اراء

سردية الرفاعي في هذا التوقيت

ماهر أبو طير

يوجه رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي نقدا حساسا بشأن ملف محدد، والنقد هنا تأتي حساسيته من حيث التوقيت قبل الانتخابات بأسابيع، ومن حيث هوية الناقد وموقعه أيضا.

الرفاعي انتقد انكفاء البعض نحو أحزاب الأشخاص واتخاذ التجربة ذريعة للوصول إلى المواقع والمناصب دون التفات حقيقي لمصلحة المواطن، وانعكاس التجربة على حياتنا، مشيرا إلى أن عنوان الحزب والدافع للانتساب إليه يجب أن يكون برنامجه وليس أسماء قياداته أو ما يقدمونه من وعود غير قابلة للتحقيق أو توزيع للمكاسب والمناصب، خصوصا، أن هدف العملية الانتخابية ليس الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات فحسب بل إثبات أن الأحزاب قادرة على استقطاب الأردنيين على أساس برامج واقعية، مضيفا أن الممارسة الديمقراطية يجب أن تبدأ داخل الحزب في إفراز قياداته والتزامه ببرامجه وقناعاته بعيدا عن الشعبويات والوعود الزائفة.

كلام الرفاعي الذي جاء في محاضرة له في النادي الأرثوذكسي بتنظيم مشترك مع جمعية الحوار الديمقراطي الوطني حفلت بنقاط كثيرة قابلة للنقاش والجدل والتأويل، خصوصا، وأن الرجل كان يرأس لجنة التحديث السياسي، وهو للوهلة الأولى يبدو كمن يعلن خيبته من التجربة التي ما تزال في بداياتها، لكنه على الأغلب لا يقول ذلك بقدر تأشيره على نقاط الضعف والخلل في الحياة الحزبية في الأردن، وربما تشخيص أزمة التحزب في الأردن، مهمة ليست صعبة كثيرا، لكن الأصعب منها ما يراه مراقبون حياديون، يقولون علنا إن التحزب في الأردن لن ينجح.

لا أعتقد أن الرفاعي فوجئ بالمشهد، لكنه قد يكون راهن خلال الفترة الماضية على حدوث تغيرات جذرية، وهو الأمر الذي لم يحدث، وحتى اليوم وفي كل مجلس يتم تعريف أي حزب عامل أو جديد، بالإشارة بالكلمات الأولى إلى أن زعيمه فلان، وربما هذا يعود إلى جانب اجتماعي متجذر يقرأ أي حزب، أو مجموعة، أو جميعة، أو كتلة نيابية، من اسم الرأس الأكبر، لفك شيفرة المجموعة كلها، ويقرأ مستقبلها أيضا، وعلى هذا يجري الاستقطاب اليوم، ومما يؤسف له أننا مازلنا في متاهة التفاخر بالأعداد، أي إعداد المنضمين للأحزاب، وليس جودة العمل السياسي، والبرامجية، بما يأخذنا إلى مسرب توزيع المنافع، سواء عبر الحزب ذاته، أو أي انتخابات برلمانية، وربما أي مواقع وزارية، مرورا بقوة الحزب إذا اكتملت وضغط الحزب للتعيين في هذا الموقع أو ذاك، بما يعني أننا لاعتبارات مختلفة أعدنا إنتاج ذات المشاهد القديمة بشكل جديد.

ربما الأزمة هنا لا تكمن في الإرادة السياسية، بقدر الموروث الذهني والاجتماعي، الذي لا يؤمن بالتحزب، ولديه ذكريات سيئة، موروثة من الآباء والأجداد، كما أن الاستعداد للتحزب اليوم ارتبط بفكرتين مؤسفتين، الأولى البحث عن “حزب آمن” لا يشكل خطرا على مستقبل الشخص، خصوصا، إذا انقلبت المعايير الرسمية لاحقا وفقا للهواجس الشعبية، وقد كان الأولى أن تسمح عمان الرسمية بمذاقات جاذبة في العمل الحزبي ما يفسر أن أغلب الأحزاب منسوخة عن بعضها البعض، والثانية اعتبار الحزبية بوابة للتنفع والاستفادة، والحصول على حصة من أضحية العيد.

وزاد من الأزمة أن الجهود الرسمية والشعبية لحث الأردنيين على التحزب منخفضة، وكأننا أطلقنا عملية جديدة، ثم تركناها لتنمو ببطء على ميمنة الأرصفة، وربما ساهمنا بتركها لتموت خشية من دوث تحزب حقيقي، يجلب الصداع ويثير المطالبات، وربما يتفرد بالقدرة على التحشيد.

القصة هنا بكل تفاصيل تعبر عن أزمة ثقة أصلا، وعن مشاعر شعبية على صلة باليأس وعدم اليقين، وعدم الجدوى، هذا فوق أن أخطر إشارة بالنسبة لي قيلت ضمنيا في النص إن الديمقراطية يجب أن نراها في هذه الأحزاب أولا، وبالتأكيد فهو هنا يعبر عن معلومات لديه تقول إن كثرة من الأحزاب فردية القيادة، يتحكم بها شخص واحد، ولا تطبق الديمقراطية داخلها، فكيف ستقوم بتطبيقها في محافل ثانية مثل البرلمان، أو من خلال الحكومة، أو أنماط الشراكة فيها.

في كل الأحوال نص المحاضرة طويل وجدير بالقراءة، لكنه نص تصحيحي يراد عبره تصحيح المشهد، وليس نصا اعتراضيا يعلن فشل التجربة قبل الآوان، فيما لا بد أن يقال أن هذا هو الواقع ليس مفاجئا، لاعتبارات كثيرة، نعرفها كلنا لو لم نجاهر بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى