فن

في ذكرى الهجرة النبوية.. “الرسالة” ما يزال يتسيّد الشاشات بأحداث تأسر القلوب

رؤيا نيوز –  مشاعر تتجدد في كل دقيقة يتابعها المشاهد لأحداث فيلم “الرسالة” الذي ما يزال يُعرض عبر القنوات مرات عدة في العام، في كل مناسبة يُراد التحدث بها عن عظمة الإسلام وتفاصيل البعثة والهجرة، ليكون لهذا الفيلم وقع كبير على المشاهدين الذين تختلط مشاعرهم بالعزة والعظمة والفخر بـ”حياة الرسول وهجرته”، التي تصادف ذكراها اليوم.

مئات الأفلام يتم إنتاجها في كل عام، تحيا لسنواتٍ وتمضي، بينما يقف فيلم “الرسالة” لمخرجه السوري مصطفى العقاد، متسيداً مشاهد الأفلام التاريخية التي تحكي تفاصيل خروج الأمة من الظلمات إلى النور، وبداية عهد جديد، احتاج المخرج إلى طاقة كبيرة ومدخلات عظيمة للخروج بهذا العمل الفني الكبير الذي يتابع في كل بقاع العالم، كونه استعان بممثلين كبار من الدول العربية والغربية، وتم إنتاجه بنسختين عربية وإنجليزية.

اليوم، وفي ذكرى الهجرة النبوية، التي تعد مفصلا تاريخيا لبداية عهد جديد، يحتفي العالم الإسلامي بهذه المناسبة بطرق عدة، وبحسب عادات وتقاليد المجتمع، ولكن يسارع غالبية الناس لمتابعة فيلم “الرسالة”، الذي يُبث سنوياً، بتفاصيله العديدة من العِبر والأحداث التاريخية، التي تجسد بأداء قوي للممثلين.

يقول العقاد، في إحدى مقابلاته في الحديث عن “الرسالة”، الذي كان في البداية يحمل اسم “محمد رسول الله”، إنه لم يكن في مخططاته أن يخرج عمل من هذا النوع، لأنه ذهب إلى أميركا لدراسة الإخراج، وأخرج أفلامًا عادية، إلا أنه اكتشف بعد زواجه، أن أولاده بحاجة لتعلم الدين، وشعر حينها أن هذه المهمة يجب أن تكون من اختصاصه، ومن هنا جاء الدافع خلف إنتاج وإخراج الفيلم الذي مرّ بمراحل متعددة، واحتاج إلى فترة زمنية طويلة تعمد فيه العقاد أن يُظهر سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، مروراً بالهجرة النبوية الشريفة.

تبدأ تفاصيل الفيلم، بأحداث عصر الجاهلية، التي صورها العقاد بطريقة درامية مميزة، تُظهر مدى حاجة الأمم إلى بعث نبي تُجمع عليه الديانات السماوية، بحيث يتمهد المشاهد من مختلف المعتقدات حين مشاهدة الفيلم ويتدرج ليوقن أن زمن الضلال والجاهلية، يحتاج إلى ظهور سيدنا محمد، وإظهار رسالة الحق، حيث كان للأداء المتقن للفنانين دور في جذب المشاهد، وأن يعيش اللحظة بكل حذافيرها، إلى الحد الذي يعبر فيه كثير من المشاهدين عن رغبتهم في البكاء والتفاعل مع الفنانين، الذين تحدث تعابيرهم ونبرات حديثهم بالفصحى المطلقة عن حب النبي عليه السلام، وتفاصيل رحلته منذ الولادة وحتى فارق الحياة مودعاً الأرض، وتاركاً إرثاً عظيماً، وكان الله لهذا الإرث “حافظاً”.

العقاد صور تفاصيل الهجرة النبوية في الفيلم بأداء مميز، تخللها اهتمام كبير ودراية بأدق تفاصيل الهجرة النبوية، بحيث أمسى المشاهدون منذ عقود، يتبادر إلى أذهانهم سريعاً تلك المشاهد الدرامية الرائعة لأحداث الهجرة، عند الحديث عن هذه المناسبة، كون “الرسالة” كان العمل الفني الوحيد الذي استرسل بدقة في رسم هذه المناسبة من خلال الأحداث، التي يرى المشاهدون أنها حولت أحداث الفيلم بطريقة درامية رائعة.

“طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع”، بتلك الكلمات التي يرددها الأطفال في احتفائهم بمناسبة الهجرة النبوية، كان اللحن والصوت الذي قدمه العقاد في “الرسالة”، هو المرجع دائماً فيها، ليثبت العقاد في كل لقطة من الأحداث أنه عندما قرر أن يعلم أبناءه الدين الإسلامي وانتشاره، كان قادراً بالفعل على ذلك، وما خلود الفيلم إلى هذه اللحظة والشغف في مشاهدته من بدايته إلى نهايته، إلا دليل على صدق النية والتصميم على إظهار الإسلام الحق بأبهى صورة.

حرص العقاد على تقديم أرقى صور الاحترام، في الشخصيات التي جسدها الفيلم، كما يرى العديد من النقاد، فحرص على عدم إظهار شخصية سيدنا محمد عليه السلام، وعائلته، والصحابة، والكثير من الشخصيات الإسلامية، كنوع من الاحترام والتقدير وحفظ “الهالة” التي تحيط بهم، وتتجلى في عدم إظهار وجوههم وتفاصيلهم الجسدية، ولكن في الوقت ذاته، كان الإيماء والتلميح إلى رسائل النبي واضحين جداً دون الحاجة إلى إظهار الصوت.

الفيلم تم إنتاجه بنسخته العربية ببطولة موزعة على عشرات الفنانين، وأبرزهم: عبد الله غيث، منى واصف، أحمد مرعي، حسن الجندي، حمدي غيث، محمد العربي، سناء جميل، عبد الغني قمر، أشرف عبد الغفور، محمد وفيق، أحمد أباظة، فيما تسيد أدوار البطولة في النسخه الإنجليزية الفنان العالمي: أنطوني كوين في دور حمزة بن عبد المطلب، وإيرين باباس في دور هند بنت عتبة، مايكل أنسارا، جوني سيكا، مايكل فوريست، ديميان توماس، أندري موريل، مع العلم أن الفيلم تم ترجمته إلى 12 لغة فيما بعد، حيث وصل صداه إلى مختلف بقاع العالم وبكل اللغات، التي تعي “عظمة الإسلام”.

وقد تحدث المئات من المحطات والمواقع الإخبارية والصحف عن “الرسالة” الذي عُرض للمرة الأولى في العام 1976، وعن تفاصيل إنتاجه وتصويره، إذ تبين أن العقاد كان قد قام بإنتاج الفيلم إلى جانب إخراجه له، إذ أكد ذات مرة أنه قضى ما يقارب الخمسة أعوام باحثاً عن تمويل، عدا عن الكثير من العقبات الأخرى التي واجهت فريق العمل، سواء من منطلقات “سياسية أو مذهبية، وحتى لوجستية”، إلا أنه بقي محافظاً على وتيرة الاستمرار في العمل إلى أن أدى “الرسالة”.

ويبقى “الرسالة” العمل الدرامي الملحمي الثابت رغم تطور آليات التصوير والإنتاج، والمبالغ المالية الضخمة التي يتم إنفاقها على الأعمال الفنية الكثيرة التي تناولت سيرة النبي عليه السلام، والصحابة فيما بعد، حيث يتعمد المشاهدون والباحثون عن الأداء المبهر والتفاصيل التي تلامس القلب، رغم الجودة الأقل في التصوير، إلى الحد الذي يجد فيه ملايين المسلمين أنهم لم يستطيعوا فيه إخفاء دموعهم عند نهاية الفيلم وإظهار العقاد في آخر دقائق الفيلم التطور الذي طال مساجد المسلمين التي انطلقت من هجرة النبي وصديقه الصديق سعياً إلى الإقدام، ومن نداء بلال بن رباح أعلى الحجر الأسود، حتى وصلت أصداء هذا الأذان إلى كل بقاع الأرض، يرافقها بث وصية النبي عليه السلام في خطبة الوداع بصوت الفنان المصري محمود ياسين.

أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، كان قد تحدث عن مناسبة الهجرة النبوية لـ”الغد”، أنها كانت البيئة الجديدة بكل مكوناتها التي أعلن فيها تأسيس دولة جديدة فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني، لأنها قامت على ثلاث دعائم لم يشهد التاريخ اجتماعها معا، وهي: الدين والمواطنة والعدل، وأن إحياء هذه المناسبة في كل عام، ما هي إلا تذكير بأمور هدانا إليها رسولنا الكريم، ومن أهمها “تطبيق شرع الله تعالى لإشاعة السلم والطمأنينة بين البشر”.

وبالتوافق مع أحداث المواطنة والمؤاخاة التي أظهرها تفاصيل الفيلم، فإن زيتون يرى أنه من الواجب علينا أن نعمل ونجتهد في بناء الوطن على مبدأ المواطنة، وهي من الدورس التي تحثنا عليها الهجرة النبوية، بما يعني مساواة الناس كلهم من غير تفريق بينهم لجنس أو أصل أو عرق أو دين أو مذهب، فالله تعالى كرم بني آدم جميعاً، فقال “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ”، ولم يقصر الكرامة على مسلم أو مؤمن.

ويرى زيتون أن الهجرة البنوية التي يجب علينا إحياء سيرتها بين مختلف الأجيال، كانت سبباً في إشاعة العدل بين الناس ولو على كره لهم أو خلاف معهم، لأن العدل يجب أن يسمو ويعلو على الجميع، وقد قال الله تعالى “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”، وهذا يقتضي أن يقيم الإنسان العدل ولو على نفسه أو على والديه أو أقربائه.

تغريد السعايدة – الغد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى