الاحتفال بعيد الجلوس الملكي لا يعني انسلاخ الأردن عن قضايا أمته

يحتفل الأردن والأردنيين بعيد جلوس جلالة الملك عبد الله الثاني على العرش الخامس والعشرين، وحق لهم ذلك، ولا يعيبهم او يقلل من نخوتهم ونجدتهم لإخوانهم العرب في أي مكان، وبالذات في فلسطين، وليس يعني ذلك انسلاخهم عن قضايا امتهم العربية بعامة او لحمتهم (الاردوفلسطينية) وقضية فلسطين بخاصة، ولا نقبل بأي حال أن يجلس الفلسطينيون انفسهم في غزة وبقية فلسطين يلطمون خدودهم ووجوههم وان يوقفوا ساعة الزمن لمقتل واستشهاد أبنائهم وتدمير بيوتهم، بل، وكما عهدناهم دائما من أكثر من خمس وسبعين عاما، يدفنون شهداءهم وينتقلون لممارسة حياتهم الاعتيادية بثبات وصمود وجلد الابطال، وهو عينه ما يفت في عضد المحتل ويزلزل كيانه ومعنوياته ويدمر تماسك وثبات جنوده، ويجعلهم يحسون بقوة هذا الشعب، الفلسطيني أعني، وجلاده على نوائب الدهر وكيد وعدوان الاحتلال.

مثلما أنأى بالإخوة الفلسطينيين عن التداعي والركون للحزن والالم والاستسلام للموت والدمار وللظلم الإسرائيلي، وأدعوهم للوقوف كأشجار التين والزيتون في فلسطين، وأن يبقوا كما عهدناهم، يردون كيد المعتدي الى نحره والخناجر الى خصره، والرصاص الى صدره، وهم كذلك، عصاة على الظلم أباة على الضيم، أحرارا على الهوان، لا يلين جانبهم لقهر عدو، ولا يستكين غضبهم وثأرهم لغاصب، ولا تهدأ نفوسهم على باطل، ولا يرتضون الذل والاستسلام الهوان، كدأبهم وديدنهم وعهدِنا بهم دائماُ، كذلك أنأى بالأردن والاردنيين أن يستسلموا ويضعفوا وأن يوقفوا عقارب الزمن أمام وجعهم وحزنهم، أو حزن اشقائهم الفلسطينيين، بل يستمر النضال والكفاح بالعمل والنشاط والاعمار والبناء، الروحي والنفسي والمادي، وتستمر حياتنا طبيعية، ويبقى ما في النفس والروح من قهر وغيض وكراهية للعدوان الإسرائيلي، والتربص للإيقاع به، ونظل ندعم الاشقاء بالغالي والنفيس، رغم احتفالنا بيوم وطني أو عرس ابن او نجاح طالب في الجامعة. فما كان الانشغال بنجاح أو زواج او عيد يلغي الغضب ولا يمسح الحزن والنقمة والقهر التي تضمرها وتعيشها نفوس الأردنيين، ملكا وحكومة وشعبا. فلم نزل كما عهدنا الشعب الفلسطيني على العهد والوعد، وما زال جلالة الملك يناضل ويكافح في المحافل والمجالس الدولية انتصارا للقضية الفلسطينية وأهلها لنيل حريتهم وبناء دولتهم المستقلة.

ان الاحتفال بعيد الجلوس الملكي بحضارية وعرض إنجازات الدولة والحكومات في عهد جلالة الملك، كدليل على استمرار المسيرة والعطاء، واكمال ما بنى وانجز ملوك الهاشميين خلال الخمس والعشرين السنة الماضية، لا يدعو للعجب والاستهجان، ولا يقلل من شأن الأردن والأردنيين، او يعتبر سُبة ومنقصة، ولا نسمح لغامز او لامز أو مشكك ان يقلل من شأننا او انتمائنا لامتنا وقضياها العامة وفلسطين بخاصة، او يسخر من موقفنا وولائنا لقائدنا ووطننا واهتمامنا بأعياد الأردن وأيامه الوطنية، فهذا أقل الانتماء وصوره الطبيعية والعادية، فالأردن وطن ودولة ذات كيان مستقل ويتمتع بإرادة حرة، ويجب ان يبقى الاردن قويا وثابتا ومتماسكا، رضي من رضي وغضب من غضب، لكي يستطيع ان يدافع عن قضاياه وقضايا أمته العربية .

ثم لا يضير الأردنيين ان يجمعوا بين قضاياهم ومشكلاتهم الخاصة الوطنية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الأردني، وان يحتفلوا بعيد وطني او قومي،ولا يلفتهم ذلك الواقع الاقتصادي المتواضع عن العمل والجد والاحتفال، فيجب ان تستمر المسيرة والعطاء، بالسراء والضراء، ولا بد من العيش المستمر مع كل الظروف القاهرة والهموم الحاضرة، فإن قوة وبقاء الشعوب وحقها في العيش بأمان واستقرار، هو واجب للاستمرار والنماء والتطور، وهذا ينطبق على فلسطين، فرغم كل ما يفرض عليها المحتل من همجية ووحشية من قتل وتدمير مستمر، قاصدا استسلامها ونزوحها وتشريد أهلها، الا ان استمرار حياتها طبيعية هو المطلوب والواجب، رغم كل الالام والمعاناة فهو عين الصمود والتشبث بكل الأرض وكل الحياة بجميع الوانها، وليس الرضوخ والموت حزنا وقهرا او الفناء أو اللجوء لأي مكان أخر، فلا يوقف مسيرتها القهر والاضطهاد والقتل، بل يمدها ذلك بعزم وقوة وحياة، ويجب ان تستمر الحياة بمرها وحلوها، بجوعها وعطشها وبفرحها وحزنها، وذلك هو لعمري الجهاد والفلاح.

ابارك لصاحب العيد الخامس والعشرين بالجلوس على العرش جلالة الملك عبد الله الثاني وادعو الله ان يديمه على العرش أياما مديدة وازمنة عديدة، وللأردن والأردنيين الفرح والأمن والأمان والعزة والنماء، إن الله سميع قدير مجيب.