التوترات الجيوسياسية.. هل تلجم قرار الفيدرالي المرتقب؟

فيما تفرط الأسواق العالمية بالتفاؤل جراء توجه الفيدرالي الأميركي نحو إنهاء سياسة التشديد النقدي والبدء بسياسة خفض الفائدة خلال الربع الأول من 2024، يرى خبراء اقتصاد أن التوترات الجيوسياسية قد تتسبب في عودة ارتفاع التضخم ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن على الصعيد العالمي، فضلاً عن أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تؤكد عودة التضخم للتسارع بأكثر من التوقعات، الأمر الذي قد يلجم قرار الفيدرالي المرتقب؟

ولعل أخطاء الماضي، خاصة ما حدث في السبعينات من القرن الماضي، لا يرغب الفيدرالي في تكرارها على الإطلاق، حينما قرر رئيس الفيدرالي السابق آرثر بيرنز، خفض أسعار الفائدة في أوائل 1970 من 9 بالمئة إلى 4.5 بالمئة بحلول نهاية العام، وقد تبين أن ذلك التصرف كان أحد أخطاء السياسة الاقتصادية الكبرى التي أفضت إلى عودة التضخم مما تطلب إجراءات أكثر صرامة لاحقًا من خليفته بول فولكر لكبح جماح التضخم.

ويخشى بعض خبراء الاقتصاد أن يكرر الاحتياطي الفيدرالي الخطأ الذي ارتكبه “بيرنز” بخفض أسعار الفائدة في غير أوانه قبل استعادة الثقة الكاملة في التزامه بمستهدفات التضخم.

بحسب وكالة بلومبرغ هناك طريقتان يمكن أن يتكرر بهما هذا السيناريو القديم في 2024، ولو بشكل مصغر:

الأول ينطوي على صدمة العرض (أزمة سلاسل الإمداد) ــ وهو احتمال وارد بقوة خاصة إذا ما أدى الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط إلى ضرب أسعار النفط وممرات الشحن.

أما السبب الآخر فسوف ينبع من ظروف نقدية تيسيرية ــ مع انخفاض العوائد على سندات الخزانة لأجل خمس سنوات بما يزيد عن نقطة مئوية عن أعلى مستوى بلغه في أكتوبر، والذي من الممكن أن يرفع التضخم بنصف النقطة المئوية، مقربًا إياه من 3 بالمئة، الأمر الذي قد يجبر الفيدرالي على تأجيل تخفيض الفائدة.

شبح التضخم يطل برأسه من جديد

بعد أن اقترب التضخم في الولايات المتحدة من هدف البنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، عندما تباطأ خلال شهر نوفمبر الماضي إلى 3.1 بالمئة على أساس سنوي، تسارع بأكثر من التوقعات خلال ديسمبر الماضي، إذ عاد للارتفاع إلى 3.4 بالمئة فيما كانت التوقعات أن يسجل 3.2 بالمئة، بحسب بيانات أميركية رسمية أوضحت أن معدل التضخم ارتفع على أساس شهري في ديسمبر بنسبة 0.3 بالمئة، بعد أن ارتفع 0.1 بالمئة في نوفمبر.

وأبقى الاحتياطي الفيدرالي في 13 ديسمبر الماضي الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي، وللمرة الرابعة منذ بدء دورة التشديد النقدي في مارس 2022، لتظل عند مستوى يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، وهي الأعلى منذ 22 عاماً، حيث توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في سبتمبر الماضي وذلك بعد زيادتها 11 مرة لخفض التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى منذ 40 عاماً في يونيو 2022 عند مستوى 9.1 بالمئة.

ويشهد العالم توترات جيوسياسية تعد الأكثر تعقيداً منذ عقود، في ظل الحروب في قطاع غزة وأوكرانيا إلى التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، والهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر والتي أدت إلى ارتفاع تكاليف شحن البضائع إلى جانب طول مدة الشحن، والضربات الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد أهداف لجماعة الحوثي في اليمن.

الأسواق تفرط في التفاؤل

رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti” رائد الخضر يقول في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “منذ نهاية الربع الأخير من عام 2023، تسيطر حالة من التفاؤل على الأسواق العالمية حيال وصول الفيدرالي الأميركي إلى ذروة التشديد النقدي والتوجه نحو سياسة خفض الفائدة هذا العام، ولكن الأسواق تفرط في التفاؤل بشأن هذا التوجه قبل نهاية الربع الأول من العام خاصة أن البيانات الاقتصادية الأخيرة وبخلاف بيانات التوظيف الإيجابية، تؤكد عودة معدل التضخم لتتسارع من جديد وترتفع إلى 3.4 بالمئة على أساس سنوي، فيما يستهدف البنك مستويات تضخم عند 2 بالمئة فقط”.

ويرى الخضر أن ارتفاعات التضخم الحالية قد تكون مؤقتة، إلا أنه يجب وضع التوترات الجيوسياسية بعين الاعتبار، إذ قد تتسبب في عودة ارتفاع التضخم ليس فقط في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن على الصعيد العالمي، بل أن الأسواق العالمية بدأت تترقب الآن موجه جديدة من ارتفاعات التضخم.

تفاقم المخاطر الجيوسياسية

فالصراع الأخير في الشرق الأوسط والذي جاء مباشرة بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا أدى إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية، ففي أحد تقاريره يحذر البنك الدولي حذر من أن تصعيد التوترات في الشرق الأوسط قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط والتضخم عالمياً، ويأتي هذا قبل الضربات الجوية الأميركية البريطانية ضد الحوثيين في اليمن الأسبوع الماضي، وبالتالي فتصاعد تلك الأحداث سريعاً قد يكون له تداعيات سلبية على التضخم العالمي، طبقاً لما قاله الخضر.

وعدم القين والضبابية والتي شهدها العامل في العام 2023.

ولكن في المقابل يشير كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا إلى أن وضع التضخم حالياً مطمئن، بل ويتوقع انخفاض معدلاته نتيجة بدء انخفاض الطلب الكلي في اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويستطرد الدكتور الشعار: “أما في حال تصاعد التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الطاقة والغذائيات فسنعود إلى دوامة التضخم لكن هذا التضخم سيصاحبه نوعاً من الركود الاقتصادي أي الدخول في الركود التضخمي، وفي هذه الحالة تكون أدوات السياسة النقدية محدودة إذ لابد من تزاوج السياسة المالية النقدية مع السياسة الإنفاقية”

editor

Recent Posts

#عاجل.. وفاة أحد الجنديين المصابين بعملية الطعن شمال إسرائيل

أعلنت هيئة البث الإسرائيلية مقتل أحد الجنديين المصابين في عملية الطعن بالمجمع التجاري في كرمئيل…

4 دقائق ago

بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض

أغلقت بورصة عمان تداولاتها اليوم الاربعاء على ارتفاع بنسبة 0.18 بالمئة الى مستوى 2396 نقطة.…

7 دقائق ago

يوم وظيفي في مادبا

نظمت مديرية عمل مادبا بالتعاون مع هيئة شباب كلنا الأردن في مقر الهيئة، يوما وظيفيا…

9 دقائق ago

وزارة النقل والعقبة الخاصة تبحثان تعزيز النقل والسياحة والاستثمار

بحثت وزيرة النقل المهندسة وسام التهتموني، مع رئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نايف الفايز،…

12 دقيقة ago

المحكمة الدستورية تقضي بعدم دستورية عبارتين بقانون الزراعة

قضت المحكمة الدستورية في قرار لها، بعدم دستورية عبارة "أو الحاكم الإداري المختص" الواردة في…

16 دقيقة ago

“الصناعة والتجارة” تبحث العوائق التجارية والتدابير غير الجمركية التي تواجه الصادرات الأردنية -صور

عقدت وزارة الصناعة والتجارة والتموين بالتعاون مع مركز التجارة الدولي يوم الأربعاء طاولة مستديرة لعرض…

20 دقيقة ago