تبدو كارثة غزة عصيّة على الحل، إذ يقف العالم جميعه عاجزا عن أن يسجل أي اختراق لصالح إنهائها، بينما تقود حكومة الاحتلال المتطرفة، برئيسها صاحب الأجندات الشخصية، الأمور من سيئ إلى أسوأ.
قراءة الأردن للمشهد الإقليمي وحرب التطهير العرقي الدائرة في قطاع غزة، وأيضا محاولات توسيع نطاق الحرب لتشمل بلدانا أخرى، كانت واضحة منذ البداية، لذلك ركز الجهد الأردني على أمرين بالتوازي، الأول خطاب دبلوماسي جاب فيه دول العالم لحشد التأييد لصالح إنهاء العدوان على غزة، والمسار الثاني هو عدم ترك الغزيين نهشا للجوع وانتشار الأمراض.
الأردن لم يكتف بالخطابات والدعوات الكلامية، بل قدم نموذجا واضحا ومهما في هذا السياق، فقد كان سباقا في إيصال مثل تلك المساعدات، فكانت طائراته تحلق فوق القطاع المنكوب لإنزال المساعدات، وبعدها سيّر القوافل الإغاثية البرية التي لم تنقطع حتى اللحظة.
بلدان أخرى استلهمت النموذج الأردني، وقدمت مساعدات إنسانية، ولكن مأساة بحجم الحاصل في القطاع المنكوب، لن تكفيه مبادرات، بل يحتاج إلى عمل مؤسسي على مدار الساعة.
الملك طالب مرارا وتكرارا بأن يقوم العالم بدوره بهذا الإطار، خصوصا أن الأردن ظل الأكثر التزاما تجاه مأساة الأشقاء. استمرار تدفق المساعدات وضمان وصولها لمستحقيها ظلت الدعوة الأردنية الأكثر وضوحا في جميع المحافل الدولية.
في حال انتهاء الحرب، تحتاج غزة إلى زهاء 1000 شاحنة مساعدات يوميا، وهو رقم ضخم تنوء به الإمكانيات الأردنية ولن يكون في المقدور تأمينه، لذلك لا يجوز ترك الأردن وحيدا في هذا المجال، فهو لا يمكنه في أي حال من الأحوال تغطية هذه الاحتياجات متفردا، سواء من حيث عدد الشاحنات أو الموارد الإنسانية، وسيظهر حينها كما لو أنه مقصّر تجاه الأشقاء رغم كل ما فعله.
نحن لا نريد أن تعاد سيناريوهات الأزمات السابقة، والتي عانى فيها الأردن من الخذلان، خصوصا في ملف اللاجئين السوريين، يوم تعهدت دول العالم، خصوصا أوروبا، بتقديم المساعدات للأردن لاحتضانه أولئك اللاجئين. بعدها، رأينا كيف أن أوروبا لم تلتزم تجاه الأردن بخطة الاستجابة، ولا تقدم سوى الفتات في هذا الملف، لتمنع، فقط، اللاجئين السوريين من التدفق باتجاه الشواطئ الأوروبية. إن المساعدة الإنسانية للأشقاء في غزة هي أبعد ما تكون عن أولوياتها، وسوف لن يعنيها الأمر لا من قريب ولا من بعيد.
على مدار أكثر من عام، يتولّى الأردن تحمل المسؤولية وحده، وهو جزء من التزامه تجاه العروبة والأخوة والإنسانية. لكن الأمر بات يفوق إمكاناته، ويشكل عبئا كبيرا عليه. وإذا بقيت الصورة على ما هي عليه اليوم، فإن هذا العبء سوف يتضاعف، وسيفوق مقدراتنا ومواردنا بالتأكيد.
غدا، الإثنين، سيكون هناك انعقاد للقمة العربية الإسلامية في العاصمة السعودية الرياض. هذه القمة ينبغي لها أن تخرج من إطار الخطاب إلى إطار الفعل، وينبغي أن تتخذ قرارا صارما يتبنى تعزيز المساعدات وديمومتها بصورة فعلية تغطي احتياجات الأشقاء في فلسطين، سواء أثناء الحرب أو ما بعد الحرب. بهذه الطريقة يمكن إيصال مساعدات تصنع فرقا في حياة الفلسطينيين، وتخفف من معاناتهم، كما تخفف على الدول التي التزمت أخلاقيا وإنسانيا تجاه هذه الكارثة.