فن

بعيد ميلاده الـ81.. كيف تأثّر الزعيم عادل إمام بالشارع المصري وأثّر فيه؟

رؤيا نيوز  – “ملامحه مصرية تراها كل يوم في الشارع فتشعر بأنه ليس غريبا عن الصورة التي تحتفظ بها في بطاقتك”.. بهذه الكلمات وصف الساخر الراحل الكبير أحمد رجب الزعيم عادل إمام، الذي يفخر دائما بأصوله الريفية. فهو من قرية شها محافظة الدقهلية، إلا إنه ولد في 17 مايو 1940 في الحلمية فتعلم معاني الرجولة والشهامة وعرف مصر الحقيقية، وقال “أنا إفراز الشارع المصري.. خرجت منه وأثر في تاثيرا كبيرا جدا، أنا كبرت في الشارع المصري، وله التأثير الأول على فني وتصرفاتي.. الحارة المصرية في وجداني، إذا كانت الحارة هي البطل الحقيقي في أعمال نجيب محفوظ فإنها في الواقع منبع كل أحاسيسي”.

وأكد عادل إمام في العديد من حواراته أن والده الحاج محمد إمام أعظم كوميديان شاهده في حياته ولقد ورث عنه خفة الظل، بالرغم من أنه كان يعمل موظف في وزارة الداخلية، وهو ما رسخ داخل عادل الكوميديا لتكون جزء من تكوينه. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل لقد كان عاشقا للتمثيل منذ المرحلة الابتدائية، وقال إمام “كان مدرس اللغة الانجليزية الاستاذ مسعود يطلب مني أن أقوم بقراءة مادة الانجليزي ولكن بطريقة تمثيلية، وكان من أوائل الناس اللي شجعوني وضحكوا علي طريقة أدائي”.

وفي الثانوية انضم عادل إمام لفريق تمثيل مدرسة بنبا قادن الثانوية، وأصبح بعد فترة قليلة رئيس فريق التمثيل بالمدرسة، وعندما دخل كلية الزراعة لم يسأل عن مدرجات الدراسة أو القسم الذي سيتنتسب إليه، بل كان سؤاله الأول “أين يوجد فريق التمثيل؟”

وعلي الرغم من أن الزعيم عادل إمام لم يتخرج من معهد الفنون المسرحية، إلا أنه قام بتنمية مواهبه، وقام بشراء كل الكتب التي تتناول فن المسرح وتاريخ الفن لدرجة أن استاذه في كلية الزراعة د. محفوظ غانم قال له بعدما شاهده في حفل الكلية ” اسمع يا عادل يا ابني ماتشتغلش في الزراعة.. احترف الفن هتبقي حاجة كويسة قوي، لكن لو احترفت الزراعة انت مش هتستفيد والزراعة هتبوظ”.

وفكر عادل أمام في كلام استاذه، ولعبت الصدفة دورا كبيرا في هذا الأمر، عندما ضبط صديقه وزميله في الكلية صلاح السعدني وهو يسير في عجل ليقدم أوراقه لمسرح التليفزيون، وكان هذا اليوم هو آخر يوم للقبول، وبالصدفة كان مع السعدني استمارة زيادة فملأها عادل إمام وقدمها، وعندما ذهب لتأدية الامتحان كانت اللجنة مكونة من كبار النجوم مثل الفنان محمد توفيق وعبدالمنعم مدبولي ومحمود السباع، وقدم عادل قطعة من مسرحية “ثورة الموتي” التراجيدية، بعدها قال له محمد توفيق: “أنت ممثل كوميدي ممتاز” فانزعج عادل إمام وفهم أنه سقط في الامتحان، إلا أن توفيق قال له “بالعكس إحنا محتاجين ممثلين كوميدي”.

وتم تحديد الموعد لتوقيع العقد كممثل ضمن الفرقة السادسة بمسرح التليفزيون براتب 20 جنيها شهريا.

اعتقد عادل إمام في البداية أن أبواب الشهرة والمجد تهيأت لاستقباله، ليكتشف بعد قليل أن هناك المئات مثله ينتظرون بل ويتصارعون من أجل الحصول على مشهد أو فرصة للظهور، ومنهم سعيد صالح والضيف أحمد وجورج سيدهم، وطابور طويل في قائمة انتظار الفرصة المناسبة لهم.

ثم تعرف عادل إمام على المخرج الشاب حسين كمال الذي تولى قيادة الفرقة، فتحمس له، ورشحه لدور صغير في مسرحية “ثورة قرية” عام 1962 لمحمد التابعي، مع مجموعة كبيرة من الفنانين منهم رشوان توفيق وعزت العلايلي، وكان الدور لا يزيد علي دقيقة علي المسرح حيث جسد دور بائع عسلية بسيط يقطع المسرح، وهو يقول: “معايا عسلية بمليم الوقية.”

ورغم أن الدور كان صغيرا ولم يشعر به أحد، إلا أن عادل إمام كان سعيدا بتجربته الجديدة التي انتهت مبكرا، فمسرح التلفزيون استغنى عنه هو وعدد من الممثلين بسبب مصوغات التعيين والخدمة العسكرية واشتغل ممثل بالقطعة، وكان يتقاضي 50 قرشا في الليلة وهو مبلغ ضئيل لفنان يريد الظهور برونق خاص، حتي أنه كان يمشي من مسرح الأوبرا بعد العرض حتي العمرانية سيرا علي الأقدام لعدم وجود ثمن تذكرة الأوتوبيس في جيبه.

إلا أن الحظ لعب دوره للمرة الثانية في حياة عادل إمام عندما قابل فايزة عبدالسلام مديرة مسرح “الهوسابير”، وهو جالس أمام المسرح دون عمل، لترشحه للقيام بدور في مسرحية “أنا وهو وهي”، أمام فؤاد المهندس، حيث قدم “دسوقي أفندي” وكيل المحامي، وهو الدور الذي جذبه من القاع، علي الرغم من رفض مؤلف المسرحية سمير خفاجي وشويكار له، إلا أن فؤاد المهندس تمسك به وقال “لا ده مناسب جدا للدور.. أنا أعرف الولد ده من أيام المسرح الجامعي”، لتكون هذه المسرحية اول محطة نجاح في مشواره، ليكتشف بعدها أن هذا الدور اعتذر عنه عدد من الممثلين منهم الدكتور حسن حسين ونبيل الهجرسي ومحمد عوض.وتمكن عادل إمام من فرض شخصيته منذ اليوم الأول للعرض ونال استحسان وتصفيق الجمهور وتشجيع نجوم العرض، وأصبحت كلمته الشهيرة “بلد شهادات صحيح” من أشهر الإفيهات الكوميدية التى انتشرت في الشارع المصرى وحتى الآن.

وبعد نجاح شخصية “دسوقي أفندي”، حصل عادل إمام على عشرات العروض السينمائية والمسرحية لأداء نفس الشخصية، ورغم حاجته الشديدة للانتشار إلا أنه لم يتعجل الشهرة واستخدم ذكائه الفطري في التخطيط لكل خطوة، فشارك في العديد من الأدوار الصغيرة بالأفلام بداية من عام 1966، واستمرت علي مدار 15 عاما قدم خلالها 57 فيلما.

وأطلق النقاد علي هذه الفترة في حياة عادل إمام الفنية بأنها مرحلة الانتشار، بدأت بعد تحويل العرض المسرحي لـ”أنا وهو وهي” إلى فيلم سينمائي عام 1964 حيث رشحه المخرج فطين عبدالوهاب للمشاركة في الفيلم والذي تم تصويره في ستوديو “الأهرام”، وقال عادل إمام: “بعد أول لقطة ضمني فطين لصدره وقالي انت هتبقي شئ جميل جدا.. وعملت معه في أفلام كثيرة إلا أنه توفي قبل أن يقدمني في أول بطولة”.

وبعد هذا الفيلم عرض عليه المنتجين أدوارا كثيرة متشابهة لـ”دسوقي”، وكان هذا أول تحدي حقيقي في مشواره الفني حيث اختار أن يجلس في البيت لمدة عامين بلا عمل، ليعود للظهور مرة أخري في دور مختلف في فيلم “مراتي مدير عام” عام 1966.

وفي تلك المرحلة كان عادل إمام قاسما مشتركا في أغلب الأفلام الكوميدية، في دور صديق البطل، فشارك في 29 عملا من هذا النوع، لم يهتم فيها بمساحة الدور ولا حجمه، مثل “رضا بوند” و”بحبك يا حلوة “و”أضواء المدينة” و”رحلة لذيذة” و”عفريت مراتي” و”7 أيام في الجنة ” و”المراية” وغيرها.

إلا أنه لفت الأنظار إليه في فيلم “نصف ساعة جواز” عام 1969 في دور كومبارس السينما المقهور، وفي نفس العام من خلال فيلم “لصوص ولكن ظرفاء” مع أحمد مظهر، حيث خرج الجمهور من الفيلم وهو يردد الأغنية التي كان يغنيها الزعيم “أنا م البلد دي.. بلدي طنطا.. وأنا احب أعيش أونطة”.

كان عادل يفتخر بهذه المرحلة والأفلام التي قدمها فيها ماعدا فيلم واحد “سيد درويش” والذي قدم فيه صبي العالمة واعترف أن هذا الدور سبب له إحراجا أمام أولاده وهم صغار عندما كان يُعرض علي التليفزيون.

يسرا
وفي الفترة من 1973 إلى 1979، تركزت أدوار عادل إمام ما بين البطولة الجماعية والشبه بطولة، مثل فيلم “البحث عن فضيحة” عام 1973، والذي كان عادل إمام السبب الأول في نجاحه، رغم وجود عدد كبير من النجوم، وكتب النقاد وقتها أنه قادر علي أن يقوم ببطولة فيلم بمفرده.

فقدم عادل إمام فيلمي “البحث عن المتاعب” عام 1975، مع ناهد شريف وصفاء ابو السعود، و”حرامي الحب “مع نبيلة عبيد، إلا أن الغالب علي أفلامه في هذه الفترة كانت أفلام البطولة الجماعية منها “حدث في ليلة الدخلة” و”الأزواج الطائشون” و”الكل عايز يحب” و”حب ممنوع” و”جواز علي الهواء”.

ولكن من أغرب الأفلام التي قدمها عادل إمام في هذه الفترة كان فيلم “زهرة البنفسج” المآخوذ عن قصة أدبية بالاسم نفسه لصاحبها عبدالرحمن الخميسي والذي عرض علي عادل إمام 150 جنيها كآجر، لكن عادل صمم علي 600 جنيه، وأكد أن الفيلم تم تصويره في 3 أيام، في بيت المخرج، ولم يحصل حتى الآن علي باقي أجره، ويعتبره عادل إمام من أسوأ افلام السينما المصرية.

وفي عام 1978 لعبت الصدفة دورها للمرة الثالثة حيث أحدث عادل إمام انقلاب سينمائي غير متوقع من خلال فيلم “المحفظة معايا”، حيث فجر دور “عطوة” النشال الطاقات التي بددها عادل طوال السنوات الماضية. حيث تم الإعلان عن الجوكر الجديد في السينما المصرية، وهو ما تأكد بعد عرض فيلم “رجب فوق صفيح ساخن” والذي يعتبره عادل إمام البداية الحقيقية له كنجم جماهيري، حيث حقق إيرادات خيالية جعلت المنتجون يتهافتون للحصول علي توقيعه، ونشرت العديد من الأخبار بأن منتج الفيلم كان يجمع الايردات في “أشولة ” كبيرة من القماش.

لبلبة
اعتمد عادل إمام بعدها على تقديم نفس الخلطة السينمائية من خلال أفلام “شعبان تحت الصفر” و”غاوي مشاكل” و”رجل فقد عقله”، إلي أن قدم فيلم “كراكون في الشارع” مع المخرج أحمد يحيى، والذي ناقش فيه مشكلة الإسكان، وكان يعتبر من أهم الأفلام التي قدمت في هذا الوقت، ثم فيلم “خلي بالك من جيرانك” والذي ناقش فيه مشاكل الجيران مع الأزواج، وبعد فترة أصبح نجم الشباك الأول في مصر بعد فيلم “سلام يا صاحبي” مع سعيد صالح والذي تربع بسببه عادل إمام علي قلوب الجماهير.

وكانت هناك فترة في حياة عادل إمام أطلق عليها النقاد فترة المخرجين حيث قدم مجموعة من الأفلام الناجحة مثلا مع المخرج سمير سيف منها فيلم “الغول” اللي نزل في نفس توقيت اغتيال السادات، وكان سمير سيف هو السبب في اجتماع سعاد حسني وعادل إمام كاميرته السينمائية، ورغم خوف سعاد حسني وقلقها من الوقوف أمام نجم كوميدي، إلا أنهما عملا معا فيلم “حب في الزنزانة” مع محمد فاضل، ليلتقي عادل إمام بعدها مع المخرج محمد خان في فيلم واحد وهو “الحريف” والذي قدم فيه عادل إمام دور لاعب الكرة الشراب في الشارع.

وكانت هذه بداية الأفلام التي قدمها الزعيم ليثبت بها أنه ممثل يلعب كل الأدوار وليس ممثل كوميدي فقط، منها فيلم “الإنس والجن” من إخراج محمد راضي وبطولته مع يسرا و”حتي لايطير الدخان”، كما قدم شخصيات اقترب خلالها من هموم وطموحات الطبقات المهمشة والكادحة وعبّر عن آلامهم وأحلامهم، فتحول في نظر الجماهير إلى نموذج حي وحقيقي للبطل الشعبي الذي يعتمدون عليه ويبحثون عنه في خيالهم، وكان من بينها مجموعة الأفلام المميزة التي قدمها مع المخرج شريف عرفة والسيناريست وحيد حامد. وبالطبع لا ينسى الجمهور أفلام مثل “الإرهاب والكباب” و”الإرهابي”.

ورغم الهجوم الشديد الذي شنه بعض النقاد على نوعية الأفلام التى يقدمها، لم يهتم عادل إمام كثيرا بالنقد، فالحكم الحقيقي للنجاح من وجهة نظره هو الجمهور وشباك التذاكر فقط. فهو يقدم أفلام للناس وليس للنقاد، ففي فيلم “الهلفوت” الذي قدمه عام 1984، ظل يبحث في الشوارع عن ملابس الشخصية لأنه لم يقتنع بالملابس التي قدموها له في الفيلم، فكان يري أن هناك ملابس أكثر صدقا يرتديها الهلافيت في الحارات، إلى أن وجد في عابدين هلفوت حقيقي يلعب كرة القدم في الشارع ويرتدي تريننج قذر، توقف عادل عنده وأخرج من جيبه 50 جنيها ليحصل علي التريننج.

وناقش قضية توظيف الأموال ثم النصب باسم الدين في “رمضان فوق البركان”، وقضية المخدرات من خلال فيلم “النمر والأنثي”، ويذكر عادل إمام أنه لم يتعاون مع يوسف شاهين، ولكن كان هناك تعاون أوشك على الإتمام عندما كان يوسف يكتب سيناريو فيلم “حدوتة مصرية”، ولكنه اختلف مع شاهين فلم يتم التعاون بينهما، حيث شعر أن التجربة علي روعتها، وأهميتها ستخاصم البساطة والجماهيرية اللذان اعتادهما في كل أعماله. فالثابت أن يوسف شاهين أراد استغلال جماهيرية عادل إمام، ومثلما فعل مع كل النجوم قبله، أراد أن يفرض شروطه فلا صوت يعلو فوق صوته، ولا رأي أمام رؤيته والجميع يعرف أنه فيلم ليوسف شاهين.

لكن عادل إمام سأل واستفسر وطلب نسخة من السيناريو وهو ما قابله يوسف شاهين بدهشة واستغراب فقال عادل إمام: “يا استاذ يوسف أنت فنان عظيم وأنا فنان لي جمهور عريض وأحب أن يصل فني إلى كل الناس وعلي الأقل يجب أن أفهمك أولا لكي أوصل للناس المعني الذي تريده وأعرف ماذا أمثل”، إلا أنه شعر بالغضب وتوقف المشروع.

واليوم مع عيد ميلاده الـ81، مازال وسيظل الزعيم عادل إمام أيقونة مصرية في تاريخ الفن والسينما، لما قدمه سواء من أعمال أو أجيال جديدة من صناع الفن للجمهور، وسيظل حلم لكل ممثل أيا كان حجمه أن يقف أمام النجم عادل إمام ليحصل علي شهادة ميلاد خاصة جدا لجمهور عريض من المحيط للخليج.

ولهذا قالت له يسرا، وهي من أكثر النجمات اللاتي شاركته أعماله، في رسالة عبر “العربية.نت”: “كل سنة والفن بك له ضحكة وبصمة مختلفة، طبعا كلامي لن يكفي ولن يوفي حتي أشكرك على كل درجة سلم صعدتها ونجحت بسبب وجودك وسندك لي في حياتي الفنية والشخصية، مشواري معك من أجمل مشاوير حياتي، فلك بصمة كبيرة فيها، كل سنة وأنت طيب يا كبير وزعيم الضحكة في الوطن العربي ربنا يخليك لنا ويخليك لمصر”.

أما النجمة الأخري التي كان لها حظ كبير لها في التواجد في أعماله فهي النجمة لبلبة، والتي وجهت له رسالة قائلة، عبر “العربية.نت”: “كل سنة وأنت طيب يا أجمل وأطيب قلب، أنا محظوظة علي فكرة مشاركتي لك أجمل أفلامي، وكونّا أجمل ثنائي معا، لدرجة أنه عندما أكون في أي مكان أو بلد وعندما يراني الجمهور يطلب مني أن ألقي التحية عليك دوما، أنا استمتعت وأنا أعمل معك، وأكون مرتاحة جدا عندما أكون بجانبك، ودائما ما أتذوق النجاح ونحن معا، أحب فيك أن قلبك مفتوح لكل الناس، ولاتنسي أبدا أصحابك، وتحب الآخرين وتشعر بهم، حتي في أفلامك تشعر بكل الشعب وبأحزانه وأفراحه، لا يمكن أن أنسي كيف نتعاون معا، وكيف تساعدني بتوجيهاتك حتي نقدم عملا حلوا مع بعض، وفي الوقت نفسه وقفت بجانبي عندما فقدت والدتي رحمة الله عليها، ولا يمكن أن أنسي وقفتك بجانبي، لقد أسعدت الجماهير بأدوارك الرائعة، لقد أضحكت الناس وبكتهم، يا أعظم فنان حب فنه وأخلص له، أنت توأمي الروحي يا زعيمنا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى