Categories: اراء

أقوى رسالة من الدولة

‏منذ تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، قبل نحو 10 شهور، لم تبعث الدولة رسالة سياسية أقوى من التي وصلت قبل أيام، عبر بريد أحد الرؤساء السابقين، نادي “الجكر” السياسي فهم الرسالة باعتبارها موجهة إليه، لا إلى شخصية واحدة فقط، وهي تقول باختصار، وبحزم أيضا، لن تسمح الدولة لبعض دعاة الوضع السابق، وكذلك القائم، بوضع العصا في دواليب حركة التحديث القادمة، ولن تسمح لمن أكلوا زمانهم، أخطأوا فيه أو أصابوا، أن يأكلوا زمن ابنائهم وأحفادهم.

الرسالة، بالطبع، وصلت، أحد المعنيين اعتذر عن تصريحاته، ووعد ألا تتكرر، آخر أغتنم فرصة أحد اللقاءات فصافح رئيس اللجنة، وحبل المصالحات والاعتذارات على الجرار، الدولة، بإدارتها ومرجعياتها، استنفرت أدواتها السياسية والإعلامية لترتيب المرحلة القادمة، ولديها، ربما لأول مرة، توافق على الخطوط العريضة، ولا تريد لأي جهة مهما كانت، أن تتدخل لإفشال “برنامج الملك “هذه المرة المسألة مختلفة، والإرادة السياسية غير قابلة للنقاش.

سنشهد، خلال الأسابيع القادمة، ارهاصات إعادة تشكيل المشهد السياسي، عبر بوابات متعددة، وربما نفاجأ ببروز شخصيات جديدة وغير متوقعة، كما ستبدأ الدولة بإعادة إنتاج خطابها وسردياتها تجاه قضايا داخلية، وأخرى خارجية، بمعنى آخر: الدولة خرجت، على ما يبدو، من جردة حسابات ومراجعات، وانتهت إلى “لملمة سياسية” تحدد موضع أقدام الجميع على الخريطة، وتفرض حالة من التنسيق بينهم، وتمنع أي اشتباك أو ارتباك أو تداخل بين كافة أطراف المعادلة.

ما جرى يعكس مسألتين مهمتين، الأولى أن الدولة قررت استجماع قوتها ونفوذها وإمكانياتها، ثم حسم قراراتها وترتيب أجنداتها، وقطع الطريق على أي مداخلات خارج السياق، أما الثانية فهي أن لدى الدولة ما يلزم من إحساس عام وتقديرات عن خطورة المرحلة القادمة، قلق الدولة، هنا، لا يتعلق فقط بالتحولات التي تجري بالعالم والإقليم فقط، وإنما يتركز على الداخل الأردني، حيث تقول الحسابات السياسية إن أزمات القادم ومفاجآته وفواتيره التي حان سدادها، تحتاج إلى “طوارئ سياسية”، بأدوات ناعمة،وبنكهة جديدة، تكون فيها الدولة حاضرة ويقظة،وإدارتها على قلب رجل واحد.

بموازاة فرض “التهدئة السياسية” على جبهة المناكفين، ونادي “الجكر” السياسي، ثم ضبط حركة المعارضة السياسية وتحديد سقوفها، من المتوقع أن تنطلق العديد من المبادرات باسم النظام السياسي لترتيب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإجراء بعض المصالحات داخل المجتمع، وصولا لإفراز طبقة سياسية واجتماعية بوجوه جديدة، وعلى “ارث” قديم يجري إعادة إنتاجه بمواصفات تتناسب مع المرحلة المقبلة، هذا “الإرث” كان مرتبطا فيما سبق بحراكات الشارع، وربما سنشاهد حملات استرضائية بهذا المجال.

الدولة تتقدم، إذا، وفق تصورات تحددها، فماذا عن استقبال المجتمع لذبذبات هذه الخريطة الجديدة، وكيف يتفاعل معها؟ النخب التي انشغلت بمقاومة القادم ستتوقف حفاظا على مصالحها، او خوفا من أي تهديد يسحب البساط من تحتها، النخب التي تمثل صوت المعارضة بدرجاتها المختلفة ستنقسم، بعضها سيقبل بالمعروض، والآخرون سيواصلون احتجاجاتهم، أما ما بقي من الأطياف التي تحرض على دفع عجلة الإصلاح، فمن المتوقع أن “تتكيف” مع الواقع، فيما ستحصد طبقة سياسية جديدة رزمة المغانم، ثم توزعها وفق حساباتها ومصالحها.

(الغد)

 

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم.. ما أبرز أعراضها؟

صُنفّت "حُمّى الضنك"، أو ما يُعرف بـ"حمى العظام المكسورة" أو "حمى السبعة أيام"، على أنها…

14 دقيقة ago

مهرجان جرش ينجح في تشكيل جبهة صمود حضارية بصوت الاعتدال والحق الذي آمن به الاردن على الدوام

لا طريقة افضل من تحويل الطاقات والمواهب لذخيرة في مواجهة الهمجية الصهيونية ، وتعزيز التعاطف…

ساعة واحدة ago

نصف الإسرائيليين يرون أن نتنياهو يطيل حرب غزة لأسباب سياسية

كشف استطلاع رأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية، أن أكثر من نصف الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب…

ساعتين ago

إطعام الرضع بالملعقة يمكن أن يكون سيئًا لنموهم!

يقضي الكثير من الآباء والأمهات ساعات يضعون خلالها الطعام المهروس في فم أطفالهم. وبحسب ما…

3 ساعات ago

“خليكم بحسرتكم”.. أحلام ترد على اتهام أصالة بسرقة أحد ألحانها

وضعت الفنانة أحلام حداً للجدل الذي أثير خلال الساعات الماضية، وما قيل عن أزمة بينها…

4 ساعات ago

فرنسا تقصي البرتغال وتذهب لملاقاة إسبانيا في نصف النهائي

فاز منتخب فرنسا ضد البرتغال، بركلات الترجيح بنتيجة (5-3) بعدما سيطر التعادل السلبي على اللقاء،…

4 ساعات ago