اراء

انقسام يعمق الأزمة

لم تعد هناك وصفات للحل، وكل الحلول متشابهة، من المطالبة بعفو عام، الى عفو خاص، مرورا بتمديد امر الدفاع 28 الذي يمنع حبس المدين، وصولا الى المطالبة بتفعيل القوانين وحبس المدين، وكأننا كلنا ندق في اعناق بعضنا بعضا، بسبب الحقوق غير المدفوعة.

هذه الحقوق غير المدفوعة تبدأ بالجهات الرسمية من ضرائب امانة عمان والبلديات والمياه والكهرباء ورسوم الجامعات والتهرب الضريبي او الجمركي، والغرامات من شتى الانواع، وصولا الى الحقوق غير المدفوعة على مستوى الافراد الذين يلاحقون بعضهم بعضا على مئات آلاف القضايا المالية الموثقة بشيكات أو كمبيالات، هذا غير الديون غير المحسوبة في التقديرات لكونها بين الافراد، ولا قضايا عليها، بسبب يأس اصحابها من المطالبة، او استحالة السداد المالي.

هذه الأزمة تتوسع في الأردن، فالمصارف تمنح المزيد من القروض ضمن شروط، والمؤسسات والصناديق تواصل الاقراض، والقطاع التجاري لا يجد حلا لاستمرار اعماله سوى اقراض من يتعاملون معه، ومن المؤكد هنا ان هذه الازمة، سوف تشتد خلال العام الحالي.

لو أردنا تخيل المشهد لكان مريعا، فالكل يريد من الكل مالا، والكل يتخوف من عدم سداد الكل، او عدم الالتزام، مع اقرارنا هنا ان نسبة الشيكات المرتجعة ليست كبيرة جدا، بما يعطيك مؤشرا على ان القصة لم تصل حافة الانهيار، فما يزال الوفاء بالشيكات، سائدا الى حد كبير.

اغلب من لا يسددون لا يتعمدون هذا الامر، بل بسبب التعثر، او عدم القدرة على الوفاء، او خسارة الاعمال والاشغال، او بسبب كثرة الالتزامات المالية وتراكمها على الافراد.

لكن الحلول لدينا ترقيعية، فهي تشتري الوقت، وتؤجل القضايا، وتجدون الازمة ذاتها، وكأن حال الافراد هي ذات حال الخزينة المدينة للمصارف المحلية والدولية، وللضمان الاجتماعي، فالكل ينفذ ذات الوصفة اي الاستدانة من طرف لسداد طرف، وكأننا ننقل الدين من جهة الى ثانية دون حل جذري ونهائي، ضمن سياسة ” تلبيس الطواقي” داخل المؤسسات، وبين الافراد ايضا.

حدوث انتعاش اقتصادي انقلابي وجذري، مجرد مراهنة غير صحيحة، وينكره خبراء الاقتصاد في الأردن، وهذا يعني أن الازمة اصبحت مستعصية، في ظل ثقافة استهلاكية تميل الى الترف والانفاق بشكل غير منطقي حتى لو عبر الديون من خلال البطاقات الائتمانية مثلا، وتميل الى الاستعراض على حساب الاولويات، وفي حالات كثيرة، يغيب الفخر والاستعراض، وتنعدم حياة العائلات تحت وطأة عدم كفاية الدخل، او كثرة الالتزامات المالية التي تتم المطالبة بها كل يوم.

الحكومات ذاتها اصبحت عاجزة امام هذه الازمة، فهي اذا مددت امر الدفاع 28 الذي يمنع حبس المدين، أضرت بفئات لها حقوق، وهي أن أوقفت امر الدفاع 28 ستجد نفسها أمام مئات آلاف المطلوبين، الذين لا مكان لهم في السجون، والحلول البديلة التي تلجأ اليها بعض الدول مثل منع أي معاملة شخصية او تجارية للشخص المدين حتى يسدد دينه من تجديد رخصة القيادة ومنع الحصول على اي وثيقة من الاحوال المدنية، أو غير ذلك، بدلا من سجنه، وصفة لم يتم اللجوء اليها بعد في الأردن، على الرغم من وجود ثغرات فيها، وشبهات بكونها تخالف حقوقا دستورية ثانية، لا يمكن التعامي عنها ايضا او الاجتراء عليها، بذريعة ان الشخص مدين.

مناسبة هذا الكلام، الانقسام بين النواب في مطالباتهم، انقسام يعمق الازمة بين من يطالب بعفو عام، لا تريده الحكومة لأنها لا تريد التنازل عن الغرامات وحقوق الخزينة المالية، ومطالبة نواب بعفو خاص، ومطالبة نواب بتمديد امر الدفاع 28 لمنع حبس المدين، ومطالبة المحامين بتفعيل امر الدفاع 28 لتحصيل حقوق موكليهم، وبين كل هذه الوصفات، نشتبك جميعا، بما يؤكد من حيث المبدأ ان ذهابنا الى نهاية الشهر الحالي، وعدم تجديد امر الدفاع 28، سيجعلنا امام طوفان من المشاكل والملاحقات والمطالبات بالحقوق دفعة واحدة، بعد تراكم طويل.

هذا يجعلنا نسأل عما سيتم فعله ما بعد نهاية الشهر الحالي، اذا قررت الحكومة عدم التمديد لأمر الدفاع 28، وهو امر متوقع، كون الحكومة في الاساس لم تمدده ثلاثة اشهر، كما كل مرة.

انها ساعة الحقيقة أيها السادة بكلفتها الثقيلة على الكل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى