في وقت يلقي الاحتلال الصهيوني حاليا، بآلاف الأطنان من القنابل والقذائف بمختلف أنواعها؛ التقليدية، والمحرمة دوليا، جراء إعلانه الحرب على قطاع غزة المحاصر منذ نحو 17 عاما، وتدمير مشافيه ومرافقه الصحية، وقطع المياه ومنع دخول الغذاء اليه، حذر رئيس المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية د. عادل البلبيسي، من انتشار الأمراض والأوبئة الناجمة عن نقص المواد الأساسية والمستشفيات والمياه النظيفة في القطاع.
وقال البلبيسي إن ما يجري في غزة، يؤدي الى تفاقم حجم الاخطار الوبائية والامراض كالكوليرا أو الحصبة، وغيرها من الاوبئة، التي تودي بحياة الأطفال والشيوخ والكهول والنساء، جراء مثل هذه الحرب وما يحدث فيها من حالات تشرد ونزوح.
ولفت الى أن الأوبئة عموما، تنتج في هذه الحالة، اوضاعا انسانية وصحية وبيئية صعبة، يقع تحت وطأتها السكان، إلى جانب ما يتعرضون له من نقص للمياه والأغذية والأدوية والعلاج والخدمات.
ودعا البلبيسي، العالم للنظر بعين الاهتمام الى ما يحدث في القطاع، وما ينتج عن هذه الحرب التي يشنها، أحد أقوى جيوش العالم تسليحا على غزة، ويرتكب خلالها اعمال قتل وتدمير للمساكن والمرافق والمشافي، في ظل ضعف مسبق للخدمات الصحية والبنية التحتية، الى جانب ندرة الادوية والمستلزمات الطبية.
وطالب بضرورة الاسراع وفورا، في ادخال المساعدات الطبية والانسانية والادوية والمياه الى داخل القطاع، ودون تلكؤ، مشددا على السماح بادخال الطواقم الطبية واعادة المياه للقطاع، وادخال الطعام، وتعزيز المرافق الصحية التي لم تدمرها قذائف الاحتلال وطائراته، وإنشاء مشاف ميدانية مؤقتة، لتطبيب الجرحى، ومساعدة المرضى، وخلق مناخ بيئي يمنع انتشار الأوبئة، وتقديم العون بكافة أشكاله.
وأكد أن هذا الأمر يقع على عاتق الدول والمنظمات الدولية الانسانية والطبية، للتدخل وتأمين الغزيين بما يحمي صحتهم، ويمنع اي انتشار للأوبئة بينهم، ووقف القتل والتدمير للاطباء والعاملين في القطاع الصحي ومرافقه.
وكانت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) تمارا الرفاعي، قالت أمس، إن “النقص الحاد في المياه النظيفة في القطاع، يشكل كارثة وتحديا أكبر للوكالة”، مضيفة أن المنظمة الدولية “تخشى انتشار الأوبئة في المدارس والمراكز التي تستقبل النازحين، جراء غياب المياه النظيفة وما يحتاجه النازحون من أساسيات”.
وناشدت الرفاعي، كل من يستطيع الضغط لإدخال المساعدات إلى القطاع، ألا يتوانى عن اتخاذ هذه الخطوة، كاشفة عن ان “أونروا” “فقدت أكثر من 13 عاملا، وتضررت أكثر من 23 مدرسة تابعة لها، جراء قصف الاحتلال على القطاع”.
وأكدت أن “أونروا” تتابع بكثير من القلق، التطورات في القطاع، بالإضافة إلى قلقها من عدم قدرتها وقدرة المجتمع الدولي والمجتمع الإغاثي، على القيام بأدوارهم، وشح المساعدات والمواد الإغاثية المتوافرة حاليا في مستودعات غزة.
ووجّه جلالة الملك عبدالله الثاني الحكومة الخميس الماضي، لتقديم مساعدات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “أونروا”، لتتمكن من مواصلة تقديم خدماتها الإغاثية وتوفير الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في القطاع، في ظل التدهور الخطر للأوضاع الإنسانية، وتفاقم النقص في الاحتياجات جراء الحرب على غزة.
عضو في اللجنة الوطنية، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال ان تضرر قطاع المياه والمنظومة الصحية في غزة، سينجم عنها نتائج كارثية على السكان في القطاع، لافتا الى أن لا أحد يعرف ماهية الأوضاع الصحية هناك، بسبب زيادة هجمات الاحتلال الصهيوني على القطاع، ومنعه دخول أي مواد طبية او اغاثية، وتوقف عمل مستشفيات عديدة، لمنعه الماء والكهرباء والدواء من الدخول للقطاع، وتدمير مستشفيات أخرى بقذائفه، مشددا على ضرورة تقديم الخدمات الاساسية لأهالي غزة.
وأضاف، “اذا انهار النظام الصحي في القطاع، وفقدت الأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية والمياه والكهرباء، فان الاوضاع ستصبح كارثية”، وهو ما يستدعي أن تتحرك المنظمات والمؤسسات الدولية بجدية، وأن تضغط على الاحتلال لكي يدخل الدواء والماء والطعام والوقود الى القطاع.
منظمة الصحة العالمية، أكدت ضرورة تيسير وإيصال إمداداتها الصحية والإنسانية وغيرها مما يحتاجه القطاع، عبر معبر رفح، مشددة على وجوب فتح ممرات إنسانية واستمرار عملها إلى نهاية الحرب التي تشن على القطاع.
وقالت المنظمة “في القطاع، تعمل المستشفيات بواسطة مولدات احتياطية، ويرجح بأن ينفد الوقود خلال الأيام المقبلة هناك، وقد نفدت بالفعل الإمدادات التي وضعتها المنظمة في متناول الغزيين مسبقا قبل التصعيد”، مشيرة إلى أن الاستجابة الصحية المنقذة للحياة، تعتمد الآن على إيصال الإمدادات الجديدة والوقود إلى مرافق الرعاية الصحية بأسرع وقت ممكن.
وتعمل المنظمة، بصورة عاجلة على شراء الإمدادات الطبية محليا، لتلبية الطلب، وتجهيز الإمدادات من مركزها اللوجستي الطبي العالمي.
بينما قالت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن “المياه تنفد عن مليوني شخص في القطاع، وهذه مسألة حياة أو موت”، موضحة، أن “سكان القطاع، سيموتون من الجفاف الشديد، في حال عدم نقل الوقود إليهم الآن، وتأمين مياه الشرب لهم”.
من جهته، قال الخبير في الأوبئة د. عبد الرحمن المعاني، إنه مع استمرار عدوان الاحتلال الصهيوني على القطاع لليوم العاشر ودون انقطاع، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية، بخاصة قطاع الصحة، واستمرار قصف المستشفيات والمراكز الصحية والطبية، بل وخروج بعضها عن الخدمة، وتكدس جثث الشهداء في ثلاجات الطب الشرعي بالمستشفيات، بحيث لم تعد قادرة على استقبال المزيد منها، نظرا لعدم وجود سعة فيها، فإن الخطر بات محدقا في توقف المنظومة الصحية والبيئية عن العمل هناك.
وأضاف المعاني، أن “قطع الماء والكهرباء عن المستشفيات، يسهم بتحلل الجثث، ما يؤدي إلى كارثة بيئية كبرى، ويتسبب بانتشار فيروسات وجراثيم، تنشر أمراضا معدية وسارية، تنتقل لأفراد المجتمع المحلي، وهذا بدوره ينذر بكارثة بيئية وصحية وإنسانية.
وقال إن ذلك كله سيؤدي الى وقوع جائحة كبرى اذا لم تسارع الجهات الدولية المعنية، بوقف الجرائم التي ترتكب بحق القطاع، مشددا على انه يجب التنويه إلى أن جثث الشهداء التي لم يتمكن أحد بعد من انتشالها من تحت الأنقاض والركام، جراء الاستهداف المتعمد للتجمعات السكانية والأبراج التجارية، ستزيد من تفاقم انتشار الأوبئة.
وبين أن ما يفاقم الوضع الصحي والإنساني الخطر في القطاع، يتبلور في قطع الماء والكهرباء والوقود والطاقة عن المستشفيات والمراكز الصحية والطبية، والتي باتت على وشك الخروج من الخدمة، ما سيحرم المصابين من تلقي العلاج والإسعاف، كونهم بحاجة فورية للتدخل الجراحي الفوري لإنقاذ حياتهم، وكذلك سيحرم سكان القطاع من تلقي الخدمة الصحية والطبية.
وأوضح أن استهداف المؤسسات الطبية والصحية وتدمير البنية التحتية لمستشفيات القطاع، وقصفها بقنابل الفسفور الأبيض، بخاصة مستشفيات الأطفال، وخروجها عن الخدمة، سيودي إلى كارثة صحية وبيئية لا تحمد عقباها.
وبين المعاني، أن استمرار الوضع الانساني المأسوي والصحي على هذا النحو الخطر، يضع على عاتق منظمات: الصحة، و”يونيسف”، والصليب والهلال الأحمر الدولي، والأمم المتحدة، مهمات يجب الاستجابة لها فورا، والسعى لوقف العدوان الصهيوني على القطاع، وإعادة الماء والكهرباء والوقود والطاقة، وادخال المساعدات الإنسانية الفورية من غذاء وأدوية ومستهلكات طبية وصحية، ضرورية لعمل المستشفيات والمراكز الصحية والطبية.
وقال “كما يجب أن تسعى هذه المنظمات الدولية، الى منع استهدافها من قوات الاحتلال، كي تقدم خدماتها في علاج المصابين وإنقاذ حياتهم”، مشيرا إلى أن استهداف المؤسسات الطبية والصحية المحلية والدولية، يعتبر جريمة إنسانية، ومناهضا للقانون الدولية، وعملا عدوانيا بربريا يدخل في مفهوم جرائم الحرب.