اراء

مصطلح “اقتصاد الجامعات” الغائب عن قرار مجلس التعليم العالي .. وقفة مراجعة

محمود علي الدباس

حساسية القرارات التنظيمية على مستقبل التعليم العالي لا بد ان تعاين المشهد من كل الزوايا

نشأ على هامش ازدهار التعليم العالي وتعدد الجامعات الحكومية والخاصة في عدد من المحافظات الاردنية ، مصطلح من المعقول ان يطلق عليه “اقتصاد الجامعات” ويتمثل في قيام عدة استثمارات صغيرة ومتوسطة داخل وبحوار الجامعات الاردنية الحكومية والخاصة.

توزعت هذه الاستثمارات لتلبية احتياجات الطلبة الاردنيين والوافدين على عدة اشكال مثل اسكانات الطلاب بجوار الجامعات الخاصة وهذه استثمارات تعد بمئات الملايين من الدنانير ، وهذا الشكل من الاستثمار شغل عشرات الالاف من الاردنيين والقطاعات الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر من لحظة شراء الاراضي اللازمة للبناء عليها، بما تحمله من تنشيط لحركة بيع وشراء الاراضي ، ومواد البناء المختلفة ، وعمال البناء والتشطيبات وغيرها من الامور الاساسية في انشاء وتجهيز المباني ، الى مرحلة الانتهاء من عملية البناء لتأتي عملية الاستثمار في اقامة منشآت ومحلات لتقديم الخدمات الضرورية لمثل هذا النوع من الاسكانات ، ابتداءً من محلات بيع المواد الغذائية والمطاعم والصيدليات والمكتبات وغيرها من الخدمات وكل ما سبق كان يوفر الالاف من فرص العمل للاردنيين لخدمة “اقتصاد الجامعات”.

الى جانب ذلك نأتي على ذكر ما يتم استثماره داخل الجامعات من مطاعم ومكتبات ومراكز رياضية توفر ايضا مئات فرص العمل.

كل ما سبق يضاف اليه الاستثمار المالي الوفير من الشركات المالكة للجامعات التي ضخت وتضخ اموال بمئات الملايين في البنية التحتية لبناء كليات جامعية ومختبرات لمختلف التخصصات ، والاستمرار بالتوسع وفق معطيات زيادة اعداد الطلبة الاردنيين ، واستهداف الطلبة الوافدين في ضوء شروط القبول التفضيلية التي يتم منحها للطلبة الوافدين ، وهو السبب الرئيسي في اهتمام الطلاب الوافدين في القدوم للاردن الى جانب جودة التعليم ومستوى الجامعات الاردنية الحكومية والخاصة على سلم التصنيفات العالمية للجامعات.

ودخول عدد من الجامعات الاردنية الى مراتب متقدمة على سلم التصنيفات العالمية ، لم يأتي من فراغ ، انما من خلال توفر الشروط الضرورية التي تضعها تلك التصنيفات ومدى توفرها في الجامعات الاردنية ، وتعتمد بالاساس على عدة عوامل تتعلق بالاساس بحجم الاستثمار في التعليم الجامعي من جميع النواحي سواء البنية التحتية وتحقيق شروط توفر احدث التقنيات والتجهيزات واساليب التدريس والهيئة التدريسية الكفؤة وغيرها من الاشتراطات ، التي لا يمكن ان تكون بدون ضخ استثمار مالي كبير لتوفيرها.

ووفق ما سبق من معطيات ونقاط ، نجد ان “اقتصاد الجامعات” كان جزءً اصيلا ومحركا من محركات الاقتصاد الكلي للارن ، وادى الى تحقيق نقلة نوعية من خلال ما يخلقه هذا الاقتصاد من فرص عمل وفرص استثمارية تعتمد بالاساس على جودة التعليم والمستوى الاكاديمي للجامعات.

بالاضافة الى ما يحققه من نتائج على صعيد ضخ العملات الاجنبية في الاقتصاد الاردني نتيجة تحويلات الطلبة الوافدين واولياء امور الطلبة الاردنيين العاملين في الخارج.

ولذلك فإن على الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومجلس التعليم العالي ، ان ينظر بحساسية شديدة الى اي قرارات قد تهدم ما تم بناءه ، وفق نظرة احادية للمشهد التعليمي ، دون الاخذ بالحسبان الاعتبارات الاساسية الاخرى التي لا يمكن القفز عنها عند اتخاذ اي قرار يمس التعليم العالي في الاردن.

ولا يمكن الا ان نعاين تجارب دول اخرى في هذا المجال ، لنعلم اين نقف من هذا الموضوع ، حيث تم بلورة الاستثمار الجامعي وفق رؤية شمولية عملت على استفادة القطاعات الاقتصادية من النهضة التعليمية في تلك البلاد وشكل الاستثمار الجامعي نسبة محترمة في الناتج القومي عند دمجه في اهداف الترويج السياحي والفرص الاستثمارية المتاحة ، ويطول الحديث عن تلك النماذج سواء في امريكا وبريطانيا وباقي دول اوروبا وبعض الدول العربية المجاورة.

ولذلك ولكل ما سبق نجد ان قرار مجلس التعليم العالي المتخذ بتوحيد شروط القبول الجامعية للطلبة الوافدين لا يمكن ان يناقش بمعزل عن الظروف والاعتبارات الموضوعية المتعلقة بقطاع التعليم العالي المتشابك اقتصاديا واكاديميا ، ويجب ان تسير القرارات بخط متواز لكي لا تؤثر القرارات التنظيمية على الاطار العام للتعليم العالي في الجامعات الاردنية الحكومية والخاصة ، ومراعاة عدم التأثير السلبي المتوقع حدوثه ووقوعه في الجانب الاقتصادي من هذه المعادلة عند اتخاذ مثل هذه القرارات ، وترجيح تراجع اعداد الطلبة الوافدين وفقا لتبعات ذلك القرار.

والا فإن كل ما تم بناءه من نهضة في قطاع التعليم العالي سوف يتعرض لنكسة ، ربما لا يمكن تداركها بعد نفاذ القرار الصادر بتوحيد شروط القبول الجامعي للطلبة الوافدين ، ولا زال الوقت سانحا لمراجعة القرار وفق معطيات المصلحة الوطنية والحفاظ على ما انجز والبناء عليه وفق رؤية رفع سوية التعليم الجامعي وجودتها بالحوار مع اصحاب العلاقة للوصول الى رؤية مشتركة تخدم المصلحة العامة ومستقبل التعليم العالي في الاردن.

زر الذهاب إلى الأعلى