فمعظم الوظائف والاستثمارات التي نتجت عن قانون خفض التضخم تتجه إلى مناطق مؤيدة للحزب الجمهوري، ما سيدفع الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب إلى إعادة التفكير في الإلغاء التام للدعم.

سيكون دعم السيارات الكهربائية في مأمن حالة خسارة ترمب بالتأكيد، لكن إدارة كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي، تمثل مخاطر أخرى، فرغم أن إدارة أميركية من الحزب الديمقراطي لن تغير أي شيء في قانون خفض التضخم، فلن تقيد رقابة الهيئات الحكومية على سيارات الأجرة ذاتية القيادة أيضاً، ربما سيكون الفارق الأبرز في تلك الحالة تراجع فرص رد فريق هاريس على مكالمات ماسك.

 

وقدمت “ستارلينك” خدمات الإنترنت إلى أوكرانيا التي مزقتها الحرب، لكن ماسك دخل في صدام مع حكومة البلاد بعد تقييده الخدمة لمنع مهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم المحتلة، حيث تخوف ماسك من أن تستفز هذه العملية روسيا وترد بضربة نووية، بحسب سيرته الذاتية. وفي الفترة الحالية، استخدمت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ في الولايات المتحدة “ستارلينك” لتوفير الاتصالات في المناطق التي ضربها إعصار هيلين.

مع ذلك، هناك قلق من مناورات ماسك المثيرة للجدل، من بينها دعمه الحماسي لترمب، والأمر الأكثر إثارة للريبة، تواصله الدوري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما كشفت جريدة “وول ستريت جورنال”. ورغم كل ذلك، اضطرت إدارة بايدن للتعامل معه، وإن لم يكن بشكل منسجم دوماً. ويُنتظر أن يستمر ذلك التعاون في حالة فوز هاريس.

من الناحية الأخرى، فقد تساعد إدارة ترمب في معالجة سيل شكاوى ماسك ضد الهيئات الحكومية، حيث اعترض بعد عدم تأهل “ستارلينك” لتوفير الخدمة ضمن برنامج “المساواة في النطاق العريض، وحق الدخول إليه، ونشره” (Broadband Equity, Access, and Deployment)، بتمويل قدره 42 مليار دولار لتوفير الإنترنت فائق السرعة في المناطق الريفية.

 

كما دخل ماسك في صدام مع إدارة الطيران المدني الفيدرالية بسبب تصاريح لعمليات إطلاق صواريخ، واستنكر الغرامات المفروضة نتيجة مخالفة التراخيص، ووصفها بأنها “حرب قانونية”، ووجهت “سبيس إكس” انتقادات شديدة لإدارة الطيران المدني الفيدرالية في سبتمبر بسبب مخاوف بيئية، وهو أسلوب أظهر نجاحه عندما صدر تصريح الإطلاق في موعد أبكر من المتوقع. (أذهلت “سبيس إكس” العالم بالإمساك بمعزز الدعم الصاروخي للمرحلة الأولى بعد استكمال مهمته بواسطة أذرع آلية في منصة الإطلاق).

في ظل استقرار مكانة ماسك في إدارة يرأسها ترمب، قد يتراجع اتجاه الجهات التنظيمية الفيدرالية للصدام مع “سبيس إكس” بدرجة أكبر (ما سيعكس المعاملة التنظيمية التي يفضلها مع المركبات ذاتية القيادة). وحينها سيكون لدى ماسك نفوذ كبير في سياسة الفضاء، المجال الذي يحظى باهتمام خاص من ترمب، الذي أُنشئت في عهده قوات الفضاء الأميركية.

كما يُتوقع أن تخفف إدارة ترمب تطبيق القواعد التنظيمية على “سبيس إكس” في مجالات مثل سلامة الإطلاق والآثار البيئية، ويُحتمل أن يزيد اعتماد الحكومة على الشركة، متجاهلة تضارب المصالح الذي قد ينشأ عن ذلك.
وبعيداً عن الصعيد المحلي، ربما يسعى ترمب لاستخدام ماسك وشركته أداة للسياسة الخارجية، لذلك فإن الإشارة إلى التأثير الكبير لتكنولوجيا “ستارلينك” ليس ضرباً من المبالغة، بالأخص خارج الولايات المتحدة. وأثار ذلك قلق بعض المسؤولين في إدارة بايدن، نظراً لقدرة ماسك على تشغيل الخدمة أو وقفها متى أراد. تبلغ تكلفة مجموعة خدمة “ستارلينك” نحو 600 دولار، ويسهل استخدامها. ومنحت حكومات في أنحاء أميركا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا، الشركة ترخيصاً لتقديم الخدمة، فيما توضح المبيعات في السوق السوداء في الدول الأخرى حجم الطلب.

بغض النظر عن الفائز بالانتخابات، سيزداد اعتماد الحكومة على “سبيس إكس” فيما يستعد العالم لسباق فضاء آخر. سيضيف فوز هاريس توتراً على هذه العلاقة نتيجة القيود التنظيمية وقدر من الارتياب، بينما ستتسم العلاقة بين الشركة والحكومة في عهد ترمب بتخفيف الحواجز، ما يُحتمل أن يسفر عن تبعات مقلقة بشأن السلامة (في حالة تخفيف القيود)، والمنافسة، والأمر الأكثر أهمية؛ الأمن القومي.

تأثيرات محتملة: تضارب المصالح وتلاشي القيود

العلاقة الوثيقة بين ماسك وترمب قد تحمل تداعيات على عدة مستويات. فمن جانب، يمكن أن تزداد القدرة التأثيرية لماسك على صناعة القرار الأميركي بما قد يؤثر على القوانين والنظم الحاكمة.

 

 

فإلى جانب احتمالية تخفيف الرقابة التنظيمية عن شركاته، قد يتقلص التدقيق على أمور تتعلق بسياسات النقل والسلامة، وهو ما سيتيح له السيطرة على مجالات حيوية مثل القيادة الذاتية، التي لطالما أثارت مخاوف حول سلامة الركاب.

“سبيس إكس” ومستقبل السياسة الخارجية

في ظل هيمنة “سبيس إكس” على قطاع الفضاء الأميركي واعتماد الحكومة الأميركية على خدماتها، قد يسعى ترمب للاستفادة من ماسك وشركته كأداة للسياسة الخارجية.

 

 

فعلاقة ماسك بروسيا ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطرح أسئلة حول استقرار الأمن القومي، مما قد يعزز من مخاوف استخدام ماسك كنقطة وصل استراتيجية بين أميركا وخصومها.

ماذا يعني فوز ترمب لـ”إكس”؟

سيتيح فوز ترمب استخدام “إكس” كأداة ترويجية لصالحه، حيث يصبح منصة أميركية تديرها الدولة بشكل غير مباشر، وهو ما قد يثير مخاوف حول حرية التعبير وسلامة الديمقراطية.

 

 

وإن كان التزام ماسك بحرية التعبير مجرد واجهة، فإن دعمه لترمب قد يحول “إكس” إلى منصة داعمة للدعاية السياسية اليمينية، مما يعزز مكانة ترمب في المجال العام. في المقابل، في حالة فوز كامالا هاريس، فإن “إكس” قد يتحول إلى قلب المعارضة، حاملاً معه دعوات لنشر المخاوف من تلاعب مزعوم في عملية الانتخابات.

“إكس إيه آي” وطموحات ماسك في الذكاء الاصطناعي

يشير تطور ماسك في مجال الذكاء الاصطناعي إلى سعيه لاكتساب دور أساسي في هذا القطاع المتنامي. حيث يُروج ماسك لشركة “إكس إيه آي” كبديل لمشاريع الذكاء الاصطناعي التقليدية، وقد يتلقى الدعم الحكومي في عهد ترمب لتنمية هذه الشركة وزيادة نفوذها.

 

 

كما أنه يعوّل على نفوذه لخلق نموذج ذكاء اصطناعي يشكل القطاع الحكومي، مستفيداً من السياسات التي قد تدعم شركاته بشكل غير مباشر

 

 

ماذا يحمل المستقبل للعلاقة بين ماسك وترمب؟

 

مع ترشح ترمب، ونفوذ ماسك المتزايد، تبدو العلاقة بينهما كقنبلة موقوتة. فهذه العلاقة، وإن كانت حالياً مبنية على المصالح المتبادلة، قد تتحول إلى شراكة صراعية في ظل رغبة كلاهما في السيطرة على الأضواء. كذلك، يمثل تعيين ماسك ضمن إدارة ترمب سيناريو محتملاً يشمل تضارباً للمصالح والتنازلات على حساب سلامة السياسات العامة.

 

ويجسد كل من ترمب وماسك نوعاً جديداً من التحالف بين الثروة والنفوذ السياسي، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت مؤسسات الدولة قادرة على ضبط هذه العلاقة وضمان ألا يتم استغلالها لخدمة المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة.

زر الذهاب إلى الأعلى