اراء

الرفاتي يكتب: أهمية الأوضاع الضاغطة للبنوك “اختبارات التحمل” وأثرها على المراكز المالية

زياد الرفاتي

 تواجه البنوك الداخلية والخارجية في معظم دول العالم مخاطر عدة ناشئة عن طبيعة وبيئة العمل المصرفي الذي تحيط بها سواء مخاطر الائتمان ، أو مخاطر السوق التي تشمل مخاطر السيولة و أسعار الفائدة والتركز في العملات الأجنبية وأسعار الأوراق المالية ، وغيرها من مخاطر جيوسياسية أو قانونية أو السمعة وغيرها.
ويتلخص مفهوم مخاطر الائتمان بالتي قد تنجم عن تخلف أو عجز المقترض عن السداد وعدم وفائه بالتزاماته تجاه البنك، ومخاطر السوق بالمخاطر التي قد تنجم عن تذبذب القيمة العادلة أو التدفقات النقدية للأدوات المالية نتيجة التغير في أسعار السوق مثل أسعار الفائدة وأسعار العملات والتغير في أسعار الأسهم والسندات.
ويناط بدائرة المخاطر في البنوك مسؤولية ادارة المخاطر بأنواعها وفق السياسات العامة لادارة المخاطر واستراتيجياتها الموافق عليها من مجلس الادارة، ومن تلك السياسات سياسة الأوضاع الضاغطة أو ما يعرف باختبارات التحمل التي تجريها البنوك عادة سنويا مرتكزة على البيانات المالية الختامية ويمكن اجراؤها دوريا بفترات أقل من سنة حسب متطلبات وحاجات البنك الواحد ووفق ما يراه مناسبا في ذلك والهدف منها قياس قدرة البنك على مواجهة الضغوط والمخاطر والصدمات وفق سيناريوهات أسوأ وأكثر شدة من الواقع الحالي تعدها مسبقا، وتقوم بتطبيقها على المحفظة الائتمانية بوضع نسب تعثر مفترضة ومرتفعة جدا (تبدأ من نسبة 25% من المحفظة وقد تصل الى 100%) ومدى انعكاسها على جودة المحفظة ورصد مخصصات وفوائد معلقة اضافية وتأثيرها على الربحية أو التحول الى الخسائر.
أما مخاطر السيولة في اختبارات التحمل فيتم قياسها بافتراض تعرض البنك لسحوبات مفاجئة من ودائع العملاء لديه وبنسب مفترضة ومرتفعة أيضا تعد مسبقا ومدى قدرة السيولة المتوافرة لديه على مواجهتها دون الحاجة الى تسييل جزء من أصوله لتلبية تلك الاحتياجات ودون انخفاض نسبة السيولة القانونية عن الحدود المقرة من البنوك المركزية.
ومخاطر أسعار الفائدة باستخدام أسلوب تحليل حساسية قائمة الدخل بأثر التغيرات المفترضة الممكنة بأسعار الفوائد على ربحية البنك لسنة واحدة ويتم احتسابها على الموجودات والمطلوبات المالية التي تحمل سعر فائدة متغير.
ومخاطر العملات باستخدام أسلوب تحليل الحساسية لقائمة الدخل بأثر التغيرات المفترضة في أسعار العملات الأجنبية والمخاطر الاضافية الناجمة عنها.
ومخاطر التغير في أسعار الأسهم والسندات ويتم قياسها بافتراض التغير المفاجئ في القيمة العادلة للاستثمارات وأثرها على المركز المالي وقائمة الدخل.
وبناءا على تلك المخاطر المفترضة التي يتم تطبيقها من البنوك، فإنها تقوم برفع نتائج الاختبارات الى اداراتها وتوصياتها بهذا الخصوص وتزويد البنوك المركزية بها التي يهمها نتيجة الاختبارات لمعرفة أماكن الضعف في القطاع المصرفي وتلزم البنوك المتأثرة مراكزها المالية بها سلبا بوضع خطة تصحيحية علاجية وفق جدول زمني محدد لضخ رأسمال اضافي في الحالات التي تتطلب ذلك، ومدى كفاية حجم رأس المال القائم في امتصاص المخاطر والخسائر المفترضة والحاجة الى ضخ رأسمال اضافي للمحافظة على نسبة كفاية رأس المال ضمن الحدود التنظيمية.
أما ارتباط الأوضاع الضاغطة بأزمة البنوك، فان ما حدث مع بنك سيليكون فالي الأميركي كان من أحد أسبابه فشله في اجتياز اختبارات التحمل التي اجريت له قبل فترة وجيزة من انهياره، كما أن التخفيف من القيود على البنوك الاقليمية مثل سيليكون فالي ساهم في الانهيار وتسبب بحالة من الذعر في الأسواق وتزايد المخاطر على الاستقرار المالي العالمي بحسب صندوق النقد الدولي على ضوء أزمة النظام المصرفي الأميركي وكريدي سويس، مما يستوجب توخي الحذر رغم التحركات لتهدئة الضغوط وأن عدم الاستقرار بالقطاع المصرفي في الولايات المتحدة وأوروبا من المخاطر السلبية المهمة التي تتم مراقبتها، وان الثقة الزائدة عند حدوث استقرار في الاقتصادات يخفض النظر للمخاطر.
ان المشكلة مع بنك سيليكون فالي أنه كان مصرفا للشركات التكنولوجية وقد توسع واستثمر في السندات الحكومية ولم يتحوط، وأن ضحايا البنك شركات طبية وتكنولوجية تعد من المحركين للولايات المتحدة والمشكلة كانت خطأ في التحوط كما أن ارتفاع الفائدة خفض قيمة الأصول الموجودة في بنك سيليكون فالي بمقدار 30%.
وقد اتهم المستثمرون في البنك مدققي الحسابات وبنوك ومؤسسات مالية مصدري أسهم وسندات بتقديم بيانات مضللة ساهمت بانهيار بنك سيليكون فالي بتهمة تقليل المخاطر واخفائها وبصفته مدقق حسابات البنك حيث اعتمد التقرير السنوي للبنك قبل أسبوعين من انهياره رغم انخفاض الودائع لديه وتراجع قيمة السندات ومدى قدرة البنك على الاحتفاظ بالسندات حتى تاريخ الاستحقاق وتم رفع دعاوى قضائية عليهم من المستثمرين في أميركا .
لقد أحدثت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 تحولا هائلا في الأصول نحو المصارف الكبرى … فهل يتكرر السيناريو ؟.
وقد أشار الفيدرالي الأميركي الى أن التطورات الأخيرة في القطاع المصرفي قد تؤدي الى شروط ائتمانية أكثر صرامة للأسر والشركات، وأن سوء الادارة وضعف الرقابة وراء انهيار بنك سيليكون فالي، وقد أقر مجلس مراقبة الاستقرار المالي في أميركا مؤخرا اطارا جديدا لتحديد مخاطر النظام المالي، كما أن الاضطراب في القطاع المصرفي الأميركي والأوروبي في شهر اذار 2023 أظهرأن هناك حاجة الى المزيد من العمل لتعزيز الأنظمة التنظيمية والرقابية.
لقد تراجعت الودائع لدى البنوك الامريكية بمبلغ 76 مليار دولار في الأسبوع الماضي (14-21/4/2023) .
أما بنك كريدي سويس فقد أكد بتاريخ 24/4/ 2023 على تسجيل تدفقات خارجية على شكل سحوبات عملاء منه بمجموع 69 مليار دولار خلال الانهيار في الربع الأول من العام الحالي قبل تدخل الدولة السويسرية لانقاذه من الافلاس وقبل استحواذ منافسه بنك UBS عليه والذي يعد البنك الثاني في سويسرا وكانت السحوبات البارزة في النصف الثاني من شهر اذار عندما ساد الهلع قبيل عملية الاستحواذ التي أجريت على عجل، وتركزت السحوبات في ادارة الثروات العائدة للأثرياء والتي يديرها البنك بعد أن عانى من انخفاض قيمة الأصول نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة ولم تتم اعادتها حتى تاريخه بحسب تأكيد البنك، أما خسارته للعام 2022 فقد بلغت 7،3 مليار فرنك سويسري .
وتراجع أرباح بنك UBS ( المستحوذ على بنك كريدي سويس ) بنسبة 52% في الربع الأول من العام 2023 لتسجل 1،03 مليار دولار وتأتي أقل من المتوقع .
وقد هوت أزمة البنوك في أميركا بودائع First Republic Bank بنسبة 40% خلال الربع الأول 2023 وتراجع سعر سهمه بأكثر من 80% منذ الأزمة، وبنك مورغان ستانلي الأميركي ينشر بتاريخ 25/4/2023 أن السوق العقاري الأميركي يقترب من القاع تمهيدا للهبوط الناعم للاقتصاد، وتوقعات بنك جي بي مورغان بأن الاقتصاد الأميركي قد يدخل في ركود في الربع الأول 2024 وقد سجل نموا بنسبة 1،1% في الربع الأول 2023 بأقل من التوقعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى