اراء

زفاف الأمير : الرسائل المتبادلة

حسين الرواشدة

‏صحيح أن زفاف ولي العهد، الأمير الحسين، مناسبة اجتماعية، انتظم فيها الفرح والابتهاج مع التقاليد والمراسيم التي تعكس هوية العائلة الهاشمية، والأسرة الأردنية، لكن الصحيح، أيضا، أنها كانت مناسبة سياسية، ازدحمت بالصور والرسائل والدلالات، وربما تكون المرة الأولى -منذ عقود- التي يتبادل فيها اغلبية الأردنيين مع قيادتهم الرسائل بشكل مباشر، وبدون وسطاء.

التبادلية، هنا، عنوان مهم للثقة والاحترام، وفرصة لتمتين العلاقة التاريخية، ونقطة فاصلة للانتقال للمستقبل؛ هذا الذي نحتاج من أجله أن نفرز من الماضي والحاضر أفضل ما فيهما، ثم نتجاوزهما بهمة وعزيمة، واصرار على التقدم والانجاز.

‏ أشير إلى ثلاث رسائل، على الاقل، جرى تداولها من خلال زفاف الامير، بين الهاشميين والأردنيين، في إطار الأسرة الواحدة، وقد عكست، بما حملته من مضامين ودلالات، تقدير الذات الوطنية، واعتزازها بهويتها وكرامتها، وعلاقتها مع محيطها العربي والعالمي، كما أنها عدّلت المزاج الشعبي، وأيقظت المشاعر العامة، وكسرت فزاعات اليأس والحزن التي نصبها البعض لإغراق مجتمعنا بالسواد.

الأردنيون استقبلوا رسالة «الفرح الهاشمي»، وردوا عليها بمثلها، والهاشميون، أيضا، أعادوا التأكيد، من خلال الاحتفال بالطريقة التي تمت، على القيم والمشاعر التي تجمعهم مع الأردنيين، والمشتركات الوطنية التي تطمئن الجميع على حاضرهم ومستقبلهم، وتعيدهم إلى لحظة الولادة الأولى لتأسيس الدولة، حيث انتصرت البهجة، على آلام المخاضات العسيرة.

‏الرسالة الأولى التي تم تصميمها بذكاء، تتعلق بصورة الأسرة الهاشمية، حيث برز فيها ولي العهد في سياق تقاليد احتفال مزدحم بالاعتبارات والمعاني الكبيرة، الإنسانية والوطنية معا، عنوانها البساطة والانحياز للثقافة والقيم والتقاليد الاردنية الاصيلة، والالتحام مع الأردنيين والأردنيات بكافة أطيافهم، واحترام الذائقة الاجتماعية، هذه الرسالة جسدت طبيعة الأسرة الهاشمية، والعلاقة بينها وبين المجتمع الأردني، وقدمت ولي العهد، كما هو، وكما يجب أن يُقدم للأردنيين، باعتباره يمثل جيل المستقبل وآماله، كما أن الرد عليها، من قبل اغلبية الأردنيين الذين احتفوا بالامير، كان بمثابة استفتاء على المستقبل الذي تمثله ولاية العهد.

‏الرسالة الثانية: كلمة الملك في احتفال العشاء بمضارب الهاشميين، حيث أوصى ابنه الامير الذي اكمل نصف دينه -كما قال- بأن «تبقى مخافة الله تعالى بين عينيه» ثم أهداه السيف الذي نقش عليه «إن ينصركم الله فلا غالب لكم»، ثلاثية القوة، والعدل والتقوى، هنا، يمكن فهمها في إطارها الديني، حيث ترسيخ الشرعية الدينية التي يستند إليها الهاشميون بالحكم، كما يمكن فهمها في الإطار السياسي، بما تحمله من دلالات الحث على الرشد والحكمة والعدل، باعتبارها أساسيات الملك والحكم.

هذه الوصايا من الاب الملك لابنه، ولي العهد، تعكس (خاصة في لحظة الفرح) خلاصة تجربة، وضمانات استمرارية، ومرتكزات اعتقاد سياسي، يبدو فيها التاريخ حاضرا لبناء المستقبل، كما يبدو فيها التوقيت مناسبا لتحميل المسؤولية، فكما أن الزواج مسؤولية لبناء الأسرة، فإن إدارة الحكم مسؤولية اكبر لبناء الدولة.

‏الرسالة الثالثة جاءت من اكثر من 70 دولة في العالم، شارك ممثلون عنها بالاحتفال، وهي تقول باختصار: هذا البلد الصغير يستحق احترام الآخرين وإعجابهم، وهو إنجاز يسجل للأردنيين وقيادتهم، كما أنه يفترض أن يكون مصدر اعتزاز للأردنيين أنفسهم، ودافعا للبناء عليه بدل التهوين منه وانكاره، كما يفعل البعض، أو بدل الاصرار على البقاء في مربعه، كما يريد آخرون، هذه الرسالة مهمة، لأنها تساعدنا على تصحيح صورتنا التي نراها في مرايانا التي تشوهت بفعل المناكفات و الأخطاء والخيبات المتراكمة، وهي مهمة، أيضا، لأنها تكشف عناصر قوتنا وحضورنا في العالم.

‏ثمة رسائل أخرى، بالطبع، تتعلق بالمصالحة بين الماضي والحاضر والمستقبل، حيث صور الهوية والتاريخ، والثورة العربية، والقيم والتقاليد الأردنية التي عبرت عنها مشاهد زفاف الامير، وأخرى تتعلق بطيبة الأردنيين وتشوقهم للفرح، واحتفائهم بالأمير الشاب، حدث ذلك في لحظة تحرروا فيها من أي اعتبارات، جغرافية أو سياسية، وتوجهت مشاعرهم لعنوان واحد، شكّل جامعا وطنيا، وهي لحظه قلما تتكرر.

‏يبقى السؤال الاهم: كيف التقطت إدارات الدولة هذه الرسائل، وكيف يمكن أن تبني عليها لضمان استدامتها؟ أو كيف يمكن أن تتعلم منها عند تواصلها مع الأردنيين، او اشتباكها مع قضاياهم وازماتهم، سواء لاستعادة ثقتهم، وتصحيح قناعاتهم، او للاستثمار بمشاعرهم العامة تجاه بلدهم، أو للخروج من دائرة «الخطأ» التي ثبت أن فرصة تجاوزه متاحة، بأقل ما يمكن من تكلفة، واكثر ما يمكن من حكمة وإبداع في تصميم الرسائل، وتقديم الإنجازات أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى