Categories: اراء

صوت الأردن الواضح

مكرم احمد الطراونة

ظل الأردن على الدوام أمينا على مسؤولياته الإنسانية، ولم يتنكر يوما لها، خصوصا إذا جاء الحديث عن أشقاء اضطرتهم الظروف إلى مغادرة بلدانهم قسرا، والفرار بأنفسهم وعائلاتهم من جحيم العنف والحرب.

خطاب الملك أمس في الأمم المتحدة جاء للتأكيد على هذا المبدأ المهم في تعامل الأردن مع أزمات المنطقة، واستقباله اللاجئين من بلدان كثيرة، خصوصا من ضحايا الأزمة السورية التي ما تزال ناشبة، ولا أحد يعرف متى يمكن لها أن تصل إلى حل.

لكن الأمر وصل إلى حدوده القصوى، فالأردن بموارده المحدودة، وإمكانياته الضعيفة، لم يعد قادرا على لعب دور البطولة في هذا الملف، بينما يرى العالم منسحبا من مسؤولياته، ومتخاذلا عن لعب دوره الأساسي.
في هذا الإطار، جاء تأكيد جلالة الملك أن قدرة الأردن على تقديم الخدمات الضرورية للاجئين وصلت إلى حدودها القصوى، وأنه لم يعد بإمكاننا استقبال مزيد من اللاجئين، في تحذير واضح من أن الأزمة السورية تتجه اليوم إلى خط تصاعدي من المحتمل أن يرمي بلاجئين جدد إلى خارج حدودها.
الأردن ظل وفيا لمبادئه الإنسانية، واستقبل على مدار سنوات الأزمة لاجئين عديدين. لكن المجتمع الدولي لم يعد ينظر إلى هؤلاء اللاجئين على أنهم أزمة إنسانية عالمية مفتوحة، وها هو يتخلى عن مسؤولياته بالتدريج، كما لو أنه يعتبرهم مشكلة أردنية، وأن علينا نحن أن نحلها. هذا مفهوم يقلب الحقائق، ولا يصب أبدا في مصلحة اللاجئين المستضعفين الذين يحتاجون اليوم إلى خدمات أساسية في الصحة والتعليم والغذاء. كما لا يمكن أن يفكر العالم بأن المشكلة بعيدة عنه، فاستمرار النقص الحاد في التمويل الدولي، سيدفع هؤلاء اللاجئين إلى ركوب “زوارق الموت” من جديد، بحثا عن شواطئ أوروبا، في رحلات شهدنا الكثير من المآسي فيها.
في الجهة الثانية، يثير النزاع المسلح القائم اليوم في سورية، مخاوف حقيقية على الأمن الأردني، وهو ما يستدعي موارد إضافية لتحييد وتطويق تداعياته، خصوصا مع ثبوت فشل الدولة السورية في ضبط حدودها، وهو ما يحتم التشديد على أن الأردن سيفعل كل ما من شأنه أن يؤمن الحماية لأرضه وشعبه، فأمننا الوطني خط أحمر، ولا يمكن السماح لأي كان بتجاوزه.
لكن الأمر يمكن تناوله من منظور آخر، أيضا، إذ يبدو أن الأردن الرسمي يعتبر أن جهود تطويق الأزمة السورية، وإيجاد حلول سياسية لها، غير فاعلة، أذ إن هناك أطرافا دولية ما تزال تستثمر في استمرارها، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه العالم جراء ذلك، وأيضا بغض النظر عن تأثر دول الجوار واستنزاف مواردها بسببها.
إن الأردن، وكما أعلن منذ البداية، يدعو إلى حل سياسي تتوافق عليه الأطراف السورية، يحفظ وحدة الأرض والشعب، وتدعمه بقوة القوى الفاعلة عالميا، لئلا تظل سورية مسرحا للصراعات العالمية، وحروب الإنابة.
في هذا الجزء من العالم، نحن سئمنا النزاعات والحروب، وشبعنا من الموت والتشريد واللجوء، لذلك، ندعو بصوت عال أن يدعم العالم رغبتنا الحقيقية في أن نربي أبناءنا على أن العدالة العالمية ما تزال متوفرة، وأن المستقبل غامر بالأمل، وأننا سنكون أفضل من اليوم. سئمنا المكاييل المختلفة تجاه الأزمات.. فهل تسمعون صوت الأردن؟

editor

Recent Posts

أوقعت به من خلال “تمرين رياضيات”.. السجن لمعلمة بريطانية حملت من تلميذها القاصر

قضت محكمة في مانشستر في شمال غرب إنكلترا، الخميس، بالسجن ست سنوات ونصف سنة لمدرّسة…

ساعة واحدة ago

مجزرة جديدة يرتكبها طيران الاحتلال بقصف منزل ببلدة الزوايدة وسط غزة

استُشهد 6 فلسطينيين وأصيب آخرون، فجر اليوم الأحد، في قصف لطائرات الاحتلال، لمنزل بالمحافظة الوسطى…

ساعة واحدة ago

المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالحليم مناع ابو العماش العدوان “ابو فراس” في ذمة الله

فقدت قبيلة العدوان عامة وعشيرة ابو العماش خاصة أحد رموزها و وجهائها الأستاذ الدكتور عبدالحليم…

ساعتين ago

مولر يلوح بالاعتزال بعد إقصاء ألمانيا من كأس الأمم الأوروبية

ظهرت صور توماس مولر وهو يبكي أمام مدرجات ملعب شتوتجارت أرينا بعد أن أطلق الحكم…

ساعتين ago

يتجاوز عمره 51 ألف سنة.. أقدم عمل فني تصويري في العالم

خلصت دراسة حديثة إلى أنّ رسماً يمثّل خنزيراً أحمر كبيراً محاطاً بثلاث شخصيات بشرية أُنجز…

3 ساعات ago

“طريقة غريبة” للحد من الرغبة في التدخين

كشف باحثون من جامعة هارفارد أن إثارة مشاعر الامتنان لدى الأشخاص المدخنين يساعد في الحد…

4 ساعات ago