اراء

السيناريو الأخطر ليس مؤجلا

على مدى اسبوع متواصل ومنذ الأحد من الاسبوع الماضي، حتى يوم امس الاحد، اقتحم اكثر من ألف مستوطن اسرائيلي المسجد الاقصى، ومعهم طلبة معاهد دينية، وحمايات عسكرية.

الاقتحامات للحرم القدسي، باتت يومية، وتجري على مرحلتين صباحية ومسائية، ولا تتوقف الا يومي الجمعة والسبت، وخلال عمليات الاقتحام يتم منع المقدسيين والفلسطينيين من دخول المسجد الاقصى، ويتم احيانا افراغ المسجد الاقصى وكل الحرم القدسي، من المصلين، من اجل تأمين عمليات الاقتحام التي تجري بحماية حكومية اسرائيلية، وبوجود الشرطة او الجيش.

حذر كثيرون على مدى عقود متتالية من المخططات الاسرائيلية بحق المسجد الاقصى، وهذه التحذيرات لم يقف عندها احد، هذا على الرغم من كونها جاءت من ارض الواقع في القدس.

الذي نراه حاليا، هو تقاسم زمني وجغرافي جزئي، بمعنى تثبيت حق الدخول الى المسجد الاقصى يوميا، على مدى فترتين، صباحية ومسائية، والملاحظ هنا، ان اسرائيل فرضت هذا التوجه تدريجيا، حتى بات يوميا، دون ان تتوقف اسرائيل عن هذه الممارسات، وسنرى قريبا، تغيرا في هذه السياسات، اما عبر زيادة مدة الاقتحام الزمني، او زيادة اعداد المقتحمين، في سياق تطويعي تدريجي لكل ما يجري داخل القدس، التي تتعرض ايضا الى عملية تغيير لكل ملامح وجهها العربي والاسلامي، اضافة الى عمليات اضعاف من فيها سكانيا واقتصاديا واجتماعيا، وتهجيرهم، وسرقة اراضيهم، ومصادرة ممتلكاتهم، ومرورا بما يجري في حي الشيخ جراح، من ازمة لا تريد ان تنتهي.

حين يقف اكثر من مليار ونصف مليار وعربي ومسلم، امام هذا الملف، عاجزين عن وقف اسرائيل، لا سياسيا، ولا عسكريا، ولا بأي طريقة، يحق لك السؤال عما يعز لدى هذه الامة، فإذا كان مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، واولى القبلتين، وليس مجرد موقع اثري اسلامي عادي، او مجرد مسجد للصلاة، يتعرض لكل هذا، ولا نرى اي رد فعل، فمن حقنا ان نعيد تعريف الاشياء، فقد هانت علينا كل القضايا، الصغيرة والكبيرة.

لا تعرف لماذا وصلنا الى هذه المرحلة، من الضعف والهوان، في كل مكان، حيث القوس العربي والاسلامي، مدمر ومرهق ومفتت، وتطغى عليه اعراض الفقر والجهل والتضليل والامراض والحروب والتسلط والظلم والتخلي عن كل ما يخص امة بأكملها من اولويات وقضايا، لصالح التيه والضياع، على مستوى الافراد والحكومات والشعوب، مرورا بما يسمى النخب الشعبية.

من المؤلم حقا، ان يتم تصنيع سقف لردود الفعل، اذ ان كل شيء من الاقتحامات وما دونها، يجابه بردود فعل عادية، من بيانات وكلمات غاضبة، وكأننا اتفقنا ضمنيا مع اسرائيل على ان السقف المقبول هو الاقتحامات، لكن اذا قامت اسرائيل بعمل اكبر، فعندها ستثور الجماهير في كل مكان، سواء داخل فلسطين، او خارجها، وكأن هناك اتفاقية غير مكتوبة تؤطر ردود الفعل، وتربطها بتوقيت محدد، تتجنبه اسرائيل ايضا، بحيث تواصل التقاسم التدريجي الزمني والجغرافي، دون مخاوف، وتتجنب المبالغة بالإجراءات الحالية، وهذا امر سوف يستمر حتى نعتاد عليه، ولحظتها ستدخل اسرائيل الى مرحلة اسوأ في الاجراءات، وسنكون نحن السبب كوننا فرطنا بالتفاصيل، بذريعة الانشغال بالعناوين الكبرى، فيما استحقاقات التفاصيل مقبلة بلا شك.

لن يكون غريبا بعد قليل منع الفلسطينيين من دخول كل الحرم القدسي، يوم السبت، مثلا، وتخصيصه للاسرائيليين فقط، فهذه نتيجة طبيعية للسكوت على التقاسم الجزئي الحاصل الآن، وقد تكون هناك اجراءات ثانية، ولا يكون غريبا ان تقع حوادث مريبة، خلال الفترة المقبلة، من اجل تقاسم الحرم القدسي، ذاته، مكانياً، عبر قسمته على جزأين.

من الذي سيوقف الاحتلال لحظتها، ما دام هذا الاحتلال، يدرك كيفية ادارة كل هذا المشهد، وسط حالة سكوت من كل الجهات، وتعامي متعمدة او غير متعمدة.

الكل يجعلك تشعر ان المسجد الاقصى، محفوظ، ولا خطر عليه، والكل يريد خداعك بالقول ان اسرائيل لن تجرؤ على ارتكاب اي حماقة، وهذا كلام بمثابة سراب، ومجرد تخدير، لأن الواقع بدأ بالتغير الفعلي، ويؤشر على تغيرات اخطر مقبلة على الطريق، مما يجعلنا نسأل الكل، عن الذي يتوجب فعله، لوقف هذه الاعتداءات الاسرائيلية، شبه اليومية، والتي ستقودنا الى ما هو اخطر.

الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى