احداث اقتصاديةاقتصاد

خبيران اقتصاديان يحذران من أن استمرار رفع سعر الفائدة يحبط نمو الاقتصاد

حذر خبيران اقتصاديان، خلال ندوة في معهد الشرق الأوسط للإعلام والدراسات السياسية (MEMPSI)، من الاستمرار في رفع سعر الفائدة، وهو ما من شأنه أن يحبط النمو الاقتصادي.

وأجمعا في الندوة حول “رفع أسعار الفائدة على الدينار الأردني ما له وما عليه”، على أن التضخم في الأردن مستورد من الخارج، نظراً لاعتماد السوق الأردني على المستوردات الخارجية للسلع والبضائع والتي ارتفعت أسعارها عالميًا بنسب كبيرة.

وشارك في الندوة نائب رئيس الوزراء الأسبق يوسف منصور ومدير عام جمعية البنوك الأردنية الأسبق عدلي قندح، وأدارها مدير عام وكالة الأنباء الأردنية السابق فايق حجازين.

وقال المشاركان في الندوة، إن رفع الفائدة هي من أدوات كبح التضخم الاقتصادي، لكنها ليست الأداة الرئيسية، خصوصًا وأن المشهد في الأردن يختلف عن الولايات المتحدة الأميركية التي تشهد انخفاضا واضحا لمعدلات البطالة وارتفاع نسبة التضخم جراء المبالغ المالية الكبيرة التي ضختها الحكومة الأميركية في السوق أثناء جائحة كورونا، بينما يشهد الاقتصاد الأردني تباطؤا في النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة وازدياد التضخم لارتباطه بالمستوردات.

وأجمعا على أن اقتصاد الأردن لا يحتمل الاستمرار في رفع أسعار الفائدة؛ وأشاروا إلى أن رفع أسعار الفائدة ألحق ضررا بالمقترضين؛ لأن الأقساط البنكية التي يتم تسديدها تذهب لإطفاء الفوائد دون التسديد من أصل المبلغ المقترض.

وأكدا بأن رفع الفائدة بواقع 9 مرات خلال الفترة الماضية خدم أصحاب المال والحق الضرر بالمقترضين.

وأشارا إلى تضرر قطاع الإسكان من الزيادة بأسعار الفائدة؛ لأن ” استئجار الشقة غدا أوفر من الشراء في ظل الزيادات التي تم فرضها على المقترضين دون مراعاة الحماية الاجتماعية للمقترضين”.

وقال منصور “يطالب المستهلكون والتجار البنوك بتأجيل سداد قروضهم الشهرية، وقد أيد هذا الطلب ومبرراته مجموعة من البرلمانيين، وبالمقابل كان هنالك حجج تبدو موضوعية بالرفض من قبل المصرفيين أنفسهم، والعديد من النقاد. ولقد اكتسب هذا النقاش زخمًا خلال شهر رمضان المبارك وعطلة العيد المقبلة”.

وأضاف” رفع البنك المركزي الأردني سعر الفائدة الرئيسي من 2.5% في 3 آذار 2010 إلى 7% في 26 آذار 2023. ووفقًا لقاعدة بيانات البنك المركزي الأردني، فإن سعر الفائدة الجديد (7%) هو الأعلى منذ عام 2017، ليبلغ التصعيد في سعر الفائدة 4.5% من خلال تسع زيادات أطلقها البنك المركزي خلال الفترة المذكورة.

وتابع “في المقابل، كانت الأسباب المعلنة لهذه الزيادات سببين؛ أولاً، الحفاظ على جاذبية الدينار الأردني بالنسبة للدولار الأمبركي واستمرار سعر الربط بين الدولار والدينار منذ العام 1995، ثانياً، لمكافحة التضخم يخضع كلا السببين للنقاش، فهنالك دليل عملي قوي على أن الحفاظ على هامش سعر الفائدة بين الدينار والدولار الأميركي غير فعال في جذب الودائع بالدينار، مقابل الودائع بالدولار، خاصاً عندما يكون معدل النمو الاقتصادي الحقيقي منخفضًا”.

“وبعبارة أخرى، فإن الهامش التفضيلي الضئيل بين العملتين يكون دافعاً هزيلاً في الدفاع عن جاذبية أي عملةٍ، عند مقارنته بما يمكن خسارته في حال انهيار العملة، والذي يتخطى عادةً هذا الهامش بنسبة كبيرة. أي أنه في حال سقوط عملة ما كما حصل في تركيا في الثمانينيات مؤخراً وارجنتينا ومصر، كان بنسب أرقام مزدوجة. لذا، فان الهامش بين الدولار والدينار يكون أقل فاعلية في الدفاع عن عملةٍ إذا كان معدل نمو الاقتصاد الكلي بطيء” وفق منصور.

وأشار إلى أن هامش سعر الفائدة بين الدولار والدينار يصبح فعالاً في جذب الودائع بالدينار عندما يكون الاقتصاد ومعدلات نموه في وضع جيد وهو ما حدث في الفترة 2008- 2004؛ أي أن التفاؤل الذي يتسبب به معدلات نمو اقتصادية مرتفعةٍ يقود الناس إلى جعل ودائعهم بالدينار بدلا من عملات أخرى للاستفادة من هامش سعر الفائدة التفضيلي، حيث إن العقلانية تقودهم إلى وضع ودائعهم بالدينار لارتفاع الفائدة على الدينار بالنسبة للدولار.

وأوضح منصور بأن الحجة الثانية وهي مكافحة التضخم ورفع سعر الفائدة كالوسيلة لمحاربته، فإن الحجة المستخدمة ليست دقيقة تماماً. فعلى الرغم من أن رفع سعر الفائدة قد يؤدي إلى تقليص المعروض النقدي وبالتالي تقليل السيولة في أيدي الناس، ففي حالة الأردن، أحد أكثر البلدان تحريرا للتجارة، حيث تشكل الواردات ما يقارب ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، ينبغي للمرء أن يأخذ بالحسبان أن ثلثي التضخم مستورد، تقرر أسعاره دول العالم المصدرة للأردن.

– أمر غير صحي –

وتابع “بما أن الاقتصاد مترابط ولا يمكن تحريك أحد مدخلاته أو جوانبه دون التأثير في كافة المدخلات الأخرى، فإن رفع سعر الفائدة سيزيد من تكلفة الإنتاج، ويقلل من تدفق الاستثمار، ويقلل من الطلب على السلع التي تشكل جزءاً كبيرا من الدخل كالعقارات مثلاً، وبالتالي يقلل من معدلات النمو الاقتصادي مع عدم التأثير على التضخم في حد ذاته”.

وأورد منصور مثالا، قال فيه “في حين ارتفع مؤشر الإنتاج الصناعي في آذار 2023 بنسبة 0.9%، ارتفع مؤشر أسعار المنتجين أيضًا بنسبة 3% (والذي يشكل حالة شاذة في اقتصاد إنتاجي)، وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3.91%، أي أن رفع سعر الفائدة لم يخفض من التضخم كما يعتقد البعض”.

وأشار إلى أن الأردن يختلف عن الولايات المتحدة، حيث لا يُسمح للبنوك هناك برفع سعر الفائدة على القروض السابقة، فعندما يأخذ شخص ما قرضًا بسعر الفائدة القديم، لا يتأثر قرضه بزيادة سعر الفائدة، بينما يتأثر فقط أولئك الذين يرغبون في الاقتراض من جديد. ولكن في الأردن “يرتفع سعر الفائدة على كل من القروض القديمة والجديدة. وهو أمر غير صحي أو صحيح على الإطلاق”.

وضرب مثالا آخرا، قال فيه “فلننظر الى مثال حقيقي؛ حصل أحد الزملاء في العمل على قرض لمدة 30 عامًا بقيمة 37 ألف دينار أردني وبنسبة فائدة بلغت 5.75% قبل عامين. نتيجة رفع سعر الفائدة من المركزي قام البنك المقرض برفع سعر الفائدة إلى 9.45%، أي بزيادة قدرها 3.7% أو65% من الفائدة الأصلية. لم يقم البنك بزيادة أقساطها الشهرية فقط بل قام أيضاً برفع فترة السداد بما يقارب عامين، وحتى لو فازت زميلتي باليانصيب وأصبحت قادرة على سداد القرض مبكرًا، سيتعين عليها دفع المبلغ بالكامل، بالإضافة إلى جميع مدفوعات الفائدة، حيث إن البنوك في الأردن تخصم أيضًا مدفوعات الفائدة أولاً، وهي ممارسة سخيفة. البنوك لدينا لا تخسر أبدا”.

وأضاف أن “عبء مخاطر القرض كاملة، والذي عادةً ما يكون مضمونًا بممتلكات عقارية تتجاوز بكثير قيمة القرض، ويقع على عاتق المقترضين وليس على البنوك. كما أن البنوك لا تحتاج إلى الاقتراض من البنك المركزي الأردني؛ لأن لديها ودائع كبيرة بالدينار والدولار، خاصة وأن الأردنيين أصبحوا يتجنبون أسواق الأسهم والعقارات لصالح الودائع المصرفية وفوائدها”.

“بما أنها لا تقترض من البنك المركزي فلماذا ترفع سعر الفائدة حين يرفعها المركزي؟ طبعا الإجابة معروفة زيادة الأرباح”، وفق منصور.

وأشار إلى أنه “من مبدأ المنافسة مع الآخرين والسعي وراء توسيع قاعدة العملاء؛ فإن من المنطقي أن يفعل ذلك بنك واحد على الأقل أو أكثر. ولكن إذا تحركت البنوك بتوافق مع عدم تأجيل الدفعات قد يعتبر البعض هذا التصرف إشارة إلى وجود نوع من التواطؤ الضمني بين البنوك، وهو أمر غير قانوني بموجب قانون المنافسة الأردني وضار بالاقتصاد”.

– تأجيل السداد غير ضارٍ بالبنوك –

وفي رده على سؤال: هل تأجيل سداد القرض (بفائدة) مجزٍ للمقترضين؟، قال “يعتمد، فبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في الاستهلاك والإنفاق الآن (رمضان والعيد مناسبتان لزيادة الإنفاق، تليهما فترة من الفقر الإضافي المؤقت) بأي ثمن، يجب أن يكون لديهم الخيار. أما من ناحية البنوك فهم لا يخسرون شيئاً، بل في الواقع يكسبون. أما إذا كان المرء مقتصدًا حتى في الشهر الكريم وموسم الأعياد، فمن الأفضل له عدم زيادة الإنفاق وكلفة الاقتراض الآن”.

وفي رده على سؤال نصه “هل من الجيد للناس من الناحية الاقتصادية أن يؤجلوا المدفوعات الآن لتمكينهم من الإنفاق أكثر حالياً؟” قال منصور “بالطبع نعم، حيث سيؤدي الطلب المتزايد إلى زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، حتى لو كانت الزيادة بصورة مؤقتة، ففي كل الدول، وكما هو معروف إحصائيا، ينفق الناس أكثر خلال الأعياد الدينية أو الوطنية المختلفة، فيتنشط الاقتصاد مع ازدياد الطلب خلال هذه الفترات ثم تنخفض وتيرة النشاط مع تراجع الاستهلاك بعد هذه المناسبات.

وأوضح أن القطاع المصرفي غير متضرر ليرفض تأجيل الدفعات، موضحا أن القطاع نما بالأسعار الثابتة خلال السنوات الأربع الماضية بمعدل متوسط 3.5٪، وفي عامي2021 و2022، نما بنسبة 4.2% و4.4% على التوالي، بينما بلغ معدل نمو الاقتصاد 2.2% و2.5% في ذات الفترة.

وأضاف “في عام 2020 كان القطاع المصرفي هو الأقل تأثراً من بين كافة القطاعات بجائحة كورونا، حيث نما بنسبة 3.1% بالأسعار الثابتة، ونما الاقتصاد بنسبة سالب 1.3%”.

وأكد منصور أن “طلب تأجيل السداد أمر غير ضارٍ بالبنوك، ويدر عليها عائدات إضافية، وحسب قواعد المنافسة يشذ أحد البنوك على الأقل عن القاعدة، ونظراً لوجود الطلب على التأجيل، وعدم وجود مخاطر إضافية على البنوك، وبما أن البنوك لا تعاني من معدلات نمو وأرباح منخفضة، فان المنطق يقول بأنه لا ينبغي أن يكون تأجيل الدفعات أمرًا مثيرًا للجدل”.

ورأى المختص الاقتصادي والمالي، عدلي قندح، أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة جاء “للمحافظة على هامش فائدة بين أدوات الدينار والدولار لصالح الدينار”.

وقال قندح، إن “غالبية قروض الأفراد (63%) المقدمة من البنوك التي تشكل نحو 30 إلى 35% من إجمالي التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك تحمل أسعار فائدة ثابتة، ولا تتأثر بالتغيرات الحاصلة في أسعار الفائدة الرسمية”.

وأشار إلى أن البنك المركزي طلب من البنوك “تثبيت قيمة قسط القرض إلا إذا لم يرغب المقترض، وذلك للتخفيف من أعباء رفع أسعار الفائدة، وذلك عن طريق تمديد فترة السداد وغيرها من الآليات”.

ومستندا إلى نتائج تحليل، قال قندح، إن “البنوك لم تعكس بالكامل الارتفاعات التي حصلت على أسعار فائدة أدوات السياسة النقدية المختلفة على أسعار الفائدة على الودائع بمختلف أنواعها خلال الربع الثاني من عام 2022”.

وبحسب قندح، فإن الزيادات على أسعار فائدة الودائع بكافة أشكالها “تشكل مصادر دخل لأصحاب الودائع، ولكنها بنفس الوقت هي ارتفاعات في تكاليف أموال البنوك والتي تعتبر مكونا أساسيا ينعكس في تسعير مختلف أنواع التسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك للعملاء من أفراد وشركات صغيرة ومتوسطة وشركات كبيرة”.

ورجح قندح، دخول الاقتصاد العالمي، الذي تعرض لصدمات خلال عقدين ماضيين، بما يسمى بظاهرة “الركود التضخمي” بسبب تداعيات أزمة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى