اراء

إعادة النائب أولا ثم نناقش القضية

حسين الرواشدة

‏ما حدث في قضية النائب ، عماد العدوان ،يمكن أن نفهمه في ثلاثة سياقات ، الأول سياق إدارة الدولة للأزمة وموقفها منها ،ويستند إلى اعتبارات سياسية بالدرجة الأولى ،حيث حاولت ادارات الدولة -وما تزال -احتواء ما جرى ، باستخدام ما لديها من أوراق ضغط داخلية وخارجية ، صحيح الرواية الرسمية لم تعلن حتى الآن ، لاسباب قد تبدو مفهومة ، و ثمة شكوك بالرواية الإسرائيلية ، لكن يبدو أن العملية الدبلوماسية ستكون صعبة ، كما أن الثمن السياسي المطلوب لن يكون بسيطا، اما النتيجة فهي إعادة النائب إلى الأردن بأقرب وقت ، وهذا ما سيتم بالتأكيد .

‏السياق الثاني يتعلق بمواقف اغلبية الأردنيين مما حدث، ثنائية المقاومة والاحتلال حاضرة بقوة في المشهد ، حيث أن أي عمل ضد المحتل ،بصرف النظر عن أي إعتبارات أخرى ، مشروع ومطلوب شعبيا ، وبالتالي فإن ما فعله النائب ، وفق الحسابات الشعبية ، يصب بالمصلحة الوطنية ،بل وذهب فقهاء قانونيون لتجريد الاحتلال من حق المحاكمة ، كما ذهب اخرون لاستدعاء وقائع ارتكب فيها الاحتلال جرائم على الأرض الأردنية ، وانتهت بصفقات سياسية ، وهذا ما يجب أن يتم مع النائب ، على قاعدة المعاملة بالمثل .

السياق الثالث يتعلق بالحسابات السياسية التي تفكر بها “تل أبيب “، سواءا لتصدير روايتها المزعومة والترويج لها ، أو لاستغلال الفرصة ، داخليا لكسب الرأي العام هناك ، ومع الأردن للضغط والمقايضة ، لا يمكن أن نتوقع من المحتل أن يتعامل مع القضية إلا بمنطق الابتزاز ، كما لا يمكن للدولة الأردنية أن تخضع لشروطه، وبالتالي فإن ورقة النائب ستدخل – إسرائيليا- الى سوق المزايدات بين أطراف المعادلة السياسية والأمنية ، وفي تقديري أن حسم القرار سيكون وفق صفقة عابرة لكل الاطراف ، ومن خارج الإقليم أيضا.

‏صحيح ، لا يوجد لدينا معلومات بمعزل عن الرواية الإسرائيلية ، لكن مهمة تفنيد ودحض هذه الرواية ، وفق ما ظهر من معطيات ، مسألة ضرورية ، خاصة مع افتراض تدبير كمين او مكيدة ، سواء من الطرف الإسرائيلي او من غيره، وصحيح ،أيضا، ان القضية معقدة وما تزال محفوفة بعلامات الاستفهام ، لكن سيكون أمام الأردن مساران ، أحدهما راهن ، وهو اعتبار إعادة النائب لبلده قضية وطنية في إطار سياسي مع الطرف الإسرائيلي ، والثاني مسار قادم وهو داخلي محكوم بإطار قانوني يصعب تصوره الآن ، لكن سيتضح لاحقا ، بعد معرفة تفاصيل الواقعة ،وما جري على هامشها من تسويات .

‏يبقى لدي اكثر من ملاحظة ، الأولى أن الاستثمار بالورقة الشعبية ،و الالتفاف حول موقف الدولة ، لتحويل الأزمة إلى قضية وطنية ، هو واجب الوقت ، مع مراعاة عقلانية الخطاب العام ، وعدم منح الطرف الآخر أية ذرائع قد يستفيد منها ، الثانية ان ما حدث ، في هذا التوقيت بالذات، ليس معزولا عن العلاقة المتوترة مع الكيان المحتل ، بعد التحولات الكبرى التي جرت على صعيد مواقفه وممارساته تجاه الأردن و القضية الفلسطينية ، وبالتالي فإن الحكم على أي تسوية أو صفقة ستتم ، يفترض أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات والاثمان السياسية المطلوبة ، اما الملاحظة الثالثة فهي أن القضية تتعلق بنائب له وزن سياسي في حسابات الدولة والمجتمع ، وليس مجرد مواطن عادي، هذا يجعل القضية عابرة للإجراءات القانونية ، ويضعها في إطار سياسي أوسع ، وأكثر تعقيدا أيضا.

‏تبقى ملاحظة أخيرة ، وهي انه لا وقت الآن للمزايدات الشعبوية من جانب ، ولا للتلاوم وتبادل الانتقادات والاتهامات من جانب آخر ، الأولوية هي إعادة النائب، وبعد ذلك يمكن توجيه النقاش العام حول ما حدث ، و استخلاص ما يلزم من دروس ، كما يمكن لإدارات الدولة أن تتصرف تبعا لحساباتها السياسية والقانونية ، الأزمة، عندئذ ، ستكون داخلية ، واختلافاتنا حولها ستكون مشروعة ، وفي سياق البيت الأردني ، اما الآن فإن وحدة كلمتنا وموقفنا ، ودعمنا لمواقف الدولة هو الواجب لتجاوز الازمة ، وتحويلها الى فرصة لتمتين جبهتنا الداخلية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى