اراء

“دزينة ” الحراك الشعبي

المحامي بشير المومني

هذا المقال .. بما يشتمل عليه من رسائل .. موجه .. قد لا يعجب السلطات المعنية .. وقد لا يعجب الحراك .. وقد لا يعجب الاحزاب .. لربما لن يعجب احدا .. هو اساسا لم يوضع لاعجاب أحد فهذا غير مهم .. لكن محتواه .. يتوجب ان يقوله احدهم .. هو بلا شك محاولة لتشخيص جزئية من الحالة الوطنية الأردنية .. لربما يخلق لدى الحراك شكلا من اعادة التفكير بواقعهم وما صاروا إليه من بؤس .. نأمل ذلك ..

قد تصنع البيئة او الحاجة مصطلحاتها .. لكن لا أدري من اطلق هذا التصنيف والوصف ( الحراك الشعبي ) على مجاميع متناثرة داخل الدولة تتبنى خطابا راديكاليا عنيفا .. لكن لادوات هندسة الاعتقاد مفاعيلها .. على اي حال اليوم وبعد ( دزينة ) من سنوات الحراك الشعبي لابد من اعادة تشخيص للحالة ولا ادري هنا هل سيحتاج هذا الحراك الى دزينة اخرى عددية من الحراكات او دزينة سنوات لكي ينضج !!؟؟

في العام 2011 ومع تفجر ثورات ما يسمى ربيع عربي ( غير معروف مصدر الوصف والتصنيف والتسمية ) وعلى اطراف قرية صغيرة لسفح جبل في منطقة عجلون هنالك منزل معزول .. اجتمع فيه عدد من الشباب مع قيادي لتنظيم عالمي .. قدم مبلغ 500 دينار لكل شاب قيادي متحمس عاطل عن العمل وكان الاتفاق على نقل الشعارات والهتافات في الشارع من ( مطلبية لسياسية ) وهنالك 500 اخرى بعدما ينادوا ( باسقاط النظام ) وهذا ما حصل .. هذه قصة حقيقية ولا استبعد وجود قصص اخرى مماثلة ..

كانت هنالك عملية منظمة .. عميقة .. معقدة .. من عدة جهات .. بتقاطعات ومصالح داخلية وخارجية .. استُهدفت فيها العشائر الاردنية .. العشائر بطبيعتها مقاتلة .. صلبة في مواقفها متى صُنعت .. ضرب عامود ارتكاز النظام والتحالف التاريخي الذي انشأ الدولة وخلخلة الوعي الكلاسيكي داخل منظومة الولاء والخزان الطبيعي للقوات المسلحة والاجهزة الامنية هو هدف مرسوم بعناية .. رفع شعار اسقاط النظام بمقابل شعار ( معتدل ) او يراد ان يوصف بذلك ( اصلاح النظام ) هو هدف اخر ..

خطأ الدولة التاريخي بعزل مناطق العشائر عن العمل السياسي الممنهج واستدعائها عند الضرورات والمضرات لممارسة مكون اجتماعي عمل سياسي كموقف وربطها بالوظيفة العامة كبديل عن التنمية سرعان ما تم دفع ثمنه والى اليوم لا تزال مادة وموجبات الحراك حاضرة .. فقر .. بطالة .. وغياب خدمات .. سرعان ما تشكلت مجاميع متناثرة صلبة بخطاب سياسي عنيف موجه جرى توظيفه واستغلاله بطريقة بشعة لينتج اليوم مشهد استفادت منه الاحزاب التاريخية والمتولدة وبقيت موجبات الحراك المطلبي على حالها .. وشباب بعمر الورد يدفعون ثمن الركوب على ظهورهم .. وقيادات تقبض بالخفاء الا من رحم ربي ..

هل تعلمون .. في السنوات الماضية كنا نرصد الكنيست الاسرائيلي وخطاب الاحزاب والاعلام الاسرائيلي وتصريحات قادة الكيان بالداخل والخارج .. تصورات العدو الصهيوني للحالة الاردنية واستشعاره القلق من المفاعل النووي الاردني وتزويد سلاح الجو الاردني بصواريخ وطائرات نوعية وتمدد نشاط اجهزتنا الاستخبارية مثلا .. كل ذلك كنا نجد له اسقاطا في الشارع الاردني وهتافات لدى مجاميع الحراك بعد شهور مما كان يضع علامات استفهام عميقة على المشهد وكيفية تسريب ذلك واسقاطه مطلبيا وسياسيا ومعارضة بناء مشروعنا النووي وتسليح الجيش ومشاغلة اجهزتنا .. بند اولويات الصرف !!!

هنا لا نتهم ولا نشكك بوطنية احد كحالة عامة .. بل هي رسالة تنبيه واضحة لا تحتمل التأويل .. لا زلت مؤمنا ان الحراك النظيف – متى وجد – يمكن ان يقدم شيء لوطنه .. بالاساس سبب ما وقع فيه الحراك من استغلال وتوجيه وخطاب راديكالي واختراق ادى الى مواجهته باجراءات أمنية صارمة لها ما يبررها هو ( غياب المشروع ) وبالاساس فإن تشكيل الحراك بهذه الطريقة العبثية العشوائية العنيفة طرحا كان مقصودا لخلق هذا الصدام .. الدوافع والاسباب والمآلات تحتاج لاستفاضة ..

اليوم ادعو الحراك لتحصين نفسه بصناعة ( مشروعه الوطني ) بوعي عميق وتأطير نوعي وبلورة نفسه واتجاهاته بشكل منتج لصالحه ولصالح بناء الدولة فقط واقتحام العمل السياسي بصناعة ( ذراعه الحزبي البرامجي ) الذي يمكنه من نقطة الوصول الديمقراطي لا وصول غيره على اكتافه .. انتبهوا لوطنكم لكن .. انتبهوا لقيمتكم الوجودية ايضا .. عن المستقبل اتحدث .. او ستبقون عالقين بالماضي .. فاوضوا اجهزة السلطة وتوصلوا لتفاهمات محددة .. هنا اعلم جيدا ان لديكم مانع نفسي اتهامي ومزايدات نضالية فارغة غير منتجة .. تجاوزها بقوة العقل وقوة الوعي .. وقوة الشخصية الاردنية ..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى