فن

لماذا تجمع أغنية “يا طير سلملي ع سوريا” مَن فرقتهم السياسة؟

لا يمر يوم في إذاعة دمشق الرسمية التي عادت للبث مجدداً، دون أن تقدم لمستمعيها هذه الأيام، أغنية الفنان الراحل معن دندشي، “يا طير سلملي ع سوريا” التي باتت تجمع كل السوريين مهما اختلفوا.

وليست الإذاعة العريقة هي الوحيدة من كثفت بث تلك الأغنية، فإصدارات الأغنية العديدة في منصات الاستماع مثل “يوتيوب” تشهد الإقبال ذاته، بينما تحولت مقاطع كثيرة منها لحالات على حسابات السوريين من الجيل الجديد الذي يفضل الاستماع والتفاعل بتلك الطريقة.

يعود تاريخ الأغنية لنحو نصف قرن، وهي عبارة عن حنين صريح لمدن ومناطق سوريا بشكل غير مسبوق، حيث يرد في كلماتها التي كتبها الشاعر عيسى أيوب عدد كبير من أسماء المدن والبلدات السورية.

ومن اللافت أن كل تلك المدن والبلدات من شمال سوريا لجنوبها ومن شرقها لغربها، ليس بينها بلدة القرداحة، وهي مسقط رأس حافظ الأسد ونجله بشار الذين حكموا سوريا تباعا منذ عام 1970 حتى يوم 8 ديسمبر عام 2024.

ويُعتقد أن ذلك التفصيل، هو الذي دفع إذاعة دمشق لمنع بث الأغنية بأمر من الاستخبارات السورية، على الرغم من عدم معرفة إن كان الشاعر عيسى أيوب قد تعمد تجاهل القرداحة أم أنها لم تناسب قافية كلمات قصيدته التي لحنها سليم سروة.

لكن ذلك المنع، فقد قيمته مع انتشار منصات الاستماع عبر الإنترنت فيما بعد، قبل أن تعود الأغنية بقوة عام 2015، عندما اختتم بها مسلسل “بانتظار الياسمين”، ليصبح ذلك المشهد الأشهر من بين كل مشاهد المسلسل الذي يحكي عن حياة السوريين في سنوات الحرب.

فقد جذبت كلماتها ملايين السوريين الذين اضطروا لترك مدنهم وبلدانهم وقراهم التي تذكرها الأغنية بالاسم، بينما أضفى مشهد المسلسل الأخير مزيدا من التأثير؛ إذ يصور عائلة سورية في طريقها لنزوح جديد بينما يبعث المغني بسلامه لتلك الأماكن.

وفي العام 2020، وصلت شعبية الأغنية وكسر القيود المفروضة عليها، إلى حد غنائها من قبل كورال الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية على خشبة مسرح الأوبرا في دمشق، ضمن فعالية لتكريم الشاعر الراحل عيسى أيوب.

ولعل أحد أكثر عناصر التميز في أغنية “يا طير سلملي ع سوريا” وأداء مغنيها اللافت، معن دندشي، هو كم الحب والشوق الكبير للجغرافيا السوريا ومعالمها الشهيرة بعيدا عن أي تفصيل سياسي أو ديني أو ثقافي لسكان تلك الجغرافيا.

كما يعد الموال الذي يتخلل مقاطع الأغنية، والذي يقول فيه المغني “يا شام يا شام ما بقدر حنيني أوصفه/ سر المحبة الناس كلها بتعرفه..” أحد عناصر تميز الأغنية، إذ للموال مكانة في الثقافة الموسيقية الشعبية للسوريين.

ولا تقلّ ميسلون التي يرد ذكرها في الأغنية عن عناصر تميز الأغنية الأخرى، فهي المنطقة التي شهدت معركة سورية شهيرة قادها وزير الدفاع السوري يوسف العظمة لمنع الفرنسيين من احتلال دمشق عام 1920.

وبينما يبدو السوريون منقسمين في مواقفهم السياسية ورؤيتهم لمستقبل بلدهم الذي يمر في مرحلة انتقالية بعد سقوط نظام الأسد، لا يبدو أن الانقسام يشمل أغنية “يا طير سلملي ع سوريا”.

زر الذهاب إلى الأعلى