دوليعربي ودولي

رغم الأزمة.. السلع الغربية تصل إلى روسيا عبر “طريق وعرة”

وصل الصراع بين موسكو والغرب إلى أشده، بسبب الحرب التي اندلعت في أوكرانيا، منذ نحو عام، فاندحر التعاون التجاري بين الطرفين إلى أدنى مستوى له، على الإطلاق، لكن سلعا أوروبية كثيرة ما زالت تتدفق إلى روسيا.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الحدود البرية بين روسيا وجارتها الجنوبية جورجيا، تشهد على هذا التدفق الدؤوب، حيث تدخل شاحنات البضائع بشكل غير منقطع، رغم الأزمة المستعرة.

وفي منطقة كازبيجي، شمالي جورجيا، تصطف الشاحنات على امتداد عدة كيلومترات وهي تنتظر الدخول إلى روسيا التي تعرضت لحزمة واسعة من العقوبات الغربية، بسبب إطلاقها عمليات عسكرية في أوكرانيا في 24 من فبراير الماضي.

وبسبب هذا الاكتظاظ، يضطر بعض سائقي الشاحنات إلى الانتظار عدة أيام، في الجانب الجورجي، قبل أن يحين دورهم للتقدم ودخول الأراضي الروسية، فيما تشتد معاناتهم خلال فصل الشتاء بسبب تساقط الثلوج في المنطقة.

وتنقل الشاحنات سلعا متنوعة مثل أجزاء السيارات وقطع الصناعة والكيماويات، وحتى المكونات البسيطة مثلا لإنتاج أكياس الشاي، وغالبا ما تبدأ رحلة السائقين من تركيا، ثم تعبر جورجيا، وصولا إلى روسيا حيث يتنامى إقبال كبير على تلك السلع.

وأدت حرب أوكرانيا إلى قطع طرق تجارية كثيرة بين موسكو وأوروبا، لكن روسيا استطاعت أن تتأقلم، فتحولت إلى طرق أخرى بديلة.

شرايين تجارية بديلة

وعلى مدى الشهور العشرة الماضية، اعتمدت روسيا بشكل كبير على الحدود البرية مع جارتها جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة التي يصل عدد سكانها إلى 3.6 ملايين نسمة، رغم توتر العلاقة بين موسكو وتبليسي.

في سنة 2008، تدخلت روسيا عسكريا في الشمال الجورجي، وتوغلت في منطقتين اثنتين واعترفت بهما كـ”كجمهوريتين مستقلتين”، في خطوة قوبلت بتنديد دولي.

ويستفيد الجورجيون من هذا الشريان التجاري، فنورمان ناكاشيد، وهو جورجي يبلغ 48 سنة، ويمتلك شركة مواصلات صغيرة، يحرز ربحا وفيرا من خط التجارة الذي يبدأ من تركيا ثم يعبر جورجيا حتى يصل إلى روسيا.

وازدهرت تجارة هذا الرجل بشكل ملحوظ منذ أن أعلنت شركات أوروبية وقف التجارة مع روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا، فهاتفه أضحى لا يتوقف وهو يجيب على طلبات بشأن نقل السلع.

يقول نورمان “إنها مسألة حرب بالنسبة لكثيرين، لكن ثمة من يكسب أيضا.. الأمر جيد بالنسبة إلينا، لكنه سيء لآخرين”.

واعتمدت روسيا بشكل كبير على بلدان مجاورة مثل أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، لتفادي انقطاع الكثير من السلع، إثر فرض عقوبات عسكرية غربية.

وتقول الحكومة الروسية إن اقتصاد البلاد انكمش بـ3 في المئة فقط، فيما يقول خبراء إن الانهيار الذي كان الغرب يراهن عليه لم يحصل حتى الآن.

“ثغرة جورجيا”

وبما أن جورجيا تقع في منطقة القوقاز وأقصى جنوب أوروبا، فإنها تتيح أسرع الطرق على الإطلاق إلى تركيا التي أصبحت واحدة من أبرز نقاط الوصل التجارية بين روسيا وأوروبا.

خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2022، زادت حركة النقل الخاص بالشحن بين روسيا وتركيا، بواقع ثلاث مرات من حيث الحجم، في حين اعتمد أغلبه على طرق جورجيا، وفقا لأرقام صادرة عن بحث أجراه مصرف “تي بي سي” الاستثماري في جورجيا.

وبالمقارنة بين ديسمبر 2021 وديسمبر 2022، يظهر أن طول طابور الشاحنات المصطفة على الحدود بين جورجيا وروسيا، زاد عن الضعف، حتى أن المعبر الحدودي لم يعد قادرا على استيعاب حركة التدفق الكبيرة.

ونقلت “نيويورك تايمز” عن أحد السائقين أن انتظار الشاحنات يطول كثيرا في بعض الأحيان، حتى يصبح ما تحمله فاسدا وغير صالح للاستهلاك، بينما تتحرك السلطات الروسية لأجل توسيع نقاط مرور الشاحنات.

في غضون ذلك، تعكف جورجيا على إقامة نفق بطول 5.5 أميال في الجزء الأكثر وعورة من الطريق السريع الذي ينسد بشكل متكرر، بسبب تساقط الثلوج.

وفيما ينظر خصوم موسكو إلى هذا التدفق التجاري عبر جورجيا بمثابة ثغرة تستفيد منها موسكو، تؤكد تبليسي التزامها التامة بتنفيذ العقوبات المفروضة من قبل الغرب، قائلة إن شحنات كثيرة جرى منعها.

تقول الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ماريا شاغينا، إن حالة جورجيا تظهر كيف أتاحت “بلدان ثالثة” أن تلتف روسيا على العقوبات المفروضة من قبل الغرب.

وأضافت “جورجيا تقيم توازنا بين سياستها الرسمية الموالية للغرب، من جهة، وبين اعتمادها اقتصاديا على روسيا”، مشيرة إلى تنامي حجم التجارة بشكل لافت قد يجعل جورجيا غير قادرة على تطبيق العقوبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى