Categories: اراء

الإصلاح السياسي من أين نبدأ؟

هل يشكل تعديل قانون الانتخاب المدخل الرئيس للإصلاح السياسي في الأردن، أم أن هناك حاجة لمقاربة أكثر شمولا؟
في الأيام والأسابيع التي تلت قضية الفتنة، انطلقت الدعوات للإصلاح من كل الاتجاهات، تيارات وشخصيات من الموالاة والمعارضة رددت نفس الكلام، لكن بعمومية شديدة باستثناءات محدودة لمداخلات تناولت بالتفصيل مضامين الاصلاحات المطلوبة من وجهة نظر أصحابها.
كان هذا هو الحال قبل الأزمة الأخيرة، لكن تداعيات ما حدث شكل حافزا قويا لتسليط الضوء على الثغرات في النظام السياسي وعلاقة المؤسسات الدستورية بالمجتمع.
لا نعلم بعد طبيعة وعمق الدروس التي استخلصتها مؤسسات الحكم من الأزمة الأخيرة وما الذي تنوي القيام به من تغييرات في السياسة والإدارة، لكن بين أيدينا قرار حكومي بتشكيل لجنة وزارية لمراجعة قوانين الاصلاح السياسي وعلى رأسها قانون الانتخاب، بسقف زمني محدد وقريب.
آلية عمل اللجنة لم يتم الكشف عنها بعد، لكن المؤكد أنها تتضمن حوارات نوعية مع الأطراف المعنية لاستجلاء تصوراتها حيال التعديلات المنشودة على قانوني الانتخاب والأحزاب.
في المقابل، فإن دعوات الاصلاح في الأوساط العامة زاخرة بعناوين كثيرة، وسقوف متعددة، تطال مواد أساسية في الدستور ومراجعة جذرية لتشريعات أخرى، ومقاربات راديكالية أحيانا لأسلوب ممارسة الحكم في البلاد، وما بينهما أفكار معتدلة وأكثر تريثا من سابقاتها. وثمة تيارات أخرى في المجتمع لم تقل كلمتها بعد ومثلها مؤسسات وازنة تحوز على ثقل ونفوذ اجتماعي وسياسي بحكم دورها التاريخي.
وبينما يطالب إصلاحيون وتقدميون بنهج جديد يعزز مشاركة الجميع ويرفض الإقصاء المتعمد لتيارات ومكونات وطنية، نلحظ في بعض الدعوات الاصلاحية ما يمكن وصفه بالإملاء المسبق لصيغ جاهزة ليس على الدولة ومؤسساتها سوى تبنيها دون نقاش.
هذا الأسلوب في إدارة النقاش الوطني ليس مجديا، وقد جرب من قبل وأعطى نتائج كارثية. وفي المقابل، أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه الحكومة هو إدارة حوار واسع مع مختلف التيارات، ثم الخروج بصيغة معدة مسبقا، وبذلك يصبح الحوار سببا في الانقسام عوضا عن أن يكون مفتاحا للتوافق والاجماع.
لقد حدث هذا من قبل؛ نتحاور طويلا فتخرج الحكومات بصيغة قانونية لا تعجب أحدا، عندها تتهم السلطة التنفيذية بالتنكر لمخرجات الحوار وفرض رؤيتها مستخدمة الحوار كذريعة لتمرير أجندتها.
ينبغي أن نخرج من هذه الدوامة، ونقارب المسألة هذه المرة بطريقة مختلفة، وهنا أقترح أن تدير الحكومة حوارا حول المبادئ الأساسية لخطة الاصلاح التشريعي لقانوني الانتخاب والأحزاب، وليس على الصيغ المقترحة للنظام الانتخابي. كما أن هناك حاجة لمناقشة المقترحات المتعلقة بتعديلات الدستور، وهى مسألة كما فهمنا مطروحة على طاولة أصحاب القرار.
لا توجد وصفة جاهزة للإصلاح يمكن اعتمادها أو نسخها، كما يتعين علينا أن ندرك بأن تحقيق الحالة المثالية غير ممكن دفعة واحدة، لا بد من التدرج وفهم الخصوصيات الاجتماعية ومخاوف القوى المختلفة، وقدرة المؤسسات على تطوير ثقافة وتقاليد جديدة بعد عقود طويلة من اتباع نهج واحد.

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

الإعلان عن تفاصيل قمة الأردن الثانية للأمن السيبراني

أعلن المركز الوطني للأمن السيبراني خلال مؤتمر صحفي اليوم الأربعاء، تفاصيل قمة الأردن الثانية للأمن…

5 دقائق ago

#عاجل.. ميقاتي: الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان إره.اب دولة

قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي إن الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان وما يشهده من…

10 دقائق ago

“البلقاء التطبيقية” توقع اتفاقية إحالة عطاء إنشاء مبنيين لكليتي الذكاء الاصطناعي وللاتصالات بكلفة نحو 8 ملايين دينار -صور

تحت رعاية رئيس مجلس أمناء جامعة البلقاء التطبيقية معالي الدكتور أمية طوقان وقعت في جامعة…

12 دقيقة ago

وكالة كابيتال إنتليجنس ترفع التصنيف الائتماني لـ 12 بنكا أردنيا

رفعت وكالة كابيتال إنتليجنس التصنيف الائتماني للأصول الأجنبية طويلة الأجل لـ 12 بنكاً أردنياً مع…

21 دقيقة ago

وفيات الأربعاء 03-07-2024

وفيات يوم الأربعاء الموافق 03-07-2024م: عيده احمد سالم الذيابات حليمة خالد شحادة طعمة حليمة عبدربه…

38 دقيقة ago

مستوطنون متطرفون يقتحمون باحات الأقصى

اقتحم مستوطنون متطرفون يهود اليوم الأربعاء، باحات المسجد الأقصى المبارك - الحرم القدسي الشريف. وقالت…

52 دقيقة ago