اراء

أحزاب تبحث عن النخب وحالمون ينشغلون بـ”التسعيرة”

أحمد حمد الحسبان

بينما تواصل الهيئة المستقلة للانتخاب تحضيراتها للاستحقاق الدستوري الأبرز المتمثل بأول انتخابات برلمانية تجري وفقا لقانون جديد يعتمد مبدأ القوائم الحزبية ويرفع شعار الإصلاح السياسي، ويتدرج في منح الأحزاب حصة من المقاعد النيابة، تشهد الساحة المحلية نشاطا واضحا في مجال تسمية المرشحين لهذا الاستحقاق الذي يحظى باهتمام واسع وعلى مختلف المستويات.

فقد أعلنت الهيئة قوائم الناخبين وحددت مهلة للاعتراض عليها وأطلقت حملة» قرع الأبواب» من ألف متطوع للوصول إلى الناخبين في منازلهم، بينما تصدر الحديث عن الانتخابات كل اهتمامات الشارع، وسط نقاشات نوعية حول النشاط الحزبي الذي تقاسمته اهتمامات متعددة تصب في مجملها حول التعامل مع ذلك الاستحقاق، المتمثل بإعلان أكثر من  35 حزبا خوض الانتخابات بقوائم بعضها مشتركة مع أحزاب أخرى، وبعضها الآخر من أعضاء الحزب نفسه. الأمر الذي سيرفع من عدد المرشحين المحتمل تسجيل ترشيحهم إلى ما يفوق أعدادهم خلال المواسم السابقة.

وبينما تواجه بعض الأحزاب وبخاصة الصغيرة منها مشكلة في توسيع عدد المشاركين في القائمة، تواجه أحزاب أخرى مشكلة في إرضاء كافة الراغبين بالترشح، حيث يصل عدد بعضهم إلى مئات يتم اختصارهم بالقرعة أو بمفاضلات متعددة الأشكال. ومنها ـ على سبيل المثال ـ ما يطلق عليه وصف”لتسعيرة”، في إشارة إلى مبلغ من المال يتفق على دفعه من قبل المرشح لتسجيل ترشيحه، وبحيث يرتفع المبلغ تبعا لترتيب الشخص في القائمة.

ويبدو أن هذا الأسلوب كان من أبرز الوسائل التي تمكن الأحزاب من الإنفاق على الحملات الانتخابية، وعلى نفقات الفروع وغيرها. فالشكوى ما تزال قائمة من أن نظام الدعم للأحزاب يخصص قيمة الدعم وفقا لما يحصده الحزب من مقاعد برلمانية وبلدية وغيرها وليس قبل الانتخابات.

هذه الطريقة التي لم تعد تمارس سرا، لم تر فيها المرجعيات المختصة نوعا من الرشى، رغم أن بعضها تصل كلفته إلى مليون دينار، باعتبارها من» الرشى الحزبية» التي تختلف عن» الرشى الانتخابية» التي يجرمها القانون، وتجند الهيئة المستقلة للانتخاب دورياتها الإلكترونية لمتابعتها وملاحقتها. فالرشى الحزبية كما يراها حزبيون تتشابه مع حق الأحزاب في تلقي الدعم من شخصيات وطنية وفقا لضوابط محددة، يتم الكشف عن أسمائهم والمبالغ التي تبرعوا بها في موازنة الحزب.

غير أن القضية بمجملها تثير نوعا من الجدل حول جودة المخرجات في مثل تلك الحالة، حيث يرى الجادون من تلك الأحزاب ومن خارجها أن المطلوب من الأحزاب هو البحث عن المتميزين والكفاءات واستقطابهم بدلا من الملاءة المالية فقط. وسط تخوفات من أن تؤدي تلك العملية إلى سيطرة رأس المال على مفاصل القرار البرلماني.

ويتطرق النقاش في هذا المجال إلى مقترحات بتأسيس مدارس حزبية مهمتها تأهيل الحزبيين بدءا بالأشبال ممن يمتلكون مهارات متميزة تحتاج إلى صقل. وانتهاء بالشباب لتأهيلهم في مجال العمل السياسي. وكذلك البحث عن الكفاءات واستقطابهم إلى عضوية الحزب بغض النظر عن مدى قدراتهم المادية. وعدم التركيز في مجال الاستقطاب على من يملكون مالا، أو رصيدا من الأصوات فقط.

غير أن تلك القراءات التي باتت تطرح في كل مكان كمؤشر على تعمق التجربة، لا ترى في القفز بين الأبعاد الحزبية والعشائرية والجهوية ما يمكن أن يمس التجارب التي ما زالت في بداياتها والتي تحتاج إلى توظيف كافة الإمكانات لحشد الأصوات وصولا إلى التنافس مع الأحزاب الأخرى. أملا في أن تكون التجربة في نسختها الثانية التي ستجري بعد أربعة أعوام أكثر نضجا وانخراطا في العملية الحزبية التي يعتقد أنها ما تزال في بداياتها.

ميدانيا، ما تزال بعض الأحزاب تواصل عملية الاستقطاب لعضويتها ولدعمها في الانتخابات مركزة على الشباب والمرأة. وفي الوقت نفسه هناك أحزاب استكملت إعداد قوائمها. غير أن تلك الأحزاب لم يزد عددها عن أصابع اليد الواحدة، بينما تواجه أحزاب أخرى صعوبات ترتفع إلى مستوى القلق من أنها قد لا تفلح في تلك المهمة، وقد يصل بعضها إلى التفكك على خلفية النقاشات المرتبطة بتشكيل القوائم. وفي سياقات منتظرة هناك من يبالغ في تقدير قوة بعض الأحزاب، وتوقعات بحصد أعداد كبيرة من المقاعد سواء على القائمة الحزبية أو على مستوى الدائرة. فبعض القراءات تتوقع أن يكون مستوى الإقبال على الانتخابات مرتفعا هذه المرة، الأمر الذي يرفع من نسبة الحسم” العتبة”، ويخرج بعضها من التنافس، ويرفع من مستوى الثقل للمقعد الانتخابي. وبحيث يصبح من الصعب على أي حزب أن يرفع رصيده من خلال القائمة عن سبعة مقاعد.

تلك القراءات قد تكون محكومة بظرف محدد ومعطيات محددة، وبالتالي قد تختلف بالنسبة لحزب أو أكثر، ولكن باحتمالات ضئيلة جدا لكنها مبشرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى