اراء

تصريحات رئيس «الأعيان» مهمة وخطيرة

حسين الرواشدة

سواءً فهمنا تصريحات رئيس مجلس الأعيان، فيصل الفايز، في سياق وجهة النظر الشخصية التي تمثله، وتعبّر عن رؤيته للأحداث والقضايا التي نواجهها، أو في سياق حسابات الدولة ومجساتها، باعتباره رئيسا لإحدى إداراتها المهمة، وسواءً جاءت هذه التصريحات في جلسة مغلقة، يفترض أن لا تخضع للنشر، او أن رسائلها تسللت لوسائل الإعلام بشكل مقصود، وفي هذا التوقيت بالذات، فإن ما قاله مهم وخطير، وأكاد أقول : انه وضع الأردنيين أمام المرآة، ليروا صورتهم وأوضاعهم ومواقفهم كما هي، وكما يجب أن تكون، دون أي مجاملة او «مكياج».
‏قبل أن استطرد، أرجو أن يسمح لي «أبو غيث « أن اضع توقيعي على ما قاله، فأنا أعتقد – تماما -أن بلدنا يواجه موجة من «المزايدات «، وأننا الآن وحدنا، ويجب أن نواجه مصيرنا، ونحدد خياراتنا بما يتناسب مع قدراتنا ومصالحنا، لا نملك قرار إعلان الحرب بمعزل عن عمقنا العربي، ولا يجوز أن تأخذنا بعض الأصوات للمغامرة بفتح حدودنا، او إعلان الجهاد.
فلسطين في ضمير الدولة الأردنية، ولم يقدم احد لهذه القضية العادلة اكثر مما قدمه الأردنيون، وما نملكه في هذه الظروف الصعبة هو أدواتنا السياسية والإعلامية والدبلوماسية، وهي تتحرك دائما باتجاه فلسطين، لا القدس فقط، كقضية اردنية أولا، ومن يقول غير ذلك، فهو إما جاحد أو مزاود او منافق، لا يعرف الأردن، ولا يضمر له خيرا.
‏صحيح، جبهتنا الداخلية اصبحت ضعيفة، وحالة مجتمعنا ليست على ما يرام، لقد تعرضنا، خلال السنوات المنصرفة، لمحاولات منظمة لزعزعة وحدتنا وتماسكنا، وهز ثقتنا بأنفسنا وبلدنا، والتشكيك بإنجازاتنا الوطنية، شارك فيها فاعلون محليون معروفون، وآخرون مجهولون.
صحيح، أيضا، لا يوجد لدينا إعلام دولة، يعبر عن قيمها ومواقفها، ولا يوجد سرديات للدولة في أزماتها، ضيعنا فرصا كثيرة لبناء هذا الإعلام الوطني، وساهمنا بإضعافه، مما ترك المجال أمام سطوة «وسائل التواصل « لتملأ هذا الفراغ بعيدا عن المهنية، والضوابط الأخلاقية والمصالح الوطنية، وبالتالي خسرنا على اكثر من جبهة، ليس لأننا لا نملك القدرات والكفاءات الإعلامية، وإنما لأننا تجاهلناها، وتعاملنا معها بمنطق «المأكول المذموم».
‏تصريحات الفايز ومصارحاته صدمتنا، وربما أوجعتنا، لكنها يجب أن تستفزنا لنستعيد توازننا وعناصر قوتنا، ونصحو من غفلتنا، ونغادر منصات اليأس والكراهية، ونحتكم لضمائرنا، ثم نصرخ بوجوه «المعطّلين» و»الفاسدين» بيننا : نحن الأردنيين نستحق أن نكون أفضل مما نحن عليه، وهذه الدولة التي بناها الآباء والأجداد، وتعاضدت فيها ارادة القيادة مع ارادة الشعب، على امتداد 100 عام، تستحق أن تبقى قوية صامدة، وأن نضحي من أجلها بما لدينا من امكانيات، لا ان نترصد بها العاديات، نحن -للأسف -نحصد اليوم ما زرعناه بأيدينا في الأمس، لا أقول ذلك من أجل تقليب المواجع، لكنني أعيد التذكير به، لكي نفهم ما حدث لنا، ونجتهد ونتوافق لتجاوزه.
‏لقد أخطأنا، أقصد إدارات الدولة ونخب المجتمع معا، أخطأنا بالتعامل مع وسائطها السياسية والاجتماعية، أخطأنا بتقدير ذاتنا الوطنية و عنوانها «الكرامة «، أخطأنا حين فرضنا الوصيات على أحزابنا ومؤسساتنا المدنية، أخطأنا في الاقتصاد والسياسة، أخطأنا حين تركنا شبابنا بمرمى نيران البطالة والتهميش والمخدرات، ولم نقدم لهم مشروعا وطنيا يستوعب طاقاتهم، ويستثمر إبداعاتهم.
أخطأنا حين استغل البعض أزماتنا فنفخ فيها، بدل أن نتوافق على «صفر أزمات «، والآن نخطىء اذا تصورنا ان» التحديث» بمساراته الثلاثة سيتم ب»كبسة زر»، أو أن الأحزاب «المعلبة» الجاهزة قادرة على حمل المرحلة القادمة، أو أن « ماراثون «استعادة ثقة الأردنيين يبدأ من التصريحات «المعسولة «، وينتهي بها أيضا.
‏أعرف، كما قال الفايز، انه لا وقت الآن للتلاوم والشكوى، ولا لانتظار المنقذ والمخلّص الغائب، ولا أريد أن أسأل : كيف حدث ذلك، ولماذا ؟ ومن هو المسؤول عنه ؟ المهم أن نبدأ مرحلة جديدة نستعيد من خلالها عافيتنا الوطنية، بجبهة اردنية موحدة، وإعلام قوي، واقتصاد متعاف ومحصن من الفساد، وأن نتعلم من اخطائنا، أما كيف ؟ فلدي ثلاثة عناوين.
الأول : تصحيح العلاقة بين إدارات الدولة والمجتمع على قاعدة المواطنة والانتماء واحترام الكفاءة، الثاني تصحيح مسارات السياسة والاقتصاد على اساس الاعتماد على الذات والعدالة واطلاق الحريات العامة، الثالث ترتيب علاقاتنا مع محيطنا الإقليمي والخارجي بناء على مصالحنا، ووفق إمكانياتنا.
مهمة رجالات الدولة تقديم ما يلزم من اقتراحات، استنادا لمطالب الناس وحاجاتهم وتطلعاتهم، ثم وضعها أمام صانع القرار، اما إدارات الدولة فواجبها ان تطمئننا على أنها تعمل بكل طاقاتها، بانسجام وتكامل، لخدمة الأردنيين، وإعادة بلدنا إلى سكة السلامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى