Categories: اراء

دائرة الآثار العامة الأردنية إلى أين؟

أ.د. زيدان كفافي – رئيس جامعة اليرموك

بعد خروج الصليبيين من جنوبي بلاد الشام بعد هزيمتهم في معركة حطين التي وقعت يوم السبت 25 ربيع الثاني من عام 583 للهجرة الموافق للرابع من تموز من عام 1187 ميلادية استمر الغربيون على تواصل مع الأرض المقدسة عن طريق الرحالة والمستكشفين الذين قدموا تقاريرهم للمؤسسات الدينية التي مولت رحلاتهم، بل وأشرفت عليها. وتطور الأمر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر من مجرد بعثات استكشافية متفرقة إلى إجراء تنقيبات أثرية عشوائية. رافقها في الوقت نفسه قيام القناصل الأوروبيين، خاصة في العراق ومصر، بشحن كثير من آثار هذين البلدين إلى بلدانهم لعرضها في متاحفهم هناك. إضافة لهذا، قررت الكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا إنشاء صندوق لدعم الحفريات الأثرية في الأرض المقدسة في عام 1860م هدف لإثبات صحة المعلومات التوراتية، فكانت “جمعية صندوق اسكتشاف فلسطين Palestine Exploration Fund، تبعها تأسيس جمعيات أثرية مشابهة في أمريكا، وألمانيا وفرنسا. هذا يقودنا للقول إن التراث الحضاري في جنوبي بلاد الشام – وأقصد هنا في فلسطين والأردن- خضع منذ نهاية القرن التاسع عشر لامتحان هويته وتجييرها لغير أهلها، اعتمادًا على ما ورد من معلومات في الأسفار التوراتية ومحاولة إثبات صحتها بالآثار المكتشفة في هذه المنطقة، وذلك لتحقيق أهداف سياسية. وبرأينا فإن الموروث الأثري هو وثائق الهوية السياسية والتراثية لأي أمة من الأمم. ولا شك بأن موروثنا الأثري العربي، بمجمله، غني بالمخلفات الأثرية على اختلاف أنواعها وتنوعها، وهي تتعدد بين المنقول والمكتوب والمخطوط.

وعند تأسيس إمارة شرقي الأردن في عام 1921م، فإن أول ما تنبه له جلالة المرحوم الملك المؤسس عبدالله رحمه الله وأدخله جنته، هو تأسيس دائرة للآثار في عام 1923م، حتى وإن كانت فرعاً يتبع لدائرة آثار فلسطين تهدف للمحافظة على التراث الأثري ودراسته. لكن هذا الأمر لم يطل طويلاً؛ إذ انفصلت إدارتها عن حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1928م، وأصبحت دائرة مستقلة برئاسة المرحوم رضا توفيق، تبعه وحتى الوقت الحاضر 21 مديراً. كما وصدر في عام 1934م أول قانون تشريعي أردني للآثار، أُدخلت فيه تعديلات خلال السنوات اللاحقة، ثم صدر قانون آثار في عام 1988م لا يزال ساري المفعول، على الرغم من أن دائرة الآثار العامة عملت منذ سنتين على إصدار قانون جديد لم يصدر حتى الآن. لقد كان الهدف من إصدار قانون الآثار الأول، وكما ورد فيه، “أن تقي آثار البلاد من الإندثار وتجميع ما تبعثر منها في جوانب البلاد وأيدي الأهليين”.
يستمد مدير عام دائرة الآثار العامة الأردنية رسالة الدائرة من قانون دائرة الآثار العامة الأردنية، والذي حددها في الفقرة (أ) من المادة (3) من قانون الآثار رقم(21) لسنة 1988م، بما يأتي:
– تنفيذ السياسة الأثرية للدولة.
– تقدير أثرية الأشياء والمواقع الأثرية وتقدير أهمية كل أثر.
– إدارة الآثار في المملكة والإشراف عليها وحمايتها وصيانتها والمحافظة عليها وتسجيلها وتجميل ما حولها وعرضها.
– نشر الثقافة الأثرية وتأسيس المعاهد والمتاحف الأثرية.
– التنقيب عن الآثار في المملكة.
– المساعدة في تنظيم المتاحف التابعة للنشاطات الحكومية في المملكة، بما في ذلك المتاحف التاريخية والفنية والشعبية.
– التعاون مع الجهات الأثرية المحلية والعربية والأجنبية بما يخدم التراث القومي ونشر الوعي الأثري وفقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها.
– مراقبة حيازة الآثار والتصرف بها وفقاً لأحكام هذا القانون والأنظمة والقرارات والتعليمات التي تصدر بموجب قانون الآثار.

ومن المعروف أن الأردن غني بالمواقع الأثرية والتي تنتشر فوق جميع أراضي الأردن من الأغوار في الغرب وحتى البادية الأردنية في الشرق، وتعدّ بمئات الآلاف.

ونستطيع القول إن التراث الأثري هم وطني عام يخص مؤسسات الدولة والشعب، وعلى الجميع تحمل مسؤولية الحفاظ عليه، لأنه ليس بضاعة سياحية فقط، بل لأنه هو الهوية الوطنية. ومن هنا، فلا بد قبل تقديمه للناس من دراسته لكتابة قصته التاريخية، ومن ثم صيانته وترميمه والمحافظة عليه، وتأهيل المواقع الأثرية للأغراض السياحية. وهذه المهام جميعها هي مهام دائرة لآثار العامة.

إن المتابع لما يجري في البلدان المحيطة في الأردن بخصوص الآثار يجد أنها تولي هذا التراث أهمية بالغة، فنجد أن مصر أنشأت “المجلس الأعلى للآثار”، كما أن سوريا أنشات “مديرية الآثار والمتاحف” ، وعلى هذا المنوال قس.


خارطة تبين أهم المواقع الأثرية في الأردن

إن دراسة الآثار لم تعدّ معرفة Discipline وحسب، لكن، وبعد دخول الأبحاث والدراسات المخبرية في دراسة الآثار، فإنها أصبحت علماً Science. ولاستنباط المعرفة من القطع الأثرية، ينبغي على دوائر الآثار في العالم، إضافة لوجود المكتبات المتخصصة، إنشاء المختبرات لتحليل القطع الأثرية وصيانتها والمحافظة عليها، وكذلك المتاحف. والمطلع على ما يجري في دائرة الآثار الأردنية، وعلى الرغم من محدودية الدعم المالي لها، إلاّ أنها تحاول دوماً أن تكون منافسة لدوائر الآثار في الأقطار المجاورة. فها هي تصدر المطبوعات الأثرية والتي تعرف المتخصصين وغيرهم بالتراث الأثري الأردني، ويكفي الدائرة أنها ومنذ عام 1980 تعقد كل ثلاث سنوات مؤتمراً دولياً جاب معظم العواصم العالمية، وصدر عنه مئات الأبحاث والمقالات العلمية. ولا يفوتني في هذا المقام القول بأن الدائرة وبالمشاركة مع المؤسسات المحلية والدولية تقيم معارض أثرية تعرف بالأردن وتاريخه، وتدعو الناس لزيارة الأردن.

خاتمة القول، نتمنى على المسؤولين في الأردن الأخذ بيد دائرة الآثار العامة الأردنية والحفاظ على استقلاليتها دائرة حكومية. وكم كنت أتمنى أن نرى في الأردن مجلساً أعلى للآثار برعاية ملكية سامية. والله من وراء القصد.

Mahmoud Dabbas

Recent Posts

ألمانيا تتجاوز الدنمارك وتحجز مقعدها في ربع نهائي يورو 2024

 تجاوزت ألمانيا ضيفتها الدنمارك بالفوز عليها بهدفين دون رد، مساء السبت، في ثمن نهائي كأس الأمم الأوروبية،…

17 دقيقة ago

عيون لا تنام في مواجهة خلايا نائمة

لنتفق أولا أن تسمية مجموعة الإرهاب في مرحلة الإعداد والتخطيط باسم خلية نائمة هو خاطئ…

49 دقيقة ago

الإصلاح الاقتصادي

ضرورة مواصلة الإصلاح الاقتصادي لا يمكن التشكيك فيها، فالعلاقة بين الأردن وصندوق النقد الدولي مبنية…

53 دقيقة ago

كلام حساس عن ملف الضفة الغربية

المخطط الإسرائيلي الاستراتيجي يريد تفكيك السلطة الحاكمة في قطاع غزة، وسيلحقها تفكيك السلطة الحاكمة في…

55 دقيقة ago

تفاعل كبير من أهالي الزرقاء مع فعاليات مهرجان صيف الأردن 2024

تفاعل أهالي الزرقاء مغ فعاليات وفقرات مهرجان صيف الأردن 2024 في مدينة الأمير محمد للشباب…

ساعة واحدة ago

انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الحر الدولي بمساريه الدولي والشبابي

انطلقت مساء امس السبت، في المركز الثقافي الملكي، فعاليات "مهرجان المسرح الحر الدولي" بمساريه: الدولي…

ساعة واحدة ago