اراء

أرباح قياسية للبنوك

عبد المنعم عاكف الزعبي

بعد أن حققت البنوك أرباحا قياسية بواقع 599 مليون دينار عام 2022، تشير نتائج النصف الأول من العام الحالي إلى احتمالية تجاوز الأرباح السنوية لعام 2023 حاجز ال 600 مليون دينار.

الكثير من المراقبين يعتقدون أن ارتفاع أرباح البنوك رغم السنوات المتواصلة من الركود الاقتصادي سببه ارتفاع هامش الفائدة بين الودائع والقروض .

لكن الأرقام خلال السنوات العشرة الأخيرة تشير إلى خلاف ذلك. فقد بقيت عائدات البنوك المتحققة من قروضها واستثماراتها ثابتة نسبيا مع انخفاض طفيف من 1.1% عام 2012 إلى 1% عام 2022.

وبمعنى أن ارتفاع أرباح البنوك لم يكن ناجما عن ارتفاع هامش الفائدة -الذي بقي ثابتا على ما يبدو-، إنما جاء نتيجة نمو محفظة البنوك من القروض والسندات والتسهيلات الائتمانية بحوالي 25 مليار دينار خلال ذات الفترة.

إذا يعود الارتفاع في أرباح البنوك إلى نمو موجوداتها، وليس إلى نمو معدل العائد المتحقق على كل دينار من هذه الموجودات.

يؤكد صحة هذا الاستنتاج وجود منافسة قوية بين البنوك على الإقراض، مما أدى إلى تقارب كبير بين سعر الفائدة الذي تجنيه البنوك على فوائضها لدى البنك المركزي وسعر فائدة القروض والسندات طويلة الأجل.

ما يثير الانتباه هنا أن البنوك نجحت في تعزيز ربحيتها من خلال التوسع في الإقراض دون أن يرافق ذلك ارتفاع مقابل في معدلات التعثر. لا بل إن الأرقام تشير إلى انخفاض نسبة القروض غير العاملة من 7.7% عام 2012 إلى 4.5% عام 2022.

وإذا دققنا أكثر في الأرقام نجد بأن القروض غير العاملة ارتفعت بقيمة 70 مليون دينار خلال ال 10 سنوات الماضية، أي ما يعادل 0.5% فقط من القروض الجديدة الممنوحة للقطاع الخاص بقيمة 13 مليار دينار خلال ذات الفترة.

هذه النسبة صحية ولكنها تحتاج إلى تحليل، خصوصا وأنها تأتي رغم التوسع الملحوظ في الإقراض والظرف الاقتصادي المتباطئ.

أحد التفسيرات المحتملة أن تحفظ البنوك حصر الإقراض بالشركات الكبيرة والأفراد المضمونين، مما خفض من معدلات التعثر إلى حد بعيد. هذه الفرضية يدعمها اتساع فجوة الدخول وازدياد تركز الثروة، مما يسمح بنمو الإقراض ضمن مستوى محدود من المخاطر، ويعيد تركيز العوائد الاقتصادية بيد ذات الأفراد والمؤسسات، دون أن تعم الفائدة على الاقتصاد الكلي بشكل ملموس.

التفسير الآخر هو أن نمو الإقراض عملية لحظية سريعة ومباشرة، بينما تتشكل القروض غير العاملة بشكل متدرج وبطيء. فتلك الأخيرة تحتاج إلى العديد من الخطوات لتصنيفها، وتحتمل الإطفاء وإعادة الجدولة وإعادة التصنيف والحصول على الدعم من المستثمرين أو الحكومة لتعود عاملة من جديد. ضمن هذا التفسير يصبح الاحتمال قائما بأن تواجه أرباح البنوك ضغوطا خلال الأعوام القادمة، خصوصا وأن أسعار الفائدة تتجه أيضا نحو الانخفاض.

في الأردن تمتلك البنوك معدلات مرتفعة وآمنة من كفاية رأس المال، وهي نموذج حي للاستقرار المصرفي على مختلف المستويات. أما الأرباح، فترتفع وتنخفض، كما هو حال جميع الأعمال التجارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى