احداث اقتصاديةاقتصادالاخبار الرئيسية

التضخم يتراجع.. لماذا لا نشعر بانخفاض الأسعار؟

بعد أشهر من ارتفاع الأسعار في العديد من الأسواق العربية، بدأت بالانخفاض عن المستويات القياسية التي وصلت لها، فيما تظهر بيانات رسمية تراجع التضخم في بعض الدول، وفي مقدمتها مصر.

وعلى سبيل المثال، بعدما سجل التضخم السنوي مستوى قياسيا في مصر لأكثر من 35 في المئة في فبراير الماضي، عاد لينخفض إلى مستوى 31.8 في المئة في أبريل، مما يشكل تراجعا عما سجله أيضا في مارس عندما كان 33.7 في المئة.

وأواخر العام الماضي، وضع تقرير البنك الدولي عن انعدام الأمن الغذائي مصر، في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر “تضررا من تضخم الغذاء”، والذي عزاه محللون تحدثوا في تقرير سابق لموقع “الحرة”، إلى أسباب “مستوردة ومحلية”.

الحكومة المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية، أقرت جملة من القرارات الاقتصادية استطاعت السيطرة فيها على أسعار صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، والحد من تداوله في السوق السوداء، ناهيك عن حزمة قرارات تضمنت زيادات على الرواتب والتقاعدات ومساعدات اجتماعية.

ورغم تثبيط الأسعار للسلع الأساسية، فإن المواطن المصري شأنه شأن العديد من مواطني الدول التي زادت فيها معدلات التضخم، لا يشعر بانعكاس هذا التراجع على نفقاته الشهرية المتزايدة، فيما ترسم الأرقام الإحصائية الرسمية صورة إيجابية.

الخبير الاقتصادي المصري، علاء عبد الحليم، يقول إن الأرقام التي تصدرها الجهات الرسمية، “قد لا يشعر المواطن بها، لكنها تشكل تصحيحا لانحراف في مستويات الأسعار” التي كانت خلال الأشهر الماضية.

ويشرح في حديث لموقع “الحرة”، أن “مستويات سعر الجنيه المصري أمام الدولار، وصلت لـ70 جنيه في السوق السوداء في أشهر سابقة، بينما كانت محددة رسميا بـ31 جنيه، لكن بعد قرار التعويم في مارس، استقر حاليا سعر الصرف عند مستويات 48 جنيه أمام الدولار”.

ويوضح عبد الحليم أن هذه الفروقات سببت “تشوهات في أسعار السلع” التي وصلت لمستويات قياسية، لكن “الآن بدأت في العودة مستويات، قد لا تكون كما السابق، لكنها تعكس سلسلة التوريد خاصة للسلع المستوردة”.

ويؤكد أن مستويات الأسعار “بدأت في الاستقرار عما كانت عليه مطلع العام الحالي، إلا أنه لا يمكن معرفة إلى متى ستبقى الأمور مستقرة، خاصة في ظل استمرار توتر المنطقة، وما يحدث في البحر الأحمر، وأثره على حركة وأسعار النقل والشحن”.

وحذر البنك الدولي، أواخر أبريل، من أن “اشتداد الصراع في الشرق الأوسط قد يذكي التضخم العالمي”.

وأشار في أحدث إصدار من “نشرة آفاق أسواق السلع الأولية”، إلى أن “أسعار السلع تتجه إلى الاستقرار بعد أن شهدت تراجعا حادا ساهم في خفض التضخم العام خلال السنة الماضية بشكل كبير، مما قد يجعل من الصعب على البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة بصورة سريعة”.

وتشير بيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، إلى أن التضخم، على أساس شهري، شهد زيادة في الأسعار 1.1 بالمئة في أبريل، مقارنة مع واحد بالمئة في مارس.

وتراجعت أسعار المواد الغذائية في أبريل 0.9 في المئة على أساس شهري، غير أنها ارتفعت 40.5 في المئة على أساس سنوي.

وكان استطلاع لرويترز شمل 17 محللا، توقع في المتوسط أن ينخفض التضخم السنوي إلى 32.8 في المئة في استمرار لمساره الهبوطي، الذي بدأ في سبتمبر عندما وصل التضخم إلى ذروة غير مسبوقة بلغت 38 في المئة.

المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، وائل النحاس، يرى أن “الأرقام الإحصائية الرسمية لا تعكس حقيقة أسعار السلع والخدمات في السوق المصرية”.

ويؤكد في حديث لموقع “الحرة”، أن هناك “حاجة لإعادة النظر في المعادلة الحسابية وسلة المستهلك التي تستخدم في القياس لدى الجهات الرسمية، معتبرا أنه “من ناحية إحصائية قد تكون الأسعار تراجعت لبعض السلع عن مستوياتها القياسية”، لكن “مجمل سلة المستهلك الحقيقية ارتفعت بمعدلات أكبر بكثير مما تعكسه الأرقام”.

ويشير إلى أنه يجب “احتساب التكاليف والأعباء بشكل حقيقي التي يتكبدها المواطن، فرغم الزيادات في رواتب الكثير منهم، فإنها تآكلت بسبب زيادة الأعباء في الإنفاق على الإيجارات والنقل والصحة، والكهرباء”.

ويؤكد أن الجهات الرسمية استطاعت السيطرة على “سعر الصرف بشكل أكبر في السوق المصرية، والحد من التداولات في السوق السوداء”، وهذا قد انعكس بشكل طفيف على أسعار السلع، ولكن حاليا بدأت الأسواق في مرحلة “ركود، حتى للسلع الموسمية، إذ لم تعد العائلات قادرة على شراء ما يلزمها”.

ويعزو النحاس ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف بعضها من المصدر المنتج لها، ناهيك عن “زيادات طرأت في أسعار الشحن”.

ويقول إن الاعتماد على الأرقام الإحصائية وحدها “قد لا يكون كافيا لقياس حقيقة ما يجري في السوق المصرية، إذ أن بعضها قد يصدر إرضاء لمؤشرات أو مؤسسات دولية تريد إثبات جدوى سياساتها، حتى وإن كان غير حقيقية”.

ويقول البنك المركزي المصري، إن التضخم “يقاس على أنه معدل الارتفاع العام في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي يجمع أسعار السلع والخدمات ويعالجها من خلال تخصيص أوزان لكل سلعة ومجموعة”.

وشدد البنك المركزي سياسته النقدية، إذ رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس في السادس من مارس، وهو اليوم ذاته الذي وقع فيه على حزمة دعم مالي بـ8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، وسمح لقيمة الجنيه بالانخفاض.

وتتعهد مصر للصندوق في اتفاق مارس، بالمزيد من التشديد في السياسة النقدية إذا لزم الأمر للحيلولة دون تعرض القوة الشرائية للأسر للمزيد من التآكل.

كما رفعت الحكومة في مارس أسعار أنواع مختلفة من المحروقات، في إطار التزاماتها مع الصندوق.

واتسم العام المنصرم بارتفاع مطرد للتضخم، مدفوعا إلى حد كبير بالنمو السريع في المعروض النقدي.

ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضا في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا.

وفي أواخر فبراير، أعلنت مصر عن صفقة مع القابضة “إيه.دي.كيو”، أحد صناديق الثروة السيادية الإماراتية، من شأنها أن تجلب للبلاد 35 مليار دولار على مدى شهرين، بما في ذلك 11 مليار دولار محولة من الودائع الموجودة بالفعل، بما يعرف صفقة “رأس الحكمة”.

ومطلع مارس، تسلمت مصر الدفعة الأولى المتفق عليها من قبل البلدين والمقدرة قيمتها بـ15 مليار دولار، هي 10 مليارات تم تحويلها مباشرة إضافة إلى 5 مليارات تشكل جزءا من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي.

“تقارير التضخم بالنهاية لا تعكس الواقع الحقيقي”، حسب ما يؤكد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية، عبد الرحمن المشهداني لموقع “الحرة”.

ويقول إن “التضخم يشكل هاجسا للحكومات حول العالم، حتى وإن كانت تعلن عن تراجع في الأرقام الإحصائية”.

ويشرح المشهداني أن “عملية احتساب التضخم تشمل مراقبة السلع والخدمات الأساسية، لمتوسط 800 إلى 1000 سلعة وخدمة تختلف حسب كل دولة”، مشيرا إلى أنها لا تعكس “العبء الحقيقي على المستهلك، إذ يتم عادة احتساب المتوسط لهذه السلع والخدمات، لكن كمواطن قد لا يهتم سوى بنحو 50 سلعة وخدمة منها، والبقية التي تشكل وزنا في سلة المستهلك وتعكس الانخفاض لا تعني تراجع السلع والخدمات الأكثر تأثيرا للمواطن”.

ويضيف أن سلة المستهلك تشمل مجموعات أساسية في الغالب “بينها الأغذية والتي تستحوذ من 25 إلى 35 في المئة، ومجموعة النقل تشكل ما متوسطه 20 في المئة، ومجموعة السكن والإيجارات والتي تشكل 17 إلى 18 في المئة، والملابس حوالي أقل من 7 في المئة، والتعليم والصحة والاتصالات”.

ويرى أنه حتى المقارنات التي تجرى لمعدلات التضخم “تقوم الجهات الرسمية في دول باستغلالها كما تريدها، فيمكنها الكشف عن الأرقام ومقارنة الشهر مع الشهر الذي قبله، أو المقارنة مع الشهر ذاته من العام الماضي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى