اراء

‏فصلان مخجلان من الجامعة والحزب

حسين الرواشدة

باسم العشيرة، خرج بعض أبنائنا الطلبة بالجامعات لتدشين «ماراثون «مشاجراتهم، أو لتصفية مشكلاتهم البسيطة، وباسم العشيرة والانتماءات الجهوية تقاسم قادة حزبيون مواقعهم، ووزعوا فيما بينهم الغنائم الحزبية، قبل أن نلوم هؤلاء الطلبة الذين هربوا الى العشيرة والجغرافيا كملاذات آمنة للمكاسرات واستعراض البطولات، يجب أن نلوم انفسنا : نحن الآباء والقادة السياسيين و الحزبيين، نتحمل مسؤولية الخيبات التي أفقدت هذا الجيل ثقته بنفسه، وبإدارات دولته ومجتمعه، ولم تترك أمامه سوى مسرب واحد، وهو الاستقواء بالإطار الاجتماعي أو الجغرافي، والاعتزاز بعَلَم القبيلة، قبل عَلَم الوطن والدولة.

‏لا يخطر ببالي، أبدا، أن أنتقص من دور العشيرة، أو أنحاز لمن يطالبون بحذفها من مشهدنا العام، فأنا أدرك تماما أن تركيبة مجتمعنا عشائرية، وأن العشيرة هي الإطار الاجتماعي الذي يجمعنا بأواصر النسب والدم، لكن أخشى ما أخشاه أن ينتصر لدينا منطق العشيرة على منطق الدولة، أو أن يأخذنا البعض باسم الجغرافيا إلى ملاذات بديلة، تتشكل فيها أحزاب وجماعات ومؤسسات على مقاسات الغنائم والمصالح الشخصية، فتصبح الجغرافيا هي القاعدة، وغيرها مجرد استثناء.

خلال الأسبوع المنصرف، فقط، تابعت فصلين مخجلين، أحدهما في جامعتين رسميتين، والآخر في الغرف المغلقة لأحد الأحزاب، الفصل الأول لطلبة اشتبكوا بالايدي وزجوا بسمعة عشائرهم في خلافاتهم، وحوّلوا جامعاتهم إلى منصات للتعصب والعنف والكراهية، الفصل الآخر لقادة حزبين احتشدوا لتقسيم التركة فيما بينهم على أساس الجغرافيا، واختزلوا العمل السياسي بإطار (معي أو ضدي )، وبعد أن انتهوا من المهمة خرجوا بخطاب إدانة وتوبيخ للطرف الآخر، بذريعة انه السبب في هذه المفاصلة المغشوشة.

حين تدقق بالصورتين، تكتشف أن المشاجرات الطلابية التي رفعت لواء القبيلة، لا تختلف أبدا عن المفاصلات الحزبية التي انحازت للجغرافيا والمناطقية، فالطرفان يمارسان العنف في ذات الإطار، تكتشف، أيضا، أن القادة الحزبين المفترض أن يكونوا ملهمين للشباب باحترام التنوع والاختلاف، والاحتكام للنزاهة والعدالة، وتقديم منطق الصالح العام للدولة والمجتمع على المصالح الشخصية، وعلى تداول المنافع الخاصة، تعمدوا أن يبعثوا برسالة للشباب داخل حزبهم وخارجه، مفادها انهم انتصروا عليهم بالضربة القاضية، تماما كما فعل الطلبة بالجامعات حين نزلوا الساحات وتشاجروا، ولوّح بعضهم ضد الآخر بإشارة الانتصار.

تكتشف، ثالثا، ان سطوة استخدام القبيلة والجغرافيا لدى الطرفين، كانت أقوى من هيبة الجامعة والحزب، ومن التعليم والسياسة، ومن القيم التي تمثلها المؤسسات، والمصالح التي يفترض أن تسعى لتحقيقها، الجامعات للأسف افتقدت معناها الجامع، والاحزاب تنصلت من مبادئها التنظيمية، وبالتالي انتصبت أمامنا معادلة واحدة قائمة على موازين المخاصمات والمحاصصات وهي( اضرب واهرب ) او (اكسب وأهرب)، سواء بالايدي حيث المشاجرات بالجامعات، أو بالولائم والغنائم والوعود، حيث تتشكل القوائم الحزبية، وتتم الترضيات والتسويات.

المفارقة التي نكتشفها هي انه بينما استدعت مشاجرات الطلبة في الجامعات أن يتدخل رجال الأمن، وأن تصدر إدارات الجامعات بيانات تتوعد بمحاسبة المتورطين بالشغب، ثم تصدر العشائر بيانات للصلح وتطييب الخواطر، فإنه لم تستدع مفاصلات السياسيين والحزبيين، وأخطاؤهم وتجاوزاتهم، تدخلا من أي طرف، البعض ربما صمت لكي لا تناله سهام الاتهامات بالمناطقية، والاخرون ربما باركوا لأنهم اخذو نصيبهم من الكعكة، فيما الحقيقة أن الجميع خرجوا خاسرين، الدولة والمجتمع، الجامعة والحزب، العشيرة ومشروعات التحديث، ومعهم «الرؤوس الكبيرة « التي نصبت نفسها ناطقا باسم المجتمع، أو باسم الحزب، ثم الإدارات الجامعية التي لم تجد إلا سيف العقوبة لتكافح به عنف الطلبة، فعلا يا خسارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى