اراء

الفلسطينيون بين العقبة وشرم الشيخ

لم تتعلم سلطة أوسلو من دروس التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولا من دروس لقاء العقبة الذي حدث مؤخرا، والذي تبعته عمليات إسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولم تلتزم إسرائيل أصلا بأي اتفاقات أو تفاهمات نتجت عن هذا اللقاء، بل زادت حدة إجراءاتها ضد الفلسطينيين.

بات ملحوظا جدا، أن إسرائيل تستغل أي لقاء إسرائيلي مع أي طرف عربي وإقليمي ودولي، لتنفذ بعده مباشرة أسوأ عملياتها الأمنية، وكأنها توحي بأنها تحظى بمظلة حماية، وهذا التوظيف الانتهازي الإسرائيلي تكرر مرارا، بما يجعل أي لقاء مع الإسرائلييين محفوف بالكلف والخطر.
برغم كل عمليات الاقتحام لجنين ونابلس ومناطق فلسطينية، وقتل الفلسطينيين، واقتحام المسجد الأقصى، يخرج علينا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، وهو الطامح بوراثة كرسي رئاسة رئيس سلطة أوسلو المبجلة ويقول إن وفداً فلسطينياً يشارك اليوم الأحد في اجتماع في شرم الشيخ بحضور إقليمي ودولي، وذلك بهدف الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، وهذا عنوان عام تتخفى خلفه التفاصيل.
سلطة أوسلو لا تتوقف عن إدارة شؤون الفلسطينيين بواسطة الاستغاثات العربية والدولية، وبرغم أنها تعرف أن كل هذه اللقاءات لن تؤدي إلى نتيجة، إلا أنها تواصل ذات الاتجاه، بذريعة إقناع إسرائيل، من أجل أن تتوقف عن أي إجراءات، هذا على الرغم من أن الكل يدرك أن هناك تناقضا في الأساس بين المشروع الفلسطيني، بكل تلويناته، والمشروع الإسرائيلي المتواصل والممتد.
لا تعرف لماذا يتم إعطاء فرصة لإسرائيل من أجل الجلوس إلى مائدة مفاوضات أمنية وسياسية، في ظل توقيت معقد جدا، تحكم فيه إسرائيل أشد التيارات يمينية وتطرفا، وليس أدل على ذلك من رسائل التهديد السياسي الإسرائيلي التي قيلت من جانب وزراء ونواب في الكنيست خلال اجتماعات العقبة والتي تجلت بجملة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير خلال اجتماعات العقبة حين قال “ما حدث في الأردن يبقى في الأردن” وسنسمع لاحقا ذات الجملة ربما من خلال القول “ما حدث في شرم الشيخ يبقى في شرم الشيخ” ثم يعود كل شيء إلى حاله.
يبرر حسين الشيخ ذهابه إلى شرم الشيخ، بعناوين وطنية، بدلا من خروجه ومصارحة نفسه وشعبه والعالم، بأن كل عملية أوسلو فشلت، ولم تنتج سوى اعتراف فلسطيني بشرعية إسرائيل، وهذا الاعتراف لم يحصل الذين قدموه على وكالة من 14 مليون فلسطيني داخل فلسطين وخارجها، بل إن هؤلاء استيقظوا على من أصر أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في غمرة بحثهم عن حل، فأخذهم هذا الممثل إلى حيث نحن اليوم، حيث الاحتلال يتوسع، والمستوطنات تكبر، والشهداء وراء بعضهم البعض، والأسرى في السجون، والمسجد الأقصى يتعرض يوميا للتهديدات، وقضية اللاجئين طويت، وغير ذلك من خسائر جسيمة.
حسنا. إذا كانت هذه اللقاءات تتسارع قبيل شهر رمضان، في محاولة لمنع انفجار الوضع، فهي محاولات سوف تفشل بشدة، وسوف تتغطى إسرائيل بهذه اللقاءات، ثم تلحقها بادعاءات حول عمليات فلسطينية تقع هنا أو هناك، لتواصل ذات النهج، وهذا يعني أن محاولات إطفاء النار سوف تفشل، فنحن اليوم أمام ذروة مشروع إسرائيلي لا يفهم كل هذه اللغة القائمة على محاولات الإقناع والرجاء وشرح أخطار التصعيد، وهي أخطار تنتجها إسرائيل ذاتها، وليست بحاجة إلى أي طرف من أجل شرحها، أو شرح كلفها على الفلسطينيين، ومجتمع الاحتلال.
هذا يعني أن اللقاء سوف يفشل، ليس لضعف في الأطراف العربية أو الإقليمية، بل لأن ما بعد اللقاء يمكن نسفه بعملية واحدة من جانب أي فلسطيني، أو بأي تصرف أحمق من جانب الاحتلال، وهم الذين عادوا واقتحموا جنين قبل أيام، وهي عمليات إسرائيلية لا يمكن لسلطة أوسلو ولا غيرها، وقف ردود الفعل بشأنها، وهذا أمر مثبت على مدى عقود من ثنائية الحرب والسلام التي ابتدعتها جماعة “غصن الزيتون”، و”غزة أريحا أولا”.
سلطة أوسلو تتنازل أكثر، بذريعة أن التشدد أكثر سيكون مكلفاً على الفلسطينيين، ويقال لهم اليوم، إن الكلفة مدفوعة في كل الأحوال، ولتكن كلفة مقابل الوقوف في وجه الاحتلال فقط، لا مفاوضته، ومحاولة إقناعه بالتوقف عن غرس أنيابه في ظهر الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى