تزال الخلافات والأزمات في الكيان الصهيوني تتعمق، لكنها تتجلى بوضوح في مجلس الحرب الإسرائيلي (الكابينت)، إذ طفت ملامحها الحادة على السطح بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس حكومة الكيان الصهيوني المتطرف بنيامين نتنياهو أول من أمس، إذ إن وزير دفاعه المتطرف يوآف غالانت رفض عقد المؤتمر بجواره، ما يؤشر الى تجذر وتعمق أزمة الكيان؛ السياسية والعسكرية، تلك التي بدأت تتفجر على نحو جلي بعيد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة (حماس) حين قضت على لواء غزة الصهيوني في 7 أكتوبر الماضي، وأخرجته عن الخدمة، ثم تلا ذلك انعتاق جني السعار الوحشي ببدء قوات الاحتلال حربا عدوانية على قطاع غزة.
وبرغم حالة التشظي الداخلي والصراع المعلن في عمق الكيان، والتي اكد خبراء وسياسيون انها ستغير بنيته، وستطيح بمستقبل المتطرف نتنياهو، وتضاعف شعبية منافسه غالانت، لكنها لن تؤثر على مسار هذه الحرب على قطاع غزة.
ولفتوا الى ان اتفاقا معلنا بين رؤوس الحرب العدوانية في “الكابينت”، يشدد على استمرارها، واستمرار سعار الدعوات بإنهاء حركة حماس، تحت ذريعة ضمان امن الكيان، وتحرير أسراه الموجودين في قبضة الحركة، وفقا لخبراء.
ولفت الخبراء في أحاديث منفصلة ، الى أن عمق أزمة الكيان الداخلية، وارتفاع شعبية غالانت ضد نتنياهو، تبقى حبيسة مجلسه الحربي تكتيكيا، وترتبط بمسار الحرب على غزة، وليس بشأن استمراريتها، فضلا عن تعاظم الدعم الأميركي لإطالة أمد الحرب والاستفحال بقتل الغزيين، برغم أن أهدافها كحرب منذ اندلاعها وحتى اللحظة، غامضة وغير مدروسة، ولم تحقق سوى مزيد من إيقاع ضحايا التدمير بين الغزيين.
الخبير السياسي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية د. محمد القطاطشة، قال إن الولايات المتحدة الأميركية، تقدم دعما لا محدودا للكيان في حربه على غزة، ما يجعل خلافاته الداخلية، غير مؤثرة على هذه الحرب الوحشية، في وقت يرى فيه 71 % من الصهاينة، أن نتنياهو لم يعد مقبولا بينهم، وفقا لاستطلاعات رأي داخلية.
واشار القطاطشة، الى أن الوقت حان لانتهاء وقت المتطرف نتنياهو، فيما يستعد الوزير الحالي بيني غانتس في حكومة الطوارئ الصهيونية ووزير الدفاع السابق للاحتلال، ليحل مكان نتنياهو.
وشدد على ان الخلافات في “الكابينت” لا تؤثر على سير الحرب، وأن مجلس الحرب الصهيوني، يتطلع لقتل وجرح أكبر عدد من مدنيي القطاع أو الضفة الغربية، إلى ان يحدث عمل عسكري كبير في الضفة او داخل الاراضي المحتلة عام 1948 يوقف هذه الحرب.
ولفت القطاطشة، الى تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن، الذي أطلقها أول من أمس، تحدث فيها بلسان من يدير الحرب الوحشية على غزة، وأعاد التأكيد الاميركي الذي لم يتوقف طيلة ايام الحرب، على “أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ليس خاضعا للتفاوض، ولن يكون كذلك أبدا”.
واوضح أوستن، ان هناك روايتين تحدثان لأول مرة وهما: أن أميركا تدير الحرب حاليا في غزة بوحشية غير مسبوقة، على خلاف ما كانت تقوله في حروبها السابقة، وتغلفها بأطر اخلاقية، ما يدل بوضوح على ان اميركا تريد اعادة هيبتها الردعية، بعد ان تداعت في اكثر من مكان على الكوكب، مثل افغانستان وأوكرانيا.
اما الرواية الثانية، والحديث للقطاطشة، فهي مقارنة “حماس” بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومعناه ايضا ان اميركا تشعر بقوة حماس وتكتيكاتها على الارض، وترغب كما الاحتلال الذي تدعمه، بإنهاء وجود هذه الحركة المتجذرة في بنية المجتمع الفلسطيني، مؤكدا ان الخلافات في “الكابينت” ستؤثر كثيرا على النزاعات الداخلية في حكومة الكيان، ومستقبل رئيسه المتطرف، لكن برغم ما هي عليه من تفسخ، فلن توقف حربها التدميرية على القطاع.
وفي اطار الرواية الثانية، اشار القطاطشة الى ان دخول قوى اقليمية جديدة على الخط في هذه الحرب، ولا نتحدث هنا عن ايران، بل عن فتح جبهة عربية، قد يوقف هذه الحرب، في وقت يصعد الاحتلال منها لإبادة أهالي غزة والضفة، وهو بذلك سيقف في مواجهة مع الأردن ومصر وخطوطهما الحمراء التي وضعاها، إزاء اي محاولات تهجير تقوم بها قوات الكيان، واتخاذ اجراءات صارمة تجاهه، وحتى تجاه الولايات المتحدة.
وكان أوستن، أكد أن دعم الولايات المتحدة للكيان “ليس خاضعا للتفاوض، ولن يكون كذلك أبدا”، مبينا في كلمة له بمنتدى نظمته مؤسسة “رونالد ريغان” الرئاسية في ولاية كاليفورنيا، أنه “من دون أفق للأمل، سيظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني محركا لانعدام الأمن والمعاناة الإنسانية”.
وشدد أوستن، على أن واشنطن “ستبقى دائما صديقا مقربا لإسرائيل”، معلنا في الوقت ذاته بأنه يعد ضغطا شخصيا على قادة الاحتلال، لتجنب سقوط ضحايا بين مدنيي غزة، ومنع عنف المستوطنين في الضفة، وتوسيع نطاق الوصول للمساعدات الإنسانية بشكل كبير.
في المقابل، يرى استاذ العلوم السياسية د. وليد ابو دلبوح، ان الولايات المتحدة التي قدمت دعما ضئيلا لغزة (25 طن مساعدات) باليد اليمنى، تمنح الاحتلال ضوءا اخضر لتنفيذ جرائم قتل وتدمير ومذابح في القطاع، وتزود الكيان بآلاف الأطنان من الاسلحة والذخائر والمستشارين العسكريين والاعمال اللوجستية الاستخبارية باليد اليسرى.
وأضاف أبودلبوح، ان الانشقاق الداخلي في حكومة الكيان، ضبابي، وخلافات “الكابينت” الظاهرة للعلن، لا تؤثر بأي شكل على وقف الحرب، مضيفا “يبدو ان هناك اجماعا داخليا لدى حكومة الكيان، بانهاء حماس وابادة غزة، وان ما خلافاته تكتيكية وليست مفصلية، فلا احد في الحكومة المتطرفة يريد التهدئة”.
وشدد أبو دلبوح، على أن انهاء الحرب على القطاع، يحتاج لوقت، ويعتمد على شراسة المقاومة الفلسطينية وبالذات حماس من جهة، واتجاهات الرأي العام الاميركي تجاه فترة رئاسية جديدة لبايدن من جهة اخرى، والتي باتت تتأثر بشكل كبير في ظل استمرار الحرب، متوقعا خفوت الضوء الاخضر الاميركي للكيان يوما بعد يوم.
ويتزامن مع خلافات مجلس الحرب الصهيوني وغالانت، انتقادات وتحذيرات من جهات خارج حكومة الطوارئ الصهيونية، وجهها رئيس وزراء الكيان الاسبق إيهود أولمرت وقال فيها “إن المجتمع الدولي، سيجبر إسرائيل على إنهاء الحرب ضد حماس، إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية برفض الكشف عن تصورها لما سيكون عليه القطاع بعد انتهاء الحرب”.
أولمرت الذي طالما انتقد نتنياهو، قال إنه “إذا أرادت إسرائيل كسب الوقت وصبر المجتمع الدولي، فعليها الاعلان بأنها ستنسحب من القطاع بعد الحرب، وتقدم رؤية واضحة لغزة بعد القضاء على حماس”، داعيا نتنياهو الى الاستقالة فـ”كل دقيقة يبقى فيها (في السلطة) تلحق الضرر بإسرائيل”.
وكانت المواجهة عادت مجددا بين المتطرفين: نتنياهو وغالانت، حين رفض الاخير عقد مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في تل أبيب، فرد نتنياهو حينها على هذا الموقف، أنه اقترح على غالانت إقامة مؤتمر صحفي مشترك، لكنه “اختار ما اختار”، في إشارة إلى أنه عقد مؤتمرا صحفيا منفصلا عنه، مؤكدا أن لديه تفويضا من الصهاينة بقيادتهم، وأنه لا يعمل وفقا لاستطلاعات الرأي.، ملمحا بأنه غير مهتم بهذه الاستطلاعات التي تظهر تراجعا كبيرا في شعبيته وأحزاب اليمين الحاكمة، وعلى رأسها الليكود، في مقابل صعود أحزاب معارضة، لكن نتنياهو وغالانت في مؤتمريهما الصحفيين، وعدا بمواصلة الحرب على غزة، حتى تقويض القوة العسكرية لحماس.
وكانت بوادر الخلاف بين أركان “الكابينت” ظهرت في الأسابيع الأولى من الحرب، ويقول مراقبون أن الخلاف بين نتنياهو وغالانت كبير، مشيرين إلى أن “الكابينت” يعتقد بأن نتنياهو يقود حربا على غزة لإنقاذ مستقبله السياسي، وهو ما يؤكده استاذ العلوم السياسية بالجامعة الاردنية د. حسن المومني.
واضاف المومني، أن الدافع الشخصي، هو الذي يقود نتنياهو الى الاستمرار في الحرب الوحشية على غزة، وان الخلافات بينه وبين وزراء في حكومته، موجودة أساسا قبل الحرب، اذ احتج هؤلاء على الاصلاحات القضائية التي قاد نتنياهو حملة اقرارها في الكنيست، وكانوا يريدون استقالته برغم انه الاكثر قدرة على المراوغة، ومساندة الليكود والاحزاب اليمينية المتطرفة وحزب شاس له.
واضاف المومني، “في مسألة الحرب، كان هناك خلافات في السياق الإستراتيجي العام، الا ان الجميع متفق على عدم وجود حماس في غزة، حتى لا تشكل تهديدا لكيانهم، ويحلمون بتحرير الاسرى، وهي اهداف عامة لديهم جميعا”.
وقال، إن صدمة 7 اكتوبر، اصابت المؤسستين السياسية والعسكرية في الكيان بمقتل، فالخلافات حول التفصيلات مع تزايد الضغط الاميركي، بدأت تبرز على السطح مع زيارة وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن الى الكيان في مستهل حرب الكيان وآخرها كانت في نهاية الاسبوع الماضي.
وبين المومني، ان غالانت قد يكون مختلفا عن نتنياهو في الاسلوب، وأن قيادات الكيان تدرك بانه بدأ ينقلب على سياسات حكومته الاستراتيجية، وان دافعه الشخصي يتبلور بتقديم نفسه على انه قادر على جلب أمن الاحتلال، الى ان جاءت 7 اكتوبر، وهزت صورته واضعفت قدرته، برغم انه سياسي ملتزم باهداف الكيان.
كما ان انهاء مستقبله السياسي، سيعيده الى المحاكمة وفقا للمومني، الذي اكد ان جزءا من ردة فعله اعتقاده بان حماس دمرت مستقبله السياسي وسيخسر الكثير. كل ذلك بعد التنازلات التي قدمها، وهو من أكد لليكود بانه الوحيد القادر على هزيمة حماس، أضف الى ذلك إسهامه بإقرار مليارات الدولارات من الموازنة للأحزاب المتطرفة، لكن غالانت بدأ يتفوق عليه شعبيا، وهذه ستكون بداية النهاية لمستقبله السياسي، وفقا للمومني.