اقتصاداقتصاديةالاخبار الرئيسية

هل يتخذ الاردن هذا القرار لتعزيز نفاذ بضائعه الى دول العالم؟

تدور اجتماعات ولقاءات وورش عمل عديدة وكثيفة بمشاركة حكومية ومن القطاع الخاص للوصول الى معادلة مثالية لتعزيز صادرات الاردن من مختلف البضائع الى دول العالم ، ينعكس بشكل ايجابي على ميزان المدفوعات.

وتصطدم كل هذه الطموحات بعوائق بيروقراطية ، ورغبة البعض في الحفاظ على دوره وسلطته ، دون النظر الى اهمية مواكبة احدث الممارسات العالمية في عالم التجارة والاعمال.

وما دمنا نتحدث عن رؤية التحديث الاقتصادي واهدافها النهائية في جعل الاردن فرصة جاذبة للاستثمار ، وهو الامر الذي لا يأتي فقط بالامنيات.

فهناك بالتأكيد ضرورة لعمل كبير وشامل في هذا الاطار ، لا يمكن ان يبدأ دون ان تكون هناك قناعة لدى المسؤولين والحكومات والقطاع الخاص بمعرفة ما تريده الاسواق العالمية وتركيز الانشطة الاقتصادية في القطاعات التي يبحث عنها المستهلكين حول العالم.

والى جانب ذلك دراسة معمقة ، وامكانيات المنافسة في مختلف القطاعات الانتاجية والصناعية واستثمار موقع الاردن الجغرافي المتوسط بين اسيا وافريقيا وقريبا من اوروبا في خلق صناعات تصديرية تصنع الفرق في الميزان التجاري ، وليس كل ما يصنع يمكن ان ينافس ، ربما احيانا لوجود البديل لدى بلدان اخرى ، وربما لعدم توفر ادوات التسويق الملائمة واحيانا الحواجز الاجرائية التي تحد من تنافسية المنتج الاردني في الاسواق الخارجية.

ولا بد للقطاع الخاص ان يتنبه الى الشروط والقواعد الفنية التي يتطلبها تصدير مادة من المواد المصنعة الى بلد ما مثل الاتحاد الاوروبي وامريكا ، ولذلك نرى محدودية الصناعات التي من الممكن ان تنافس في تلك الاسواق لاسباب تتعلق بشروط تضعها تلك البلدان للموافقة على ادخال تلك المواد المصنعة ، من حيث ضرورة توفر طرف ثالث يمنح شهادة المطابقة الفنية للمواصفة المطلوبة من قبل تلك البلدان في بلد المنشأ.

صحيح ان التشريعات تعتبر شيء مهم في عكس صورة ايجابية عن التزام الاردن الرسمي بالقواعد الفنية والمواصفات القياسية للانشطة الاقتصادية المختلفة ، ولكن الاهم ان يكون مردود هذه التشريعات فعالا وعمليا على ارض الواقع.

حيث صدرت الخميس وبناء على مطالب القطاع الصناعي تعليمات جديدة لتتبع الغذاء ومعها صدرت تعليمات الأغذية المعدة لغايات التصدير لسنة 2024.

وهو امر مهم امام العالم ان تجد التزاما رسميا من الحكومة بوضع هذه التعليمات الناظمة لقطاع المواد الغذائية، لما لها من اهمية في منح الموافقات لتصدير البضائع من المواد الغذائية الى الخارج ، وبالتأكيد سيكون لها اثر كبير في زيادة كميات المواد الغذائية المصدرة خاصة الى الاتحاد الاوروبي وامريكا وباقي دول العالم ، بحيث تزيد حصة الصادرات الصناعية بنسب جيدة ، لا سيما في مجال انتاج اللحوم المصنعة والمعبئة ، والتي لا تسمح شروط الاتحاد الاوروبي وامريكا حاليا بدخولها.

الا ان تعليمات تتبع الغذاء الجديدة والتي منح القطاع الصناعي فترة عام لاستكمال اجراءاته في انشاء نظام تتبع غذائي ضمن الشروط التي حددتها التعليمات ، سيتسبب بفوات فرص كبيرة لحين استكمال تلك المصانع انظمتها والبدء بالعمل من خلال نظام التتبع الغذائي وفحص فعاليته واجازته من الجهات الرقابية المسؤولة ممثلة بالمؤسسة العامة للغذاء والدواء والجهات الاخرى المعنية.

ولان موضوع تعزيز نفاذ الصناعات التصديرية في الاسواق الخارجية لا يرتبط فقط في التصنيع الغذائي ، انما يمتد لاغلب السلع والصناعات والمنتجات التي يرغب منتجوها في تصديرها للخارج.

فإن ما يقع على عاتق الحكومة ومن منطلق مسؤولياتها وما يمكن ان تقوم به من جهد ، يتمثل في اتخاذ قرار باعتماد شركات التفتيش المسبق على البضائع في بلد المنشأ ، ومنح شهادة المطابقة المعتمدة من فبل دول الاتحاد الاوروبي وامريكا والصين ودول الخليج وكذلك العراق ، هو امر في غاية الاهمية لطرق باب فرص كبيرة لتصدير البضائع الاردنية للعالم وضمان نفاذها للاسواق العالمية في اوروبا وامريكا والخليج وباقي الدول ، دون قيود او تعقيدات.

لا سيما وان هذا الامر غير مرتبط بقطاع صناعي محدد ، انما هو متطلب لاغلب البضائع والصناعات التي يراد تصديرها الى تلك الدول.

وبالتالي تبدو الحاجة ملحة لتجاوز العوائق التنظيمية والمتعلقة بدور مؤسسة المواصفات والمقاييس والمؤسسة العامة للغذاء والدواء ، وعدم اعتبار عمل تلك الشركات العالمية بديلا عنها ، لان محور عملها لا ينحصر في فحص البضائع المصدرة من الاردن بل يتعداه الى البضائع والمواد الاولية المستوردة للاردن ، وهذا ما يجب ان يكون ، اذا ما اردنا النهوض في قطاعاتنا الاقتصادية كافة ومن باب المعاملة بالمثل.

على اعتبار ان دورة الانتاج تبدأ من التأكد من سلامة المواد الاولية التي تدخل في تصنيع مختلف البضائع والتي تكون اغلبها مستوردة ، وبالتالي فإن القيود على دخول المواد المصدرة للخارج والمنتجة في الاردن لن تختفي ، الا مع ضمان الدول المستوردة لبضائعنا ، توفر سلسلة انتاج معلومة التفاصيل ، وحصول المواد الاولية من مختلف الصناعات على شهادة المطابقة ، والا فإن الدول المستوردة ستجد ان هناك حلقة مفقودة في عملية انتاج البضائع وتصنيعها ، ما سيكون سببا وجيها لها لمنع دخول بعض البضائع والمنتجات المستوردة من الاردن لعدم وجود عملية شفافة في سلسلة التصنيع والانتاج.

ولنتصور الحجم الهائل للمكاسب التي ستحققها الصناعة الاردنية فيما لو تم اعتماد شركات التفتيش المسبق والقادرة على منح شهادة المطابقة المعتمدة من دول الاتحاد الاوروبي وامريكا ودول الخليج وباقي دول العالم ، في المنافسة الحقيقية وزيادة حصتها في الاسواق التصديرية ، وتجاوز قرارات اعادة البضائع وتحمل الخسائر وتأخر وصول البضائع واجراءات التفتيش ، ومتطلبات الفحوصات من مختلف الجهات الرقابية.

وعلى ما يبدو ان سبب عدم اعتماد تلك الشركات نابع من تخوفات غير واقعية من بعض المؤسسات بأن هذا الاجراء سوف يخطف دورها وهو على العكس تماما ، فهو يعتبر رديف لها ومن باب اختصار الاجراءات والفحوصات وتأخر وصول البضائع المستوردة او المصدرة ، لكون الشركات العالمية تأخذ في عملها اعتماد المواصفة الفنية للبلد المستورد والمصدر ، وبالتالي لا خوف على موضوع سلامة الغذاء وبالتأكيد على باقي المنتجات المصنعة سواء ادوات كهربائية واجهزة طبية وغيرها من البضائع.

اذا فإن وضع تعليمات تتبع الغذاء هو امر مهم ولكن هناك صناعات اخرى تنتظر فرص تصديرية واعدة  ، وهناك عوائق فنية فيما يتعلق باعتمادها من الدول المستوردة لعدم وجود جهة محايدة تستطيع ان تمنح شهادة مطابقة ، لتكون هذه الشهادة بمثابة تأشيرة دخول ذهبية للصناعات الاردنية للاسواق العالمية بدون اية عوائق او قرارات منع استيراد لعدم توفر شهادة المطابقة والفحص المسبق للبضائع في بلد المنشأ.

ان التأخر في التوجه نحو اعتماد شركات التفتيش المسبق في بلد المنشأ ، والتي سبقتنا اليه دول كثيرة ، وتأخرنا كثيرا في هذا المجال ، يفقدنا فرص تصديرية هائلة ، ويقلل من فرص نفاذ سلعنا وصناعاتنا الى الاسواق العالمية.

وفي هذه المقام لا يمكن ان نتجاوز توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني للحكومة في كتاب التكليف السامي حول اهمية دعم الصناعات الاردنية وتذليل كل التحديات امام نفاذها للاسواق العالمية ، واقتبس “ولا بد من تمكين القطاع الصناعي ليكون منافسا في الأسواق المحلية والأجنبية، وفتح أسواق جديدة أمامه، والاستفادة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تربط الأردن مع دول العالم، ومن المهم استكشاف الأسواق الناشئة لتعزيز تصدير المنتجات والخدمات الأردنية.”

زر الذهاب إلى الأعلى