اراء

التكريم الملكي للمحافظ

سلامة الدرعاوي

قد يتساءل البعض عن سبب التكريم الملكي لمحافظ البنك المركزي، الدكتور عادل أحمد الشركس، بلقب معالي. هذا السؤال، رغم بساطته، يحمل في طياته عمقًا اقتصاديًا وإداريًا يستدعي النظر في الأداء والإنجازات التي حققها البنك المركزي تحت رئاسة الدكتور شركس، خاصة أن هذا التكريم هو ليس وسام شرف فقط، ولكنه أيضا مسؤولية كبيرة لمواصلة مزيد من الجهود لتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي في المملكة. لقد نجح البنك المركزي في بسط دعائم الاستقرار النقدي في المملكة وتحويلها إلى واقع ملموس على مدى أكثر من عقدين، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد الوطني خلال هذه الفترة، فقد واصل الدكتور شركس المسيرة التي خطها من سبقه بعلم كاف ودراية واضحة، فمن تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008، مرورًا بالربيع العربي في عام 2011، وصولاً إلى جائحة كورونا في عام 2020، وأخيرًا الموجة التضخمية العالمية، كانت هذه الفترات بمثابة اختبارات حقيقية لقدرة الاقتصاد الأردني على التكيف والصمود. ولقد أثبت الاقتصاد الوطني منعة ومرونة في مواجهة حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، حيث تمكن من تسجيل معدل نمو اقتصادي نسبته 2.6 % خلال عام 2023، مرتفعاً بواقع 0.2 نقطة مئوية عن مستواه المسجل في عام 2022، حيث أسهمت السياسة النقدية التي اتبعها البنك المركزي، وانسجامها مع الإجراءات الحكومية المتخذة لاحتواء الضغوط التضخمية، في تسجيل معدل تضخم عند مستويات ملائمة للنشاط الاقتصادي بلغ 1.6 % خلال الثلث الأول من العام الحالي، منخفضاً من 4.2 % في عام 2022.

ولم يكن هذا التحسن في الأداء الاقتصادي وليد الصدفة، بل نتيجة لسياسات اقتصادية مالية ونقدية حصيفة واستباقية، وإدارة ناجحة وفعالة، والالتزام بالإصلاحات المالية والهيكلية، إذ إن هذا النهج المتكامل هو ما دفع وكالة موديز لرفع التصنيف الائتماني للمملكة إلى (Ba3)، لأول مرة منذ 21 عاماً، وهو مؤشر قوي على الثقة المتزايدة في الاقتصاد الأردني.

وكانت سياسة البنك المركزي النقدية خلال العامين الماضيين بمثابة ركيزة أساسية في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني، إذ إن مصداقية البنك المركزي في الحفاظ على الانسجام بين أسعار الفائدة المحلية وأسعار الفائدة الإقليمية والدولية ساهمت في استقرار الاقتصاد وقوة الدينار الأردني، ونتيجة لهذه السياسات، شهدنا تراجعًا مستمرًا في معدل الدولرة ليصل إلى 17.9 بالمائة في نهاية عام 2023، مقارنة بمعدلات فاقت 20 بالمائة قبل تداعيات جائحة كورونا. علاوة على ذلك، وصلت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي إلى مستويات قياسية بلغت 18.2 مليار دولار، تكفي لتغطية 8 أشهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات، فهذه الاحتياطيات تعكس قوة الاقتصاد الأردني وثقة المستثمرين والمواطنين بالدينار كعملة جاذبة للادخار.

كذلك، أسهمت هذه الثقة بارتفاع الودائع لدى البنوك بمقدار 1.6 مليار دينار لتصل إلى نحو 43.7 مليار دينار في نهاية العام الماضي. إن الحفاظ على الاستقرار النقدي هو الهدف الرئيسي للبنك المركزي وأولوية أساسية له، حيث يشكل الاستقرار النقدي ركنًا أساسيًا من أركان الاستقرار الاقتصادي الكلي، فالسياسات الاقتصادية، بما فيها السياسات النقدية، تهدف إلى وضع الاقتصاد على مساره الصحيح وضمان عدم انحرافه، وتعمل هذه السياسات ضمن إطار من المرونة التي تتيح تبني سياسات تشددية أو توسعية وفقًا لمتطلبات كل مرحلة من الدورات الاقتصادية. إن القرارات النقدية للبنك المركزي لا تحكمها مسارات محددة مسبقًا، بل تتخذ بناءً على البيانات المتاحة وتأثيراتها على التوقعات الاقتصادية، فهذه الديناميكية والقدرة على التكيف هي ما جعل البنك المركزي الأردني قادرًا على مواجهة التحديات الاقتصادية المتلاحقة وتحقيق استقرار نقدي ملموس ومستدام. ويمكن القول في النهاية، إن التكريم الملكي لمحافظ البنك المركزي، الدكتور عادل أحمد الشركس، هو تقدير للجهود الحثيثة والإنجازات التي تحققت في ظل ترؤسه للبنك، فلقد أثبتت السياسات النقدية المتبعة قدرتها على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الأردني وتعزيز الثقة به، مما يجعل هذا التكريم خطوة تعكس التقدير للجهود المبذولة في خدمة الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى