“السوسنة السوداء” استثمار عالمي في الاردن بقيمة مضافة وفق هذه المعطيات

كتب – محمود علي الدباس – اثلج صدورنا قبل ايام خبر حفل الاعلان عن توقيع اتفاقية استثمار ما بين امانة عمان ممثلة بذراعها الاستثماري شركة رؤية عمان وبين شركة السوسنة السوداء السويسرية بحضور السفيرة السويسرية لدى البلاط الملكي  إيميليا جيورجيفا .

ويتمثل المشروع الذي يقع ضمن الشريط الاستثماري على كوريدور عبدون، والذي اعلن عن انه سيوفر 3 آلاف فرصة عمل وبكلفه اجمالية حوالي 570 مليون دينار.

هذا المشروع الذي يقع ضمن ثلاثة قطع أراضي بمجموع مساحة 43,062 الف متر مربع وحقوق تطويرية تصل إلى 260 ألف متر مربع كمساحة مبنية ، يعكس بشكل واضح التنافسية التي يحظى بها الاردن كموقع جاذب للاسثتمارات العربية والاجنبية.

ولا شك ان استثمار بهذا الحجم سوف يكون له انعكاس مباشر على مختلف القطاعات والاستفادة من القدرات الاردنية على صعيد الشركات التي ستقدم خدماتها للمشروع في مختلف الجوانب خلال عملية التشييد والبناء ، وتحريك للاقتصاد ، لا سيما والحديث عن توفير هذا المشروع لحوالي 3 الاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ، مما سيكون له اثر في تعزيز القوة الشرائية للعاملين في هذا المشروع.

وفي مثل هذه المشاريع الكبرى لا يمكن ان نتحدث بشكل غير علمي واقتصادي واغفال الاشتراطات الضامنة لنجاح هذا الاستثمار ، سواء من قبل امانة عمان الجهة التي قامت بتأجير قطعتي ارض وبيع قطعة ثالثة للشركة ، حيث من المؤكد انها اجرت بحث واستقصاء عن الشركة المستثمرة للتأكد من ملائتها المالية واخذ كافة الضمانات ومن ضمنها كما وصلني كفالة بنكية بقيمة مليوني دينار اردني في حال لم يتم البدء في المشروع خلال فترة عامين ، وهذا ما يضمن حقوق الامانة والخزينة العامة ، ويقطع الشك لدى اي طرف في حقيقة معالجة كافة الثغرات التي برزت في مشاريع اخرى لم يكتب لها النجاح لسبب او اخر.

ويبقى الحديث عن الاثر الايجابي الكبير للاعلان عن هذا المشروع الضخم فيما يتعلق بتأثيره على زيادة معدلات الاستثمار في الاردن وفتح شهية مستثمرين اخرين للقدوم للاردن لاستكشاف الفرص الواعدة ، لا سيما واننا نتحدث عن شركة سويسرية جاءت للاسثتمار في الاردن واختارت ان يكون استثمارها الضخم فيه ، عن بقية دول العالم.

ومن جهة اخرى فإن النتائج المتوقعة من وراء انشاء هذا المشروع الاستثماري ما سيحققه من قيمة مضافة على صعيد فتح افاق جديدة للاستثمار في منطقة كريدور عبدون وما حوله ، وزيادة القيمة المالية للاراضي في تلك المنطقة بما ينعكس على الدخل المتوقع ان يرفد خزينة الامانة على مدى السنوات القادمة.

وليس من الحصافة الحديث عن المشروع بسطحية وسوداوية واطلاق احكام مسبقة ، تستغفل القراء والمتابعين والمهتمين بالشأن الاقتصادي ، دون لفت النظر الى ان مثل هذه المشاريع تأخذ فترة زمنية طويلة من دراسات الجدوى الاقتصادية من قبل المستثمر وما سيحقق له من ربحية ،وما ترتبه من اتعاب ضخمة للشركات الهندسية والمالية والقانونية والاستشارية ، لا يمكن ان تتكبدها الشركة السويسرية دون ان يكون لها رغبة اكيدة في الاستثمار والبناء والانجاز.

وبالتأكيد فإن انشاء هذا الكم من المباني لا يمكن ان يتم دون ان يكون لدى الشركة المستثمرة تصور مستقبلي وخطة تسويقية لاشغال هذه المباني من قبل شركات محلية وعربية وعالمية وعلامات تجارية شهيرة فيما يتعلق بالمنشآت الفندقية والمحلات التجارية وتسويق الابراج السكنية والتجارية المطروحة للاستثمار.

كما لا يفوتني القول بأن استثمار الاراضي التي تملكها الامانة بهذا المشروع ، بهذا التوقيت هو نجاح لها في تسويق رؤيتها الاسثتمارية ، فهذه الاراضي المترامية الاطراف لم تكن مستغلة ولم يكن هناك من يقف على باب الامانة من المستثمرين لطلب استثمارها ، بمعنى انها اراضي غير مستغلة ، وجاءت الشركة السويسرية بهذا العرض المالي الذي يلبي طموح الاردن في زيادة نسبة الاستثمار وتحفيز الاقتصاد ، ولم يتضرر اي احد او جهة من استثمارها.

كما ان الحديث عن المشروع بسطحية ، لا يعكس احترام المؤسسية في عمل المؤسسات الرسمية ، وحرصها على ان يتم تغطية كافة جوانبه قانونيا وبالشكل الذي يحفظ حقوق الامانة وحقوق المستثمر بشكل شفاف وواضح.

ولا بد من الاشارة الى ان مثل هذه المشاريع الاستثمارية الضخمة ليس من الضروري ان تمتلك الشركة المنفذة كل الاموال التي تغطي تكاليف المشروع ، لان الطبيعي في مثل هذه الاستثمارات ان تسعى الشركة المستثمرة لعقد شراكات مع صناديق سيادية عربية ودولية ومستثمرين عرب واجانب لتمويل هذا المشروع الضخم ذو العائد المالي الذي يحفز تلك الصناديق وهؤلاء المستثمرين للمساهمة في تمويله.

وقد يقول البعض ان المستثمر ربما يعتمد على عقد التأجير وعقد ملكية الارض لتقديمها كضمانات قروض للبنوك المحلية ، وهذا ما لا يمكن تصديقه في ظل وجود الية صارمة في منح القروض لمثل هذه المشاريع وقياس معامل المخاطر والنسبة المئوية المحددة لتمويل هذا النوع من المشاريع والتي كما اعتقد لا تتجاوز 30% من القيمة الاجمالية للمشروع ، وبالتالي على المستثمر ان يوفر ما نسبته 70% من تمويل المشروع ، وهو ما يضمن عدم حدوث هزات مالية للبنوك الاردنية ، في ظل متابعة ورقابة من البنك المركزي الاردني على مثل هذا النوع من التمويل ، للحفاظ على المركز المالي للبنك او البنوك التي ترغب بتمويله.

كما وان حضور السفيرة السويسرية لحفل الاعلان عن المشروع الاستثماري ، لا يمكن ان يتم دون ان تتأكد ان الشركة السويسرية ذات سمعة اقتصادية عطرة وقادرة على تنفيذ التزاماتها العقدية، وان تواجدها يأتي في سياق ان هذا المشروع يسهم في تعزيز العلاقات بين الاردن والاتحاد الكونفدرالي السويسري ، وبالتالي لا يمكن ان تجازف بأن يكون هناك اي علامة استفهام حول الشركة المستثمرة والشركاء فيها وعلى المشروع برمته.

اذا لننظر بأيجابية وبعيدا عن الاحكام المسبقة ومحاكمة المشروع قبل البدء فيه دون الاستناد الى معلومات ، لان ذلك سوف يكون له انعكاس سلبي على البيئة الاستثمارية في الاردن ، وتنعكس سلبيا على جلب المزيد من الاستثمارات العربية والاجنبية للاردن ، والذي يطالب به الجميع من الحكومة والمؤسسات بتذليل التحديات امام استقطاب الاستثمارات التي سوف تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي وتنعكس على المواطن في تحسين مستوى معيشته ، من خلال ما توفره مثل هذه المشاريع من فرص عمل نحتاجها للتخفيف من اثر البطالة وتأثيره.

الاعلان عن مشروع “السوسنة السوداء” هو بالتأكيد خبر ايجابي محفز للجميع للعمل بحس وطني وتشجيع المسؤول الذي لا ترتجف يديه عند التوقيع على مثل هذه الاستثمارات ، وعدم النيل من المنجزات وتحويلها الى عصا تعرقل سير عجلة الاقتصاد ، والخاسر سيكون الاردن بكل مكوناته.

دعونا لا نجلد الذات اكثر ونسيء لوطننا وقدراته وامكانياته في جذب الاستثمار ، وان لا نكون معاول هدم بل ايادي تبني وتسند كل جهد وطني مخلص.