احداث اقتصاديةاقتصادالاخبار الرئيسية

قطاع الشحن البري بحاجة لجراحة عاجلة واستراتيجية قائمة على اقتصاديات النقل لتحقيق القيمة المضافة المأمولة

رؤيا نيوز – كتب محمود الدباس – حتى هذا اليوم لم تفلح الحكومات الاردنية المتعاقبة في وضع استراتيجية علمية عملية تنهض بقطاع نقل البضائع ، وتخلصه من اثار الاعتبارات الشعبية للقرارات المتعلقة بهذا القطاع.

ويعتبر قطاع النقل البري قطاعا اقتصاديا مغذيا للقطاعات الاخرى ويسهم في خلق عشرات الالاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة اذا ما احسنت الحكومة التعامل معه وفقا لاستراتيجة تأخذ بالحسبان المصالح الحيوية للدولة الاردنية في اعادة الاعتبار لهذا القطاع وتنميته وتحقيق القيمة المضافة من خلال تعديل سلوكها في التعامل مع المستثمرين في هذا القطاع انطلاقا من فهم عميق للدور الاستراتيجي الحقيقي لهذا القطاع.

واحبطت شركات نقل عديدة واضطرت للخروج من السوق والغاء استثماراتها وبيع اسطولها وبعضها الاخر اضطر الى تقليص انشطته التشغيلية بالقدر الذي يغطي نفقاته ولا يكبده خسائر مالية اضافية وقلصت اعداد العاملين لديها.

وبدلا من ان يكون قطاع الشحن البري قطاعا داعما للاقتصاد ومحركا من محركاته كما هي النماذج في الدول الاخرى من خلال الاستفادة من الموقع الجغرافي المتوسط للاردن والنافذ على العديد من الدول في الشرق والغرب والجنوب والشمال ورابطا بين قارتي اسيا وافريقيا.

وفقد قطاع الشحن كثيرا من تنافسيته في هذا المجال لاسباب واعتبارات كثيرة ، كان من الممكن تجاوزها فيما لو تم النظر الى هذا القطاع والتعامل معه وفقا لاقتصادات النقل المعروفة.

وتراجعت اعداد اسطول الشحن الاردني بشكل كبير في ظل تراجع الانشطة الاقتصادية والتصديرية نحو الدول المجاورة.

حيث تم التعامل مع القطاع من منطلق انه اداة حكومية لتخفيف الضغط الشعبي عليها تارة من خلال ارضاء هذه المنطقة الجغرافية من الاردن او تلك والتسليم بعدم تطوير القطاع وانتشاله من الفردية في العمل وضعف الاشراف عليه والقدرة على وضع نظم وتعليمات تضمن تطوير الاسطول وتنميته واستفادته من المعطيات الاقليمية سواء في تنشيط السوق العراقي والخليجي والسوري.

حيث باتت الحكومة تتخذ قرارات تظنها سهلة ولكنها في حقيقة الامر شكلت نكسات للقطاع وعلى سبيل المثال عدم قدرتها على فرض شروط تحديث اسطول الشحن البري اسهم في عدم قدرة الشاحنة الاردنية الدخول الى السوق الخليجي بسبب التعليمات التي تضعها تلك الدول بالنسبة للعمر التشغيلي للشاحنة والتي تقل كثيرا عن العمر التشغيلي المحدد في الانظمة الاردنية الخاصة بقطاع الشاحنات.

وبالتالي افقد القطاع سوقا مهما ورئيسيا وافسح المجال امام شاحنات الدول الاخرى للدخول للاردن وتحميل البضائع المصدرة نحو الخليج بسبب عدم وجود عدد كاف من الشاحنات الاردنية تنطبق عليها شروط العمر التشغيلي من تلك الدول.

ومن جانب اخر وعلى صعيد النقل الداخلي للبضائع فقد تعاملت الحكومة بنفس المعايير والحساسية نحو اي اصطدام مع مالكي الشاحنات الافراد على حساب مصالح شركات نقل منظمة تمتلك اسطول من الشاحنات الحديثة والملتزمة بالمعايير والشروط الصادرة عن هيئة النقل البري فيما يتعلق بنوعية الشاحنات والامور المتعلقة بالسلامة العامة على الطرق وما تحرص عليه تلك الشركات ، باجراء الصيانة الدائمة والمستمرة لاسطولها من حيث جاهزيتها الفنية للسير على الطرق والتزام السائقين العاملين في تلك الشركات بالتعليمات المتعلقة بالسرعات المقررة والالتفات الى جاهزية الشاحنة واستبدال الاطارات في الوقت المحدد لانتهاء عمرها التشغيلي وما يشكله ذلك من اسباب رئيسية لتخفيض الحوادث المرورية وكذلك التزام الشركات في استبدال الشاحنات التي ينتهي عمرها التشغيلي والتحديث المستمر لاسطولها لتنفيذ التزاماتها مع الشركات والمصانع التي تعمل على نقل بضائعها داخليا وخارجيا.

هذا بالاضافة الى اتباع الحكومة ووزارة النقل لسياسات متقلبة من حيث السماح او عدم السماح للشركات بنقل البضبائع الا في اطار عدد محدد من النقلات وتحديد ايام محددة لها لنقل البضائع والزامها بمنح الشاحنات التي يملكها الافراد بحصة معينة من العطاءات التي ترسو عليها ، وهو الامر الذي يزيد كلف التشغيل على الشركات التي تلتزم بتشغيل موظفين وفنيين وسائقين والتزام بإجراء الصيانة الدورية لشاحناتها وتحديثها وفقا للتعليمات بهذا الجانب علاوة على خسارتها في المردود المالي للعطاء جراء هذه التصرفات.

اذا فإن اي استراتيجية متعلقة بالنقل وخاصة نقل الشاحنات يجب ان تكون نابعة من دراسات جدوى اقتصادية مرتكزة على احداثيات وارقام نابعة من اتباع نهج اقتصادي يطبق اقتصاديات النقل بكل اركانه وتفاصيله ، وعدم اخضاع القطاع للمزاجية وجعله جزء من ادوات الحكومة في حل المشكلات التي تواجهها مع هذه الفئة او تلك.

كما لا بد من النظر بأهمية مطلقة الى دور قطاع الشحن البري كقطاع داعم للتنمية المستدامة من حيث توفير الحوافز للشركات المنظمة ودعمها بالشكل الذي يحقق الاهداف العامة لاي استراتيجية في جعل قطاع الشحن البري ، قطاعا مساهما في النمو الاقتصادي ودعم القطاعات الاخرى ، وتمكينه من استعادة مكانته الاقليمية واستعادة الاسواق التي فقدها بفضل السياسات الحكومية المرتكزة على حل مشكلة وترحيلها للامام على حساب القطاع بأكمله.

وبالرغم من ذلك فقد تطور قطاع الشحن البري متزامنا مع تطور الخدمات اللوجستية التي تكاملت مع قطاع الشحن البري بشكل فعال بالنظر لتطور الانشطة الاقتصادية ، وحاجتها الى حلول لوجستية متكاملة يتداخل فيها عناصر النقل والتخزين والتوزيع وتتبع الشحنات  ، ما يعني ان نجاح النشاط الاقتصادي قائم على نجاح كل العناصر الاخرى ، وهو الامر الذي توفره الشركات التي توظف كفاءات وخبرات قادرة على دمج الانشطة المتعددة وتقديم خدمة نوعية للشركات والمصانع ، لا يمكن ان تتوفر في حال بقاء الملكيات الفردية في القطاع دون معالجة واقعية من خلال عدة خيارات تحافظ على مداخيل تلك الفئة وبنفس الوقت لا تكون حجر عثرة في طريق تطوير القطاع.

وتعتبر شركات النقل التي تعمل وفق نظريات اقتصادية وعمل لوجستي محترف ذراع اقتصادي تنموي مهم من مصلحة اي حكومة تنظر الى احداث نقلة نوعية في الشأن الاقتصادي ان تقدم لها الدعم وتوفر لها الحوافز للبقاء والتوسع والنمو.

لا يمكن اليوم ان نتحدث عن نظرة مستقبلية للاردن في محيطه الاقليمي وتمكينه من ان يستثمر موقعه الجغرافي المهم كنقطة التقاء للعديد من طرق الشحن الدولية بمعزل عن الرغبة الاكيدة في ايجاد اطر عملية لهذا الهدف من خلال سلسلة من العمليات الجراحية وتخليصه من الاثار المدمرة للقرارات التي اتخذت خلال الاعوام الماضية افقدته تنافسيته وابعدت عنه الاستثمارات التي كان من الممكن ان تتضاعف فيما لو تم توفير مناخ جاذب لهذه الاستثمارات.

ولا يجب ان تكون الحلول لجزئية من هذا القطاع على حساب المصلحة العليا للاقتصاد الاردني ، فهناك الكثير من الصيغ الممكنة لادماج العاملين في القطاع في اطار شركات منظمة تخضع للمعاير ذاتها التي يتم اخضاع شركات النقل القائمة للعمل بموجبها واخذ دورها في عملية النقل والشحن للبضائع محليا واقليميا.

قطاع النقل يشكل فرصة استثمارية واعدة بالامكان البناء عليها اذا ما التقت النوايا مع الاجراءات الضرورية لتعظيم هذا الاستثمار بالشكل المأمول.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى