احداث اقتصاديةاقتصاد

اكتشاف الليثيوم في إيران يقلب موازين سوق المعادن

أعلنت الحكومة الإيرانية في مارس/آذار الماضي أنها اكتشفت احتياطيا هائلا من الليثيوم بحجم يصل إلى 8.5 ملايين طن. والحال أن الصين هي أكبر مستهلك لليثيوم في السوق العالمي، حيث تستورد معظم احتياجاتها من أستراليا التي تُعَدُّ أكبر مُصدِّر لليثيوم في العالم. وكانت أستراليا عام 2020 صاحبة ما يقرب من نصف حجم الليثيوم المتوفر في العالم برُمَّته. ويُصدَّر أكثر من 90% من الليثيوم الأسترالي إلى الصين، وهي نسبة تُلبي نحو 85% من حاجة الصين من الليثيوم. وقد تخطت إيرادات أستراليا من بيع الليثيوم إلى الصين في النصف الأول من عام 2023 سبعة مليارات دولار أميركي.

يُمثِّل الليثيوم عنصرا رئيسيا في بطاريات المركبات الكهربائية (EV)، ولما كانت الصين تسعى لأن تصبح المنتج الأول في العالم للمركبات الكهربائية، فإن حاجتها إلى الليثيوم في اطراد وازدياد. ولهذا، قُدرت الزيادة في إيرادات أستراليا من الليثيوم بنحو 200% في الفترة ما بين 2022-2023. بيد أن اكتشاف الليثيوم في إيران قد يُمثِّل تحديا أمام هيمنة أستراليا على سوق الليثيوم الصيني (وهو ثاني أكبر اكتشاف لليثيوم من نوعه في العالم، ويُعادل تقريبا 10% من الاحتياطي العالمي). إن الصين هي وجهة الصادرات الأبرز في العموم لكلٍّ من إيران وأستراليا الآن، وقد صدَّرت أستراليا عام 2022 أكثر من ربع صادراتها إلى الصين وحدها، أي ما يُقدَّر بـ104 مليار دولار، في حين تُعَدُّ إيران مصدرا مهما للنفط الخام في الصين، حيث تُرسِل أكثر من 750 ألف برميل يوميا، وهو ما يربو على ربع إنتاجها منه.

وتيرة برنامج السيارات الكهربائية في إندونيسيا. وفي عام 2020، أصدرت وزارة الصناعة خطتها لتطوير الصناعة المحلية التي تنص على أن الأولوية في صناعة السيارات بين عامي 2020-2035 منصبة على تطوير تصنيع السيارات الكهربائية ومكوناتها. وتشتمل الخطة على صناعة المركبات الكهربائية ذات البطاريات بحيث تُشكِّل ما لا يقل عن 20% من إجمالي المركبات المصنعة في البلاد عام 2025. ووفقا لهذه الخطة، فإن إندونيسيا تهدف إلى أن تكون من المنتجين الخمسة الأوائل في العالم في مجال بطاريات المركبات الكهربائية بحلول عام 2040.

وتماشيا مع هذا الطموح، فإن إندونيسيا اضطلعت بمشاريع مشتركة مع شركة “هيونداي” الكورية وشركة “شانغهاي جنرال موتورز وولينغ” الصينية. كما عيَّنت الحكومة شركة إندونيسيا للبطاريات حتى تكون مركزا لتصنيع بطاريات المركبات الكهربائية، بحيث تستفيد من مخزون النيكل الهائل في البلاد. لكن إندونيسيا تفتقد المكونات الأخرى لإنتاج تلك البطاريات، وعلى رأسها الليثيوم. ومن غير المفاجئ أن توحيد الجهود بين إندونيسيا وأستراليا في إنتاج تلك البطاريات كان نقطة من نقاط النقاش الرئيسية بين البلدين أثناء زيارة ويدودو لأستراليا في يوليو/تموز عام 2023.

بيد أنه لم يحصل أي تنفيذ ملموس للخطة بعد توقيع مذكرة تفاهم بين غرفة التجارة والصناعة الإندونيسية وحكومة أستراليا. إن أستراليا، مثلها مثل إندونيسيا، تتبع إستراتيجية التصنيع المُنصَب على المراحل النهائية (Downstreaming) (والصناعة المنصبة على المراحل النهائية من الإنتاج هي تلك المهتمة بالتمرُّس في العمليات المتأخرة أو الأدنى في سلسلة الإنتاج، التي لا تحتاج إلى قدرات تكنولوجية أو صناعية كُبرى، وعادة ما تتجه لها البلدان الصغيرة في بداية جهودها من أجل التحوُّل الصناعي)*.

وينطبق هذا على الليثيوم، كما هو منصوص عليه في إستراتيجية المعادن المهمة التي أصدرتها أستراليا للفترة بين عامي 2023-2030. ولربما تحرص أستراليا على ألَّا تستعدي الولايات المتحدة في سياستها المناوئة للصين، آخذين في الاعتبار أن استثمارات الصين في معالجة النيكل في إندونيسيا كبيرة، فمنذ عام 2013، أصبحت الصين أكبر مَصْدَر للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع المعادن بإندونيسيا (ما يعني أن تعاون أستراليا المُوسَّع مع جاكرتا قد ينطوي على تعاون مع الصين في الوقت نفسه)*. وبينما يمكن لاكتشاف إيران لاحتياطيات الليثيوم أن يتيح الفرصة لتسريع التعاون بين أستراليا وإندونيسيا في مجال بطاريات المركبات الكهربائية، والمساعدة في تقليل اعتماد أستراليا على الصين في صادراتها، فإن السياسات الداخلية للبلدين تشمل توترات بين الأهداف الاقتصادية والبيئية في كل دولة منهما، وقد تُفضي إلى تعقيد تعاونهما التجاري.

بغرض معالجة تباطؤ النمو الصناعي في بلاده، فإن ويدودو يُطبق سياسات التصنيع المُنصَب على مراحل الإنتاج النهائية، لا سيما إنتاج النيكل، بوصفها وسيلة لزيادة القيمة المضافة المحلية في الاقتصاد الإندونيسي. وتهدف هذه السياسة، مع حظر تصدير المواد الخام إلى الخارج، إلى تحفيز تنمية القطاعات القائمة على المشاركة في مراحل الإنتاج النهائية. وقد حدثت زيادة كبيرة بالفعل في صادرات مشتقات النيكل من إندونيسيا بعد أن حُظر تصدير خاماته، في إشارة إلى أن السياسات الجديدة آتت أُكُلها وعزَّزت من الصناعة المحلية في البلاد (رغم ما لاقته من معارضة أنصار السوق المفتوح)*.

لكن هذه السياسة تؤدي إلى انخفاض في الأسعار المحلية لخامات النيكل داخل إندونيسيا، وهو أمر يثبط بدوره من عمليات التنقيب عن ذلك المعدن في البلاد، رغم أنه يزيد من قدرة المستخدمين النهائيين لمشتقات النيكل على جني الأرباح، والكثير منهم أجانب، وعلى رأسهم المستثمرون الصينيون. وفي الحالات القليلة التي تُعَدُّ إندونيسيا فيها مُورِّدا عالميا كبيرا يتمتع بقوة في السوق العالمية، فإن سحب المعروض الإندونيسي من سوق النيكل ربما يُفضي إلى ارتفاع الأسعار العالمية، ومن ثم يفيد المُصدِّرين الآخرين للمعدن نفسه (وهي الحُجة التي يقدمها باستمرار أنصار السوق المفتوح في مواجهة المُدافعين عن السياسات الحمائية الإندونيسية، أن استفادة منافسي إندونيسيا الذين يُصدِّرون النيكل أكثر من استفادة إندونيسيا نفسها من حظر تصديره، وهي حُجة يختلف معها أنصار السياسة الحمائية، مُشيرين إلى أن استفادة جاكرتا من توليد القدرة على الصناعية المحلية أهم على المدى البعيد من جني الأرباح على المدى القصير)*.

أخيرا، حتى لو تقلصت الجهود المبذولة في أستراليا وإندونيسيا، فإن من المهم ألا يقتصر التعاون في هذا القطاع عموما على المساعي الثنائية فحسب، لأن بطاريات المركبات الكهربائية تحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد النيكل (الوفير في إندونيسيا)* والليثيوم (الموجود بوفرة في أستراليا، وصار موجودا بوفرة أيضا في إيران)*.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى