عربيعربي ودولي

بأي حال عدت يا عيد؟.. كنيسة المهد بلا فرحة حزناً على غزة

في مثل هذه الأيَّام من كل عام يتذكر العالم ميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السَّلام ورحلة الأنبياء والصَّالحين في مواجهة الظلم والطغيان والفساد على الأرض، بيد أنَّ هذه الذِّكرى وفي هذه الأيَّام تعود على وقع ميلاد جديد لفلسطين المحتلة وقطاع غزَّة في رحلة البحث عن اقتلاع الغُزاة من أرضهم الممتدة لنحو 8 عقود.

في هذا العام، “عام الإبادة الجماعية لأصحاب الحق” اقتصرت الذكرى على الصلوات والدعاء والتضامن مع فلسطين وغزَّة والتي أزهقت فيها إسرائيل أرواح أكثر من 20 ألف إنسان خلال 81 يومًا جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ وطلبة المدارس حتى باتت غزَّة سُرادق عزاء مفتوح على اتساع القطاع، أما الناجون فأصبحوا إما مصابون بإعاقات دائمة أو بلا مأوى ولا غذاء ودواء.

يطوي العام 2023 آخر أيَّامه ليسجل أن آخر ثلاثة أشهر منه كانت ثقيلة على البشرية جمعاء بعد أن تمَّ هدر دم النَّاس في فلسطين بشتى أنواع الأسلحة وبكافة انواع القتل بعد أن ركلت اسرائيل القانون الدولي بقدمها لتذبح حقوق الإنسان، وليعود العيد هذا العام مثقلا بالحزن والبؤس حيث لا مكان في القلب للفرح ولا متسع للعقل أن ينسى آلام غزَّة، كما يقول متخصصون، فالمشاعر نابعة من الوجدان حيث لم يفرق العدوان البربري بين مسلم ومسيحي أو مسجد وكنيسة حين سواها بالأرض بلا تمييز.

الناطق الرسمي باسم الكنيسة الارثوذكسية الاب عيسى مصلح قال، إنّ “استهداف المساجد والكنائس ليس إلّا جريمة شديدة البشاعة، ترتكبها قوات الاحتلال بلا أدنى مبرر لذلك، فهذه ليسَتْ المرة الأولى التي يستهدفُ بها الاحتلال الاسرائيليّ الأماكن المقدّسة. مَنْ يتابع ما يحدثُ في قُدْسنا الشريف يرى ما يعاني المسلمون والمسيحيون من اعتداءاتٍ وتصرّفات لا أخلاقية تجاه المصلّين المسالمين. للأسف، ما يحدثُ في غزة أسوأ بكثير وعلى المجتمع الدوليّ التدخّل وحماية الأماكن المقدّسة لكافة أطياف الشعب الفلسطينيّ”.

إن العيش المتناغم بين بني البشر على الأرض هدف سامٍ لجميع الديانات، يضيف الأب مصلح، وبيوت العبادة، التي يصل تاريخ بعضها إلى أكثر من 1500 عام (مثل دير القديس بورفريوس)، ما تزال شاهدًا على أنّ الاحتلال لم يخترْ طريقا السلام، بل طريق الدمار والقتل ونبذَ كلّ قيم المحبة والعيش المشترك. وهناك، كل شيء مستباح لجيش العربدة الاسرائيلية.
واأسفاه.. يقول مصلح، يولدُ السيد المسيحُ في مغارة ببيت لحم لتشعّ النجوم نورًا وسلاما لا ليموت أطفال غزة جوعًا وتتساقط القنابل عليهم كالمطر. إنّنا في حزنٍ عميقٍ وبيت لحم كئيبة ولنْ تكونَ هناك بهجةٍ ما استمرّ شلال الدماء في غزة الحربُ وما دامَ العدلُ والسلامُ غائبين عن فلسطين، متسائلا “ما هذا الصمت الدوليّ الكريه الذي لا علاقة له بأي قيم إنسانية؟”.

وأضاف، إن رسالة الميلاد هذا العام لها أهمية مضاعفة، فالبشر يروْن القتل والظلم أمام أعينهم ولا يحرّكون ساكنًا، بل يحتفلون “بالميلاد”، لكنْ دون أنْ يعطوا أي اهتمامٍ للسيد المسيح ورسالته. يجبُ اهداء أطفال غزة عدلًا وسلامًا، وهذا لنْ يحدثَ إلّا إذا انتصرَ العدلُ على الظلمِ وأُجْبِرَ الاحتلال على وقف عدوانه.

عضو الهيئة الإدارية في رابطة علماء الأردن ، مستشار وخبير في الاقتصاد السلوكي الدكتور زايد نواف الدويري، يقول، تأتي الاعياد في الشرائع السماوية لنبذ الحقد و الكراهية بين الناس وقد جاء الإسلام العظيم خاتما لها ليتمم رسالة المسيح بالمحبة و السلام لكن عيد الميلاد يعود والحزن يخيم على بيت لحم وقد غابت كل مظاهر الفرح والبهجة.
فقد ازدادت وطأة الخوف والقتل والإبادة الإسرائيلية ما ولّد عدم الإحساس بالأمان حيث امتدت يد العدوان الآثم لتقتل الآمنين في المساجد والكنائس.

وأشار الدويري الى أن رسالة الميلاد هي التسامح والسلام لكنه يعود هذا العام والمسجد والكنيسة في غزة تحت الركام، لافتا الى أن المسيح عليه السلام الذى أسر قلوب البشر وعقولهم بالمحبة، حارب الخطيئة والظلم الذي يكرسه الاحتلال منذ عقود بالدم والدمار.

الزميلة والكاتبة المختصة بشؤون الحوار والسِلم المجتمعي رلى السماعين، تشير الى أن منطقتنا ما تزال تعيش
منذ زمن طويل تحت وطأة القصف والتدمير والتشرد، وإزهاق أرواح الأبرياء الذين تعطر دماؤهم تراب الارض فيما تتزعزع القيم الانسانية تحت وقع قنابل الاحتلال فهل يستفيق العالم بعد فوات الاوان؟ وكم علينا أن نهب السماء من الشهداء من أجل أرض السلام.

فالقضية الفلسطينية واحدة من أقدم القضايا وأكثرها تعقيدًا في تاريخ البشرية الحديث لكن قطاع قطاع غزة اكتسب تسميته بسبب الظلم المستمر منذ سنوات طويلة بأنه أكبر سجن مفتوح، أما الآن فهو أكبر مقبرة للاطفال يسجلها التاريخ. تقول السماعين.

في هذا العام، تشير السماعين الى تزامن عيد ميلاد السيد المسيح مع سيل الدماء في غزة ولهذا التداخل الزمني معنى عميق. فميلاد المسيح ليس مجرد بشرى للخلاص والمحبة والسلام بين البشر، بل أيضا ليُعين ويَسند ويُعزي كل من هم في ضيقة وألم. وفي خضم الحروب والقتل والدمار جاء المسيح ليقول: “طوبي للحزانى لأنهم يتعزون”، وللمؤمنين في الكنائس والمساجد في غزة والتي دمرت بالاسلحة الفتاكة الحديثة يقول: “افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات”.

من جانبه قال مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام الاب رفعت بدر: مع كل أسف يحل العيد في هذا العام بلا فرح حداداً على أرواح الشهداء الذين ارتقوا في غزة وفي كل أرجاء فلسطين فمظاهر الفرح غائبة مع العدوان الاسرائيلي البشع على غزة.

وأشار الى أن قصف الاحتلال الوحشي لاحق الأبرياء حتى في المساجد والكنائس ولم تسلم منه أم وابنتها على بوابة الكنيسة، لافتا الى أن الأب يوسف أسعد يقيم القداس اليومي في غزة وفي الكنيسة جرحى ومصابون لا يستطيعون الوصول إلى أي مكان للتداوي.

من جانبه قال مدير العلاقات العامة والناطق الاعلامي بدائرة الافتاء العام الدكتور احمد الحراسيس إن ما يقوم به العدو الصهيوني الغادر من قصف للمدنيين وبيوتهم، وتدمير للمساجد والمدارس والمستشفيات، وقطع الغذاء والماء والدواء عن أهلنا في غزة، هو عمل محرّم شرعاً ولا تقرّه الأديان، وتجرّمه القوانين والأعراف الدولية، ومخالفة للقانون الدولي الإنساني، ومواثيق حقوق الإنسان، وكافة المواثيق والعهود الدولية، وقواعد الحرب المتفق عليها بين دول العالم.

ودعا الحراسيس العالم أجمع، مسلمين ومسيحيين، الى نصرة أهلنا في فلسطين بالمال والدعاء، والكلمة الطيبة، ودحض الشائعات المغرضة، وفضح جرائم العدو المخزية، وبذل الجهد لوقف الحرب الهمجية عليهم، وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم.

من جانبها تقول المستشارة النفسية والاسرية الدكتورة حنان العمري، يُطوى عام ونستهل مطلع العام الجديد وفي مطلع كل عام تسطر الاماني وتكتب الأهداف وتطلق عبارات الأمل ويرسم المستقبل ويُستكمل ما قد بُدئ من طموح، لكن عند غزة واهلها الوضع مختلف، فقد اجتمعوا اليوم على هدف واحد هو النصر وأمنية واحدة هي الأمن والسلام، يسطرونها بحبر الدم والألم على أجندة الصبر والعزيمة.

وأضافت، في هذا العام، ضاعت أحلام الأطفال وصارت أقصى امانيهم أن تفقد الحواس وظيفتها فلا يسمعون صوت القصف ولا يشتمون رائحة الدم ولا يشاهدون معالم الدمار ولا يتحسسون جثث شهدائهم. في هذا العام لا كنائس تقرع اجراسها ولا هدايا توضع عند وسائد الاطفال، فوسائدهم التي خبأوا فيها احلامهم وامانيهم باتت تحت الركام.

لقد اختلف مذاق كل شيء في غزة، فالعدوان البربري أنساهم إنْ كان للعيد حلوى، فسيّان ان دخل العام الجديد أو ارتحل ما دامت مدارسهم غدت دورا للنزوح، وما دام الاصدقاء باتوا تحت الحطام والمقاعد التي حفروا عليها اسماءهم باتت وقودا لتدفئ اجسادهم التي انهكها التعب والمرض وبرد الليل القارص.

تمر الأعياد ويمر رأس السنة، تقول العمري، حاملا معه الدمار وصوت انين الاهل في غزة الموجع لكل الإنسانية. أيها العالم: اوقفوا عبث اسرائيل الوحشي بغزة إذا كنتم تؤمنون بأن الدين لله ونحن جميعا من عند الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى