Categories: اراء

الانضباط المالي

سلامة الدرعاوي

في سياق الإصلاح الاقتصادي وتحسين الإدارة المالية العامة في الأردن، تبرز أهمية معالجة قضايا الموازنة والخزينة والانضباط المالي في المؤسسات الحكومية، إذ إن غياب الانضباط المالي يعتبر من العقبات الرئيسية أمام تحقيق استدامة مالية وتعزيز الشفافية والمساءلة.

ويجب الإقرار بأن الإنفاق الحكومي يجب أن يتم وفقاً للمخصصات الموضوعة في الموازنة العامة، فالانحرافات عن هذه المخصصات تؤدي إلى تراكم الديون والمستحقات غير المدفوعة، مما يضع ضغوطاً متزايدة على المالية العامة، ويحد من قدرة الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين والاستثمار في مشاريع تنموية.

 

من جهة أخرى، يعد التخصيص غير الكافي للموارد للمؤسسات الحكومية مشكلة لا تقل أهمية، حيث يمكن أن يعيق تحقيق الأهداف الموضوعة، ويؤثر سلباً على الأداء العام للمؤسسة. تشكل الإدارة الفعالة للموارد والمحافظة على الانضباط المالي ركيزتين أساسيتين في هذا المسعى، فالحكومة تواجه التحدي المستمر لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى تحفيز النمو الاقتصادي والضرورة الملحة للسيطرة على العجز في الميزانية والدين العام.

وتسليط الضوء على الانضباط المالي لا يعني فقط التقيد بالميزانيات المحددة، بل يشمل أيضًا تبني استراتيجيات مبتكرة لزيادة الإيرادات الحكومية وتحسين الكفاءة في الإنفاق، إذ إن السعي نحو موازنة موجهة بالنتائج يتطلب قدرًا كبيرًا من الشفافية، وتحليلًا دقيقًا للأثر الاقتصادي للمشاريع والبرامج الحكومية، وذلك لضمان أن تحقق الاستثمارات العامة أعلى عائد ممكن، لاسيما ان تعزيز التعاون بين مختلف الوزارات والهيئات الحكومية يمكن أن يسهم في تجسير الفجوات وتحقيق تكامل أكبر في الجهود الرامية لتحسين الأداء الاقتصادي والمالي.

لتجاوز هذه العقبات، تسعى وزارة المالية إلى فرض الالتزام بالإنفاق ضمن المخصصات المحددة وتحقيق موازنة موجهة بالنتائج، إذ ان هذا النوع من الموازنات يعتمد على مبادئ تخصيص الموارد بناءً على الأداء وتحقيق الأهداف، مما يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وضمان توجيه الموارد نحو الأولويات الوطنية. ومع ذلك، فإن التحدي الذي يواجه الأردن ليس فقط في وضع هذه الموازنة، بل في تنفيذها وضمان التزام جميع الوحدات الحكومية بها، مما يتطلب ذلك تطوير آليات جديدة للمراقبة والتقييم، وكذلك تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام.

إن التحدي الأكبر يكمن في ترسيخ ثقافة الانضباط المالي والمحاسبة على الأداء، وذلك بالتزامن مع تعزيز الآليات الرقابية وتفعيل دور الأجهزة المعنية بالتدقيق والمراجعة، كما يتطلب الأمر تفعيل التعاون بين مختلف الوزارات والهيئات لضمان توجيه الإنفاق الحكومي نحو البرامج والمشروعات ذات الأولوية والأثر الاستراتيجي على التنمية الوطنية والاقتصادية.

بناءً على ذلك، فإن الأمر يتطلب تحولاً جذرياً في إدارة المالية العامة، يستلزم إرادة قوية وتعاوناً فعالاً بين جميع الأطراف الفاعلة، لضمان تحقيق الاستدامة المالية ودفع عجلة النمو الاقتصادي قدماً.

إن الانتقال إلى موازنة موجهة بالنتائج يعتبر خطوة ضرورية نحو تحقيق استدامة مالية وتعزيز الاقتصاد الوطني، لكن لا بد من الاعتراف بأن هذه العملية تتطلب وقتاً وجهوداً متواصلة، فضلاً عن الدعم الفني والمالي من شركاء التنمية.

والأهم من ذلك، يجب أن يكون هناك التزام إداري قوي لضمان تحقيق هذه التحولات المالية والاقتصادية المنشودة.

editor

Recent Posts

اختتام فعاليات مسابقة آرميثون 2024 السنوية

اختتمت فعاليات المسابقة الدولية السنوية آرميثون 2024 بنسختها الثانية والمتخصصة للجيوش والأجهزة الأمنية في مجالات…

4 ساعات ago

بلدية المزار توقف رخص المهن للكسارات لحين التاكد من مطابقتها للشروط

قال المدير التنفيذي في بلدية المزار الشمالي، المهندس إياد الجراح، إن البلدية أوقفت إصدار رخص…

5 ساعات ago

تركيا تصعق النمسا بهدفين وتتأهل لملاقاة هولندا بربع نهائي يورو 2024

سجل ميريه ديميرال هدفين جاء أولهما بعد ثوان من صافرة البداية ليقود تركيا إلى الفوز…

5 ساعات ago

أمناء أحزاب القدوة والتكامل الوطني والاتحاد الوطني يناقشون ملف الاستثمار في الأردن

ناقش الأمناء العامون لأحزاب القدوة والتكامل الوطني والاتحاد الوطني ملف "الاستثمار.. سبل التنمية وآليات التطوير"…

5 ساعات ago

طعن والدته حتى الموت وتوارى عن الأنظار .. جريمة تهز محافظة الكرك

أقدم شخص عشريني اليوم على طعن والدته بواسطة أداة اثناء وجودهما داخل المنزل في محافظة…

5 ساعات ago

منصّة زين تطلق برنامج مجتمع الرياديين الصغار “YESJO” في عمان واربد والكرك والعقبة

أطلقت شركة زين الأردن ومن خلال منصّتها للإبداع (ZINC)، برنامج مجتمع الرياديين الصغار الأردني (YESJO)…

5 ساعات ago