اراء

قانون الجرائم الالكترونية .. تشريع لحماية المجتمع لا الحكومة!

محمود الدباس

تقع الحكومات على الدوام في فخ قدرتها على تحجيم خصومها من خلال الصلاحيات الممنوحة لها في وضع التشريعات الناظمة للحياة العامة.

ومن حيث تدري او لا تدري فإن وضع انفها واصبعها في كل تشريع لتحقيق مكاسب تعتقد من خلال ولوجها بأفكار للحد من اصوات المنتقدين لسياساتها ، تسجل اهداف في مرماها ، وتخسر اكثر مما تربح من هذه الاجتهادات.

هذا المدخل يقودنا الى حالة الرفض الذي جوبه فيه مشروع قانون الجرائم الالكترونية ، والذي كان من المفروض ان يحظى برضى مختلف الاوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فيما لو تم الالتزام بالاسباب الموجبة لوضع هذا التشريع.

والذي يعتبر مطلبا للجميع لوضع حد للفوضى التي تجتاح الفضاء الالكتروني ، ومستجدات الجرائم التي باتت ترتكب بوساطة الشبكة العنكبوتية ومن خلالها عبر منصات التواصل الاجتماعي ، لتشكل رعبا مجتمعيا جراء نوعية الجرائم النوعية المستجدة مستثمرة التطور التكنولوجي الهائل.

فبتنا نسمع عن مصطلحات جرمية كالاحتيال المالي الالكتروني والتسول ، وجمع المساعدات احتيالا ، وكذلك انتحال الشخصية من خلال حسابات وهمية ، والاخطر منها هو الابتزاز الالكتروني الموجه لشبابنا وبناتنا واسرنا واقتحام خصوصيات كانت في السابق من المحرمات ، وباتت الان تشكل خطرا داهما على المجتمع ، تسهم في تفتيت الاسر والتسبب بجرائم قتل بداعي الشرف.

هذا بالاضافة الى الجرائم النوعية الموجهه نحو المؤسسات والشركات والبنوك من خلال اختراق شبكاتها والتلاعب في بياناتها وسرقة حسابات مصرفية واطلاق محافظ مالية بغية سرقة اموال المواطنين.

اذا فإن مثار الدهشة لدى المواطنين كان يتمحور في اقحام نصوص في هذا التشريع الخاص ، تتعلق بمواضيع ذات صلة بتحجيم قدرة الناس عن التعبير وابداء الرأي بوجود عبارات فضفاضة حول الذم والشتم واغتيال الشخصية والتعليقات التي عادة ما يشارك بها المتابعين لمنصات التواصل سواء على الصفحات الخاصة او الصفحات المرتبطة بمواقع اخبارية او مواقع مؤسسات عامة وخاصة.

كل ذلك كشف ظهر هذا القانون وافقده الدعم المجتمعي ، واسس لحالة من الاستنكار لما تم دسه في مواده ، لا يمكن الا ان تكشف نهما حكوميا في التضييق على المواطنين بذريعة الذم والتحقير واغتيال الشخصية بمصطلحات فضفاضة غير محصورة التفسير.

وعليه وبعد ان وصل مشروع القانون الى عهدة مجلس الامة بدءً من مجلس النواب الذي احاله الى لجنته القانونية لمراجعته ومناقشته وفتح حوار وطني حول بنوده.

تبدو الفرصة سانحة امام مجلس النواب لتعديل مشروع القانون ووضعه في اطاره الصحيح ، والمقصود منه كقانون خاص يتعامل مع جرائم نوعية محددة متعلقة بالشبكة العنكبوتية والعبث بالمعلومات والبيانات وغيرها من الجرائم المندد بها مجتمعيا.

وازالة كل المواد التي اقحمت للقانون والتي اثارت تخوف المجتمع ازاء الحريات واختزال ما تبقى من مساحة للتعبير عن الرأي تحت سيف مواد القانون التي يمكن تفسيرها وتأويلها بغير اتجاه.

وهي مسؤولية يتحملها الجميع في ابقاء الاردن ضمن المراتب المقبولة على سلم ترتيب الدول في مجال الحريات وحقوق الانسان.

حيث يتخوف الجميع من ان اقرار قانون الجرائم الالكترونية بالشكل الذي وضعته الحكومة سوف يؤثر بشكل سلبي على ترتيب الاردن على سلم الدول التي تحافظ على الحريات العامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى