الاخبار الرئيسيةمنوعات

حجاج بيت الله الحرام تلهج ألسنتهم بالدعاء للأمة

 في هذا اليوم العظيم، يوم عرفة المبارك الذي يصادف اليوم السبت، تتوحد قلوب المسلمين في كل مكان بالذكر والدعاء، وفي مقدمتهم حجاج بيت الله الحرام الذين يقفون على صعيد عرفات، يتضرعون إلى الله، ويناجونه بالفرج والرحمة، وترتفع الأصوات ملبية نداء حال أهل غزة الذين يعيشون ظروفا قاسية بسبب العدوان الإسرائيلي على القطاع فهم أحوج ما يكون في هذا اليوم العظيم بالدعاء لهم بان يثبتهم الله في هذه المحنة العصيبة.

الحجاج وهم في هذا اليوم الذي يوحدهم على اختلاف ألوانهم وألسنتهم في صعيد واحد، وبثوب واحد يدعون الله، ويتقربون إليه، كالبنيان المرصوص يشد بعضه البعض، ويعطف بعضهم على بعض، ويتراحمون فيما بينهم في أبهى صور العظمة والإنسانية والتضامن، مغتنمين الفرصة بالدعاء لإخوانهم المسلمين، سائرين على نهج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في التضامن والتكافل كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة ومدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور إسماعيل فواز الخطبا، قال  نستقبل يوم عرفة اليوم التاسع من ذي الحجة، وذكر الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- سبب تسميته بهذا الاسم “..لأن الناس يتعارفون فيه”. وقد أقسم الله به في قوله تعالى: ? وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ? البروج: 3. فالشاهد هو يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: ? وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر? الفجر: 3، قال ابن عباس: “الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة”.

وأضاف: انه يوم عظيم، يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ) صحيح ابن حبان.

وأشار إلى أنه في مثل هذا اليوم العظيم (يوم عرفة) خطب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس، وهو على راحلته، خطبة عظيمة؛ لأنها تحمل رسائل عظيمة إلى الناس كافة في أرجاء المعمورة، وإلى قيام الساعة. فقال صلى الله عليه وسلم :” إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا…، ودماء الجاهلية موضوعة…. فاتقوا الله في النساء…. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكبها إلى الناس – أي يميلها إليهم – اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات”.

واستكمل حديثه قائلا:” لا بد لنا، وأن نقف بعض الوقفات مع هذا اليوم العظيم ومع خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، لنعيش في أفياء هذه الكلمات النبويات الشريفات في تلك اللحظات المباركات من خطبته صلى الله عليه وسلم”، إذ خاطب الناس كافة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بُعث لهداية الناس كل الناس. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ((13)) [الحجرات: آية 13]” .

كما أنه في تحريم الدماء رسالةً قوية للناس عامة، وللمسلمين خاصة بأن يبتعدوا عن سفك الدماء وانتهاب الأموال، وهذا مما يؤكد حرمة الدماء والمحافظة على الأموال؛ وهما من مقاصد الضروريات الخمس التي جاء الإسلام ليحافظ عليهما، فضلا عن تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمور الجاهلية، لأنها خطر جسيم على الناس أجمعين، فهذه رسالة إيمانية تخاطب كل الناس بالابتعاد عن كل ما لا يرضاه الله -سبحانه وتعالى- ونبيه -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال والعادات والتقاليد السيئة، بحسب الخطبا.

وتابع أن رعاية النساء والعناية بهن مطلب شرعي إيماني، فالإسلام كرّم المرأة ورفع من شأنها، ولن تجد النساء أرحم من الإسلام في تكريمهن في الدارين في الحياة وبعد الممات.

وأشار إلى أنه مما يسنُّ في يوم عرفة صيامه؛ فإنّ صيامه يكفّر ذنوب سنتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم؛ فليحرص المسلمون الذين ليسوا واقفين على صعيد عرفات على صيام هذا اليوم المبارك لنيل مغفرة الله تعالى ورضوانه.

وأوضح أن يوم عرفة يومٌ يرجى إجابة الدعاء فيه، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ رواه الترمذي، فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولِوالديْه ولأهله وللمسلمين، فينبغي للمسلم أن يكثر في هذا اليوم المبارك من الدعاء، فيدعو الله -تعالى- بالمأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستحب أن يدعو لنفسه ولأهله، ولقضاء حوائجه، وللمسلمين.

وقال:”لا ننسى الدعاء لأهلنا في غزة وفلسطين والقدس والضفة أن يحقن الله دماءهم، وأن يرحم شهداءهم، وأن يداوي جراحهم ومرضاهم، وأن ينعموا بالأمن والأمان، وأن يحفظ الله تعالى بلدنا الأردن سخاءً رخاءً في ظل قيادته الحكيمة المظفرة”.

الناطق الإعلامي لدائرة الإفتاء العام، الدكتور أحمد الحراسيس، قال:”إن الحج إلى بيت الله الحرام فريضة على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فالحج عبادة كغيرها من العبادات لها سنن وواجبات وأركان، ومن أركانها: الوقوف بعرفة، وهو أهم ركن فيها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) [سنن الترمذي]؛ لأن من فاته الوقوف فيها فاته الحج لهذا العام، ويوم عرفة والوقوف فيه له أهمية كبيرة ومنزلة عالية رفيعة في ديننا الإسلامي؛ لذلك يحسن بالمسلم أن يعرف فضله العظيم الذي ورد في الكتاب والسنة”.

وأوضح أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وعرفة اسم للمكان الذي يقف فيه الحجاج، وهو على نحو 23 كيلومترًا تقريبًا شرقي مكة، وقد تعددت الأقوال في سبب تسميته بهذا الاسم، وأشهرها: “أنه مشتق من المعرفة، وفيه ثمانية أقوال منها: الأول: أن آدم وحواء التقيا بعرفة فعرف أحدهما صاحبه، فسمي اليوم عرفة، والموضع عرفات، وثانيها: أن آدم علمه جبريل مناسك الحج، فلما وقف بعرفات قال له: أعرفت؟ قال نعم، فسمي عرفات، وثالثها: أن جبريل كان علم إبراهيم -عليه السلام- المناسك، وأوصله إلى عرفات، وقال له: أعرفت كيف تطوف وفي أي موضع تقف؟ قال نعم. والقول الثاني: في اشتقاق عرفة أنه من الاعتراف؛ لأن الحجاج إذا وقفوا في عرفة اعترفوا للحق بالربوبية والجلال والصمدية والاستغناء، ولأنفسهم بالفقر والذلة والمسكنة والحاجة، ويقال: إن آدم وحواء عليهما السلام لما وقفا بعرفات قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، فقال الله سبحانه وتعالى: الآن عرفتما أنفسكما. والقول الثالث: أنه من العَرْف وهو الرائحة الطيبة؛ قال تعالى: {(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)) [محمد: آية 6] أي طيبها لهم، ومعنى ذلك أن المذنبين لما تابوا في عرفات، فقد تخلصوا عن نجاسات الذنوب، ويكتسبون به عند الله تعالى رائحة طيبة” [الرازي، مفاتيح الغيب، 5/ 325 بتصرف].

ولفت إلى أن يوم عرفة له من الفضائل ما يجعله يوماً من أيام الله تعالى الخالدة، ومن هذه الفضائل العظيمة: انه اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه العهد على بني آدم، فعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: {(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)) [الأعراف: آية 172،173].

وأشار إلى أن يوم عرفة هو أحد أيام شهر ذي الحجة الذي هو من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى بقوله: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)) [التوبة: آية 36]، والأشهر الحرم هي (المحرم وذو القعدة وذو الحجة ورجب)، كما أنه أحد الأيام التي أقسم الله تعالى بها فقال: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3] و”الشفع: يوم النحر، والوَتر: يوم عرفة”. [الطبري، جامع البيان، 24/ 398]. وجاء في قول الله تعالى: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3] و”الشاهد هو يوم الجمعة، ومشهود وهو يوم عرفة”، [الطبري، جامع البيان، 24/ 333].

وأوضح أنه أحد الأيام العشرة الأول من ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة عند الله تعالى في عظم الأجر والثواب؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟) قالوا: ولا الجهاد؟ قال: (ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) [صحيح البخاري]، وعند أبي داود: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء) [سنن أبي داود].

ولفت إلى أنه اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم فيه النعمة؛ قال الله تعالى: {(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: آية 3]، يقول ابن كثير: “هذه أكبر نعم الله عز وجل على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق، وصدق لا كذب فيه ولا خلف” [تفسير ابن كثير، 3/ 26]، وهذه الآية نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يوم عرفة، ففي قصة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)) [المائدة: آية 3]، فقال عمر: “قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم بعرفة يوم جمعة. [البخاري: صحيح البخاري].

وتابع: أنه يوم يكثر فيه العتق من النار، ويباهي الله -عز وجل- بأهل الموقف الملائكة، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟( [صحيح مسلم]، وروى المنذري عن أنس -رضي الله عنه- قال: وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: (يا بلال أنصت لي الناس)، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس فقال: (معشر الناس أتاني جبرائيل -عليه السلام- آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله -عز وجل- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات)، فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: (هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة)، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كثر خير الله وطاب” [المنذري، الترغيب والترهيب].

وبين أنه اليوم الذي إذا صامه المسلم، فإنه يكفر ذنوب سنتين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده)، [صحيح مسلم]. ومعناه كما يقول النووي: “معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر.. وإن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات” [شرح النووي على مسلم، 8/ 51 بتصرف].
وعن حكم صيام يوم السبت منفرداً إذا صادف يوم عرفة، قال:”فيسن صيام يوم عرفة ولو صادف يوم السبت، ولا كراهة في ذلك سواء صام يوماً قبله أو لم يصم؛ لأنه من النفل المؤقت بوقت معين”.

وقال: ” إن دعاء يوم عرفة هو خير الدعاء على الإطلاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) [سنن الترمذي]. لذا ينبغي على المسلم أن يستغل هذا اليوم العظيم في الدعاء وخاصة الأدعية الجامعة، ولا حرج في أن يخص نفسه ومن يحب بالدعاء، ولابد أن نخص إخواننا في غزة بالدعاء في هذا اليوم العظيم أن ينصرهم ويثبتهم، فالدعاء لهم من أولى الواجبات”.

وأضاف: أنه من مفاخر المسلمين وأعيادهم؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) [سنن الترمذي]، كما أنه أعظم الأيام عند الله تعالى في مغفرة الذنوب وخاصة العظام منها، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) [صحيح ابن حبان]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رئي الشيطان يوما، هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ، منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر)، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: (أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة) [موطأ الإمام مالك].

وقال: لا بد أن نزرع في قلوب أبنائنا وعقولهم أن هذه الأمة أمة واحدة لما يشاهدونه في يوم عرفة من اجتماع الحجاج في صعيد واحد، بلباس واحد، يدعون ربا واحدا فلا أبلغ من هذا المشهد لتعزيز الإيمان بالله وحسن التوكل عليه.

أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية الشريعة في جامعة آل البيت الدكتور عماد عبد الكريم سليم خصاونة، قال يعد يوم عرفة من خير أيام الدنيا وأحبها وأفضلها عند الله تعالى، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، أحد أيام العشر من ذي الحجة، وهي أيام مباركات، ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لبيان فضلها، ولنقف على معانيها، ولنغتنم الأعمال الصالحة فيها.

فيوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم استجابة الدعوات، ويوم تتنزل فيه الرحمات، فيجب على المسلم أن يجتهد فيه، ويكثر من الطاعات لما له من خصائص بينات، ومنها:أن الله -سبحانه وتعالى- أكمل الدين وأتم النعمة في ذلك اليوم، فقال تعالى ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)) [المائدة: آية 3]}، وأقسم الله تعالى بذلك اليوم، فقال تعالى {وليال عشر، والشفع والوتر} وقال تعالى {وشاهد ومشهود}، وهو يوم تشهده الملائكة والناس على الحج ومناسكه.

فهو أكثر أيام الدنيا مغفرة وعتقا من النار، فقال صلى الله عليه وسلم (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله -عز وجل- فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة)، فينبغي للمسلم أن يكثر من ذكر الله تعالى فهو مفتاح الأعمال الصالحة، فقد صح أن ابن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنهما- كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، وفقا للخصاونة.

وأشار إلى أن من أهم مقاصد هذا اليوم العظيم بيان مظاهر عالمية الرسالة، فيجتمع الناس على اختلاف ألوانهم وألسنتهم في صعيد واحد، ويدعون ربا واحدا، ويلبسون ثوبا واحدا، لتتجسد الأخوة الإنسانية بأعلى قيمها، فيشعروا بالمساواة وأنه لا فضل لأحدهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، فتتألف القلوب وتتحد المشاعر، فيشعر الجميع بأنهم جسد واحد مع تنوع مكوناتهم واختلاف خصائصهم، فيساند بعضهم بعضا، ويعطف بعضهم على بعض، ويتراحمون فيما بينهم فالذي في مشعر عرفات الخير يشعر مع المسلمين، ويغتنم الفرصة بالدعاء لهم، قال صلى الله عليه وسلم (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فأكثر الذكر بركة، وأعظمه أجرا، وأقربه إجابة في هذا اليوم المبارك.

وبين أنه في هذه الأيام يستشعر المسلم ما يشعر به أهل غزة وما يعانونه من الظلم والتجويع والتخويف، فيساندهم ويناصرهم بالدعاء لهم أن يثبتهم الله تعالى ويمكن لهم، داعين الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظ بلدنا الأردن، حرا، عزيزا، كريما، آمنا، مطمئنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى