اراء

جلالة الملك.. رسالة القول والحسم

أ. د. كميل موسى فرام

الرسالة الملكية الموجهة للشعب الأردني على لسان جلالة الملك اليوم، كفيلة بنزع فتيلة القلق والخوف التي رافقت مناقشات مشروعي الجرائم الإلكترونية وقانون ضمان حق الحصول على المعلومات، فكانت هناك مناقشات تشكيك برعاية صالون من الصالونات السياسية الخديجة التي تتبنى السلبية بالتفسير ورسم السياسات، بل وإثارة الغيوم التي تساهم بحجب الحقيقة أو تحريفها بعد أن أصبح الفضاء الإلكتروني فضاءً حراً للتعبير والكتابة والنقد ضمن مفهوم الحرية التي يمكن تفصيلها بأجندات عرابينها، وللتذكير، فقد كتبت العديد من المطالبات للسلطات الرسمية بضرورة ضبط الانفلات الإعلامي الذي يمارسه البعض عبر وسائل التواصل الإجتماعي لأنه يفتقد لأدنى درجات الانضباط والالتزام والاختصاص، فمارس البعض درجات الخبرات المتقدمة والفتوى بغير علم أو معرفة أو دراية؛ محاكمات شعبية لشخصيات سياسية بهدف الاغتيال أو تخليص حقوق يعتقد بأحقية ملكيتها، تعظيم السلبيات إن وجدت أحيانا لظروفها الخاصة بصفة التعميم والاساءة، محاولة استغلال البعض باستخدام أساليب التهديد والمقايضة، إيجاد أرضية لممارسة أشكال الابتزاز واقتناص الفرص بغير وجه حق، تشويه سمعة الوطن بأمثلة فردية لأشخاص لا تمثل السلوك الجماعي أو الحقيقة، ومحاولة الاعتداء على هيبة الدولة الأردنية بالاستقواء ببعض القوى الخارجية المغرضة.

نحن نعلم جيدا باختيار التوقيت المناسب للتدخل الملكي الحاسم بالقول والفعل بجميع القضايا الخلافية ولدينا من الأمثلة الواقعية في الذاكرة الأردنية، فمناشدات النشامى لصاحب الرؤية الثاقبة للتدخل بسبب التباين بوجهات النظر حيال القانونين، قد جاءت بالتوقيت المناسب بعد مرورها بمراحلها الدستورية احتراما لمؤسسات الدولة الأردنية وسلطاتها، والتي جاءت بعد مخاض طويل مع فئة الأقلام الملونة والمتغيرة بدون ثوابت والتي تجد في تدمير مفهوم الأسرة والعائلة إمتدادا للوطن والدولة ارضها الواسعة لممارسة مفهوم الحرية، الذي ابتعد عن أصوله وجذوره، وهي (أي هذه القوانين) قابلة للمراجعة والتعديل أو بفرض إساءة الإستخدام عند التطبيق كما قال جلالة الملك، واعتبر جلالته أن تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية سيكون العامل الحاسم في الحكم عليه ومراجعة بعض بنوده، بالتعاون مع الجميع، كما هو الحال في باقي التشريعات. كلام واضح جدا لا يحتاج للتفسير ولا يحمل أكثر من معنى، بل رسالة إطمئنان مغلفة بالحرص الأبوي على شمول جميع أبناء الوطن بالاستقرار والأمان، فالملك قالها بصريح العبارة بأن الأردن ليس دولة تعسفية ولن يكون أبدا، «وتاريخنا يشهد على ذلك».، ومراجعة أمينة للتاريخ الهاشمي توضح اعتماد سياسة متقدمة بالتعامل وأساسها » لن يظلم أحد على أرض المملكة الأردنية الهاشمية».

«كلنا متفقون على ضرورة مواجهة الإساءات التي تخالف الأخلاق والقانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي». عبارة ملكية اختصرت الوقف وحسمت النقاش، فهناك انفلات غير مهني يعتمد التزييف، وتتعدد أسماؤه وفصوله ودرجاته، يترجمه البعض على صفحاته الشخصية بإسمه الصريح أو أسماء منتحلة، يمارس فيها درجات متقدمة من الحشرية والجهل حتى لو تسبب ذلك بتدمير الروابط الأسرية وتفكيك مفهوم العائلة؛ لبنة البناء المجتمعي، حيث متابعة جلالته للنقاش الدائر حول قانون الجرائم الإلكترونية، بتأكيده أن مكافحة هذه الجرائم يجب ألا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن رأيهم أو انتقاد السياسات العامة، بهدف بناء يبتعد عن شخصنة الأمور أو الاستقواء، فهيبة المواطن تنعكس من هيبة الدولة وسلطاتها، والانتقاد الايجابي لتصحيح رؤية أو مسيرة أو وقف نخر بالبناء، لن يكون نقطة خلافية، فدولة القضاء المستقل قادرة على ايجاد المساحة المناسبة للتعبير، باسلوب المصارحة وتقديم الدليل والبعيد عن التحريض بما يتعارض مع مفاهيم الحرية الشخصية التي يستخدمها البعض كسلاح لطعن الأمانة والنزاهة، واستبدال غراسها بمستجدات ومفاهيم بعيدة عن أخلاقنا ومجتمعنا، على أن أؤكد بوطنية البعض للمعارضة التي يؤمن فيها ونحترمها.

حق الحصول على المعلومة الصحيحة هو حق مقدس يضمنه الدستور والقوانين والأنظمة التي تنظم عمل مؤسسات الدولة الأردنية، وهو واجب على مالك صاحب المعلومة بتوضيحها بسياقها الصحيح الذي يروي شجرة الصدق في بستان الوطنية الخصب، ونحن نعلم جميعا أن تبني البعض لأساليب التحريف ونشر الاشاعات الكاذبة من رحم الأوهام، سيكون بمردود سلبي على المصداقية والاستقرار لتشويه محاولات الدولة بجذب الاستثمار، فمحاربته تتطلب جهودا كبيرة وتعاون الجميع، كما أنه ليس حقا لأحد لممارسته وفرضه بالصورة التي يراها ويتبنى الدفاع عنها بعناوين سمعت وعلمت من مصادر موثوقة لتشويه الصورة المثالية للوطن باستخدام تقنيات الدبلجة الكلامية وتغيير معالم الصور الحقيقية، وربما أراد جلالة الملك أن يؤكد القول بوصول ملاحظات حول المشروع قابلة للمناقشة والتعديل، فكان أن وجه الحكومة إلى مراجعة مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، بما يكفل حق الجميع في الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة وبشكل سريع مما يساهم في الرد على الإشاعات والأخبار الكاذبة.

كلمات مختصرة توضِّح وتبعث برسالة إطمئنان وتأكيد بأنه لن يكون هناك ظلم على الأرض الأردنية، لتحسم الخلاف وتصهر الهواجس وتلبي النداء للتدخل بالقول والحسم، فنحن أمام مرحلة حرجة يستغل البعض فيها التقنيات التكنولوجية الحديثة بمفاهيم متجددة وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى